فخ الشام: إيران تنسحب، إسرائيل في الفخ، والعرب أين

في هذه المعادلة العرب ليسوا في المقدمة لكنهم هم من يديرون المسرح من الخلف.. تحرّك إستراتيجي بلا بيانات وضغط دبلوماسي بلا تهديدات وتحجيم لأدوار إيران وإسرائيل بلا ضجيج.
الأربعاء 2025/05/07
الانسحاب ليس خروجا، بل هو استدراج

في لحظة بدت هادئة من المشهد السوري، جاء الانسحاب الإيراني من عدة مواقع إستراتيجية في سوريا، خاصة من الجنوب وريف دمشق، ليطرح سؤالا كبيرا، هل هو تراجع نتيجة ضغط؟ أم إعادة تموضع محسوبة؟ المفارقة أن هذا الانسحاب لم يترافق مع تصعيد حزب الله، بل مع هدوء لافت على جبهات كانت ملتهبة. إسرائيل التي ظنّت أن الضغط العسكري المتواصل قد أجبر طهران على التراجع، ربما لم تفهم أن الخروج الإيراني ليس هزيمة، بل خطة باردة لضرب أكثر من هدف دون إطلاق رصاصة.

قد تظن القوى الغربية، بما فيها إسرائيل، أن إيران قد تنازلت بسبب الضغوط العسكرية والاقتصادية. لكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن هذا الانسحاب قد يكون خطة إيرانية معقدة، مدروسة جيدا، لإعادة تموضع إستراتيجي يفتح الطريق أمام موازنة قوى إقليمية أخرى. أحد السيناريوهات المخفية التي قد يراها البعض تحليلا “شيطانيا”، هو أن إيران قررت “التضحية” المؤقتة بمواقعها لتمكين إسرائيل من استثمار الفراغ، ليس لمصلحتها، بل لجرّها إلى مواجهة معقدة.

الهدف الإيراني من هذه الخطوة قد يكون وضع روسيا وتركيا في تماس مباشر مع إسرائيل، وخلق ساحة تفاعل تتطلب من تل أبيب استثمارات سياسية وعسكرية، تخرجها من مناطق راحتها التكتيكية. وبينما تتحرك إسرائيل لملء الفراغ، قد تكون إيران قد رسمت ساحة صراعات جديدة لا تملك تل أبيب أدوات التحكم فيها. الانسحاب ليس خروجا، بل هو استدراج.

◄ مع دخول الرباعي العربي إلى هذه المعادلة الخفية، لا إيران ربحت، ولا إسرائيل تقدمت… فقط العرب أزاحوا الجميع عن رقعة الشطرنج، وأعادوا ترتيب القطع بهدوء

هذا الفراغ “المُغري” دفع إسرائيل إلى توسيع نفوذها في سوريا، لكن مع كل خطوة توسّع، تقترب أكثر من حافة الهاوية. إذ أن القوى الكبرى التي تتقاطع مصالحها في سوريا – روسيا وتركيا وحتى النظام السوري – لن تسمح بتفرّد إسرائيلي طويل الأمد. وإذا ما دخلت إسرائيل في هذا المستنقع، فإن الانكشاف الإستراتيجي سيجعلها تدفع ثمنا سياسيا وعسكريا واقتصاديا متصاعدا.

ووسط هذا كله، حزب الله صامت. الجنوب اللبناني ساكن. لكن الصمت هنا ليس سلاما، بل هو تهديد مؤجل. المنظمة التي امتهنت حرب المفاجآت، قد تكون الآن في وضع إعادة التموضع كما طهران، بانتظار اللحظة المناسبة. هذا الهدوء، ضمن السياق الإيراني، هو استكمال للمصيدة لا انسحاب من المعركة.

لكن من يبطل هذه المعادلة المعقدة، ومن يُعيد هندسة الخارطة دون ضجيج، ليس لاعبا دوليا أو محورا معلنا.. بل الرباعي العربي السعودية ومصر والأردن والإمارات، هؤلاء الذين لم يرفعوا شعارات، بل حرّكوا التوازنات من خلف الستار، وغيروا قواعد اللعبة دون أن يُظهروا أوراقهم.

فالأخطر أن هذا الفراغ لم يُخلق في الهواء. بل جاء متزامنا مع تصاعد عربي هادئ لم يُلاحظ كثيرا. السعودية، مصر، الإمارات، والأردن، لم تدخل الساحة السورية بسلاح أو شعارات، بل دخلت عبر اتفاقات أمنية، تفاهمات إقليمية، وقنوات تأثير ناعمة. الهدف لم يكن ملء فراغ إيران، بل تفريغ أدواتها من داخل المشهد.

السعودية فتحت خطوط تواصل مع دمشق تعيد تعريف موقع النظام السوري، وتضعف قبضة طهران. مصر والإمارات أغلقتا طريق التمدد الإيراني عبر البحر الأحمر وليبيا. والأردن، بحكم الجغرافيا، عزز أمن الجبهة الجنوبية لسوريا، وأعاد توجيه الخارطة الأمنية في وجه محاولات إيران وأذرعها لخلق بؤر نفوذ هناك.

الرباعي العربي لم يُظهر عداء صريحا، لكنه نفّذ “عملية إزاحة ناعمة” أزاحت كِلا اللاعبين الكبيرين من الساحة، إيران وإسرائيل. فلا الأولى احتفظت بمواقعها، ولا الثانية سوف تستفيد من الفراغ. وهذا النمط الجديد من الصراع لا يشبه حرب المحاور، بل يشبه البرمجة الخلفية لنظام جديد.

في هذه المعادلة، العرب ليسوا في المقدمة، لكنهم هم من يديرون المسرح من الخلف. تحرّك إستراتيجي بلا بيانات، وضغط دبلوماسي بلا تهديدات، وتحجيم لأدوار إيران وإسرائيل بلا ضجيج. قد لا يرى العالم هذا التحرك، لكنه سيكون أوضح ما يكون في النتائج، انهيار تدريجي للمكاسب الإيرانية، وتورط إسرائيلي بطيء في ساحة لا يمكن الخروج منها بسهولة.

◄ القوى الغربية، بما فيها إسرائيل، تظن أن إيران قد تنازلت بسبب الضغوط العسكرية والاقتصادية. لكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن هذا الانسحاب قد يكون خطة إيرانية معقدة

أسئلة محورية ونتائج مبهرة:

• هل هي خطة مدروسة أم مجرد صدفة؟

• هل إيران، رغم انسحابها الظاهري، تدفع إسرائيل للتركيز على تحديات أكبر في سوريا؟

• هل التحرك الإيراني هو محاولة لتحفيز قوى أخرى، مثل روسيا وتركيا، للتورط في حروب طويلة الأمد مع إسرائيل؟

• هل قررت إيران تضحية مؤقتة لخلق فوضى إقليمية تجر إسرائيل إلى فخ يصعب الخروج منه؟

• هل تقترب إسرائيل من الدخول في صراع طويل الأمد مع قوى جديدة بدلا من تحقيق ما كانت تظنه مكسبا إستراتيجيا؟

النتيجة المتوقعة قد تكون انقلابا إستراتيجيا غير معلن.

الانسحاب الإيراني قد يبدو للكثيرين نقطة ضعف، لكنه في الواقع قد يكون بداية لعبة معقدة يُعاد فيها تشكيل ساحة الشام. ومع دخول الرباعي العربي إلى هذه المعادلة الخفية، لا إيران ربحت، ولا إسرائيل تقدمت… فقط العرب أزاحوا الجميع عن رقعة الشطرنج، وأعادوا ترتيب القطع بهدوء.

وما لم يُفهم اليوم، سيتحوّل غدا إلى صدمة سياسية مدروسة.

9