العلاقات الجزائرية - العمانية: فرصة تبون للاستماع إلى وجهات نظر خليجية

بإبرام 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وصندوق استثماري مشترك بـ 300 مليون دولار يكون البلدان قد تجاوزا مرحلة الاكتشاف أو التعارف قياسا بطبيعة علاقاتهما الثنائية خلال العقود الماضية.
الخميس 2025/05/08
علاقة ظلت لعقود حبيسة الجغرافيا المتباعدة

زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر أحيطت بزخم لافت، قياسا بتأسيسها لنموذج تتجلى فيه قدرة الإرادة السياسية والدبلوماسية الرصينة، في تجاوز خصوصيات علاقة ظلت لعقود حبيسة الجغرافيا المتباعدة، فباستثناء التمثيل الرسمي في العاصمتين، وبعض الأنشطة النادرة، توصف الزيارات السامية بين الجزائر وسلطنة عمان، بـ”النادرة”، إلى غاية العامين الأخيرين أين تبادل قائدا البلدين زيارتين.

زيارة السلطان هيثم استكملت مسارا بدأه العام الماضي الرئيس عبدالمجيد تبون، وأبانت عن توجه الحاكم الجديد في عمان للانفتاح على مختلف الوجهات الممكنة والمتاحة، في إطار خطة لإخراج البلاد نحو محيط متعدد الزوايا، بدأ يثبت جدارته في وقت قياسي، من خلال وساطات أجلست الأميركيين والإيرانيين إلى طاولة التفاوض، وأوقفت الهجوم المتبادل بين الأميركيين والحوثيين.

من جهته الرئيس تبون، هو الرئيس الجزائري الوحيد الذي أصر على قضاء ثلاثة أيام في مسقط العام الماضي، ليكسر بذلك تقليد “النادر” الذي ميز علاقات القادة، ورغم التساؤلات التي أثيرت حينها عن جدوى الزيارة، ومدى أولوية السلطنة في أجندة دوائر القرار الجزائري، إلا أن المخارج المتتالية أثبت صواب الاختيار، الأمر الذي يؤكد على أن القائدين لا تعيقهما المعطيات الآنية، إذا أخذ في الحسبان تبادلا تجاريا لا يتعدى سقف الأربعين مليون ريال، وجالية جزائرية تقدر بأقل من ثلاثة آلاف شخص، لأنهما يطمحان إلى ما هو أبعد وأكثر فائدة.

◄ سلطنة عمان حولت علاقاتها مع مختلف زوايا المنطقة بما فيها ما يعرف بـ"القوى المارقة" كإيران والجماعة الحوثية إلى لافتة فارقة تتوقف عندها القوى الكبرى وأجلست الأميركيين للتفاوض مع الإيرانيين

وبإبرام 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم، وصندوق استثماري مشترك بـ300 مليون دولار، يكون البلدان قد تجاوزا مرحلة الاكتشاف أو التعارف، قياسا بطبيعة علاقاتهما الثنائية خلال العقود الماضية، ومرّا إلى تعاون يأخذ طابعه الإستراتيجي تدريجيا، والى تشاور لتبادل وجهات نظرهما في مختلف القضايا والملفات الإقليمية والدولية.

البيان المشترك الذي توج الزيارة التي وصفت بالتاريخية للسلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر، أبدى تفاؤلا كبيرا بمستقبل علاقات البلدين، انطلاقا من حزمة الاتفاقيات التي أبرمت بين الطرفين، لكنه لم يتوسع بشأن اللقاء الانفرادي الذي جمع القائدين، واكتفى بذكر الملفات التي تم التطرق إليها، لكن الأكيد أن الرجلين تناولا ما لم يسرّب للإعلام، خاصة وأن الجزائر وسلطنة عمان، يظهر توافقهما ورغبتهما في إرساء مرحلة جديدة تكون بامتدادات عمقهما الجغرافي والقومي.

وتكون الروابط الإنسانية التاريخية والثقافية والدينية (المذهب الإباضي) التي تجمع الشعبين الشقيقين، والطبيعة النخبوية للجالية الجزائرية في سلطنة عمان، محفزا على تعزيز البعد الاجتماعي بين البلدين، وحتى إشاعة السلم الأهلي، قياسا بالنهج المعتدل والقدرة على التعايش مع مختلف التيارات التي تميز المذهب المذكور، ما يجعله مصدرا للاستقرار والاعتدال في البلدين.

ومع تبادل تبون والسلطان هيثم، وجهات نظرهما حول مستجدات التطورات الدولية والإقليمية، وتأكيد حرصهما على العمل على تنسيق مواقف بلديهما حول هذه القضايا، بما يتماشى ومبادئ سياستهما الخارجية، وبما يخدم مصالحهما ومصالح الأمتين العربية والإسلامية، ويعزز دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، فضلا عن اتفاقهما على ضرورة مواصلة العمل، بالتنسيق مع أشقائهم العرب سواء على المستوى الثنائي أو ضمن إطار جامعة الدول العربية، لتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك ولمواجهة التهديدات والتحديات متعددة الأوجه، التي تهدد أمنها واستقرارها، يكون الرجلان قد اطلعا على وجهتي نظيرهما، فالسلطنة تريد توسيع دائرة انفتاحها على عمقها المنسي في شمال أفريقيا، والجزائر تريد الاستماع إلى وجهة نظر هي جزء من منطقة الخليج العربي.

◄ البيان المشترك الذي توج الزيارة التي وصفت بالتاريخية للسلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر، أبدى تفاؤلا كبيرا بمستقبل علاقات البلدين، لكنه لم يتوسع بشأن اللقاء الانفرادي الذي جمع القائدين

سلطنة عمان حولت علاقاتها مع مختلف زوايا المنطقة، بما فيها ما يعرف بـ”القوى المارقة” كإيران والجماعة الحوثية، إلى لافتة فارقة تتوقف عندها القوى الكبرى، فأجلست الأميركيين للتفاوض مع الإيرانيين، وأوقفت الهجمات العسكرية المتبادلة بين الأميركيين أيضا وبين الحوثيين، فاعتمدت توظيف العلاقات في نمط الوساطة الدبلوماسية، وهو خيار فيه قواسم مشتركة مع الجزائر.

الأوضاع المأساوية في فلسطين وفي قطاع غزة كانت حاضرة في اللقاء الانفرادي، والتي عبر عنها البيان بالقول “القائدان عبّرا عن استهجانهما واستنكارهما الشديدين لحرب الإبادة وسياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما خلفته من مآس غير مسبوقة فضلا عن الدمار المروع الذي طال البنية التحتية الحياتية من مستشفيات ومدارس ودور العبادة في القطاع.”

وكانت دعوة المجتمع الدولي، لاسيما مجلس الأمن، للاضطلاع بمسؤولياته لوقف فوري للحرب على غزة وإيجاد تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبدأ حل الدولتين، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، حاضرة كقاسم مشترك يعبر عن وجهة نظر أساسية في الموقف العربي، لكنها تحتاج إلى تضافر جهود للصمود في وجه مختلف المناورات الإقليمية.

وبعيدا عن التقارير الرسمية الموجهة للرأي العام في البلدين، فإن الزيارة سمحت للطرفين بالاستماع والاطلاع على تصورات كليهما للأوضاع والملفات المطروحة في المنطقة والإقليم، وإذا كانت نية السلطنة واضحة في توسيع انفتاحها على عمقها الجغرافي والقومي، فإنها تبقى دولة خليجية تتحرك في إطار جغرافي وإستراتيجي معين، ولأن الجزائر لا تحقق التوازن المطلوب هناك، تبقى في حاجة إلى بوابة عمان لحجز مكان لها في علاقات وشراكات في منطقة الخليج.

8