مجلس الإعلام المصري يغرق في وحل تجاوزات منصات التواصل

تثير العقوبات التي فرضها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر على بعض الحسابات الاجتماعية جدلا واسعا باعتبارها انتقائية ولا يمكن له تطبيقها على جميع الصفحات. كما أن البعض يرى أنها ليست من صميم اختصاصه.
القاهرة - اتخذ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر قرارات عقابية ضد عدد من الصفحات الإلكترونية والقنوات التي تعرض محتويات مختلفة على منصات التواصل الاجتماعي، لمخالفتها المواثيق الإعلامية وتوظيفها للترويج لمنتجات غير مرخصة، وهو ما ترك تساؤلات عديدة حول قدرته على التعامل مع التجاوزات التي يتم بثها بشكل مستمر وتبقى خارج إمكانات السيطرة عليها، مع سرعة تدفق المعلومات والقدرة على الوصول بالمحتويات إلى الجمهور عبر منصات مختلفة وبأسماء وأدوات جديدة بعيدا عن الإطار التنظيمي أو الرسمي.
وقرر المجلس، المعني بتنظيم عمل وسائل الإعلام في مصر بما فيها مواقع التواصل، الأحد حجب عدد من الصفحات على مواقع التواصل لقيامها بالترويج لبعض المستحضرات والأجهزة الطبية دون الحصول على ترخيص من هيئة الدواء المصرية، بعد أن تلقى تظلمات من تلك الصفحات.
واستدعى المجلس عددا من المؤثرين على المنصات الرقمية سابقا بينهم الصحافي والإعلامي إسلام صادق ووجه إليه إنذارا بحجب صفحته المدونة باسمه على موقع فيسبوك، لتناوله أخبارا مجهولة المصدر من شأنها إثارة جماهير الكرة المصرية، وكلف المجلس الإدارة العامة للرصد بمتابعة نشاط الصفحة للتحقق من عدم تكرار المخالفة.
كما استدعى المجلس أيضا مسؤولي قناة “أهلاوي وزملكاوي” على يوتيوب، لسماع الإيضاحات اللازمة ردا على ما جاء بتقرير الإدارة العامة للرصد من مخالفات للضوابط والمعايير الإعلامية والأكواد الصادرة عن المجلس التي شابت المحتوى المقدم في القناة.
ويتفق خبراء الإعلام على أن التعامل مع المنصات الرقمية بنفس مبادئ الرصد والمتابعة المفروضة على الإعلام التقليدي ليس منطقيا، ومن المستحيل متابعة الآلاف من الصفحات والقنوات التي تقدم محتويات إخبارية أو ترتكب أخطاء وتجاوزات دعائية أو ترويجية.
ويرى الخبراء أن ذلك من شأنه أن يشتت جهود المجلس الذي تنحصر مهمته الرئيسية في ضبط المحتوى الإعلامي في وسائل الإعلام التقليدية، والتي تعاني من الأخطاء والتجاوزات التي تتعلق بواقع اقتصادي ومهني بحاجة إلى اتخاذ إجراءات على مستوى تحسين بيئة عمل الإعلام وتشجيعه على تحقيق مكاسب وأرباح من خلال أهداف الإعلام والأخبار الرئيسية.
ويظل تأثير الجهات الرقابية على المنصات الرقمية ضعيفا للغاية، وسوف تتزايد التساؤلات حول أسباب حجب صفحات دون غيرها، وسيكون مجلس الإعلام أو غيره من الجهات في موقع الاتهام لأنه لم يتعامل مع جميع المحتويات، بخاصة وأن هناك عددا هائلا من الصفحات والقنوات على يوتيوب تحقق مشاهدات مرتفعة وتستطيع جذب مئات الآلاف من المتابعين، ويمكن أن يكون لها تأثير على اتجاهات الجمهور، وعلى مجلس الإعلام وفقا لتلك المهمة أن يتابع كل ما يتم نشره خلالها.
وقالت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة نشوى عقل إن التعامل مع الأخبار الزائفة عبر المنصات الرقمية له طريقة وأسلوب تعامل واحد يتفق عليه العالم ويتعلق بوجود ضوابط من خلال المنصات ذاتها وليس عبر متابعة ما ينشره الأفراد عليها، وأن تجربة فيسبوك مع القضية الفلسطينية وحرب غزة أكبر دليل على ذلك، ويجب أن يكون التعامل من خلال المنصات وليس عبر حجب صفحات الأشخاص لأن هؤلاء سوف يصلون بمحتواهم إلى الجمهور عبر منصات أخرى.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن طبيعة إنشاء مواقع التواصل كونها منصات يصعب التحكم فيها من المؤسسات الحكومية أو الدول أو المجتمعات التي تتفاعل معها وهي مخصصة لكي تكون الكلمة العليا للفرد إما أن يكون ذلك بشكل إيجابي أو سلبي، وتبقى محاولات للضبط تأخذ في الاهتمام فترة من الوقت ثم تعود الأمور كما كانت عليه مع اقتناع المؤسسات الرقابية بعدم قدرتها على تحقيق الأثر المرجو.
وأشارت إلى أن المهمة الرئيسية للمجلس الأعلى للإعلام في مصر يجب أن تركز على الإعلام التقليدي، والتعامل مع جرائم الإعلام الرقمي يبقى من خلال التعاون والتنسيق مع هيئات ومؤسسات مختلفة وفي الحالات التي تسبب ضررا مجتمعيا بالغا، وهناك العديد من الصفحات التي تقدم خدمات إيجابية وتتعارض مع أدوار جهات رسمية وليس من المعروف كيف يمكن التعامل معها، كما أن معيارية العقوبة يجب أن تكون مطبقة على جميع الصفحات أو القنوات وليس على بعضها أو عدد قليل منها.
ويقضي قانون المجلس الأعلى للإعلام في مصر بتوقيع عقوبات على المؤسسات الإعلامية التي تنشر أخبارا كاذبة أو شائعات، وتشمل فرض غرامات تصل إلى 250 ألف جنيه (الدولار=51 جنيها)، وحجب المواقع أو الصفحات لفترة مؤقتة أو دائمة، ومنع البث أو النشر لبعض البرامج أو المحتوى، وتُطبق هذه الإجراءات عند نشر معلومات غير دقيقة أو نقل محتوى غير موثوق دون التحقق من مصداقيته. كما يتضمن ذلك المحتوى الذي يحض على الكراهية أو يضر بمصالح الدولة العامة.
وقاد توظيف وسائل الإعلام، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، في الترويج لأدوية مغشوشة إلى دخل مجلس الإعلام على خط الأزمة التي أخذت في التفاقم جراء الحصول على عوائد إعلانية، وهو ما دفعه إلى تحديد عدد من الشروط الواجب توافرها في هذا النوع من الإعلانات، في مقدمتها الحصول على ترخيص هيئة الدواء الحكومية، ومن هنا جاءت عقوبته الأخيرة ضد صفحات مواقع التواصل.
وأكد أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس حسن علي أن الرؤية المصرية للتعامل مع محتويات التواصل الاجتماعي قاصرة، لأنها من المفترض أن تبدأ بتعزيز النشأة الإعلامية لدى الأطفال ووصولا إلى طلاب الجامعات وهم الأكثر تفاعلا وتوظيفا للمنصات الرقمية لتقديم محتويات دعائية وإعلامية، وأن حجب الصفحات يظل تأثيره محليا لكن هذه الصفحات تعمل من الخارج ويمكن أن يستمر تأثيرها، فتسليط الضوء عليها من جانب مجلس الإعلام يمنحها المزيد من المتابعين.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن عقوبة الحجب تعبر عن غضب مؤسسات الدولة من القائمين على هذه الصفحات، لكنها ليست حلا والبداية يجب أن تكون من خلال التثقيف والتدريب وتعديل مناهج كليات الإعلام وإضافة مقررات التربية الإعلامية، وتطوير الإعلام التقليدي، وتحقيق العلاقة التكاملية مع المنصات الرقمية بدلا من حالة التبعية الحالية التي تصبح فيها مواقع التواصل أكثر تأثيرا وحضورا.
وأشار إلى أن الإعلام المصري يعاني مشكلة تتعلق بكون القائمين على وضع التشريعات المنظمة لعمل وسائل الإعلام، والقائمين على رقابتها ليست لديهم الخبرات التي تؤهل للتعامل مع محتويات مواقع التواصل، وتظل الإجراءات غير متماشية مع الواقع، وأن قانون مجلس الإعلام المصري بحاجة إلى إدخال تعديلات عليه كي لا تكون ضمن اهتماماته متابعة المنصات الرقمية التي تجعله يستغرق في رصد ومتابعة محتويات من الصعب ضبطتها.
وذكر أن استخدام عقوبة الحجب لا يخدم حرية الإعلام في مصر، وإن كان هدفها ضبط المحتويات الإعلامية المنشورة، وتضع منظمة “مراسلون بلا حدود” وغيرها من الهيئات الدولية التي تصدر تقاريرها السنوية بشأن حرية الصحافة والإعلام، درجاتها وفق تدخل الجهات الحكومية في منع وصول المحتوى، وهو ما يتم توظيفه بشكل سلبي ضد صورة الدولة المصرية في الخارج، وتترتب عليه آثار سلبية تتعلق بتعطل بعض المنح والمساعدات التي يتم توجيهها لتطوير مهارات الإعلاميين.
وأصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” قبل أيام تقريرها السنوي حول حرية الصحافة بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، وأشار إلى تراجع مصر أربعة مراكز على مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة خلال العام الجاري، لتحتل المركز 170 من أصل 180 دولة شملها التصنيف، مقارنة بالمركز 166 العام الماضي.