بوليساريو وتفكيك الأسرة كسلاح سياسي

الجرائم لم تكن وليدة قرار داخلي صرف إذ كل الشهادات الموثقة من منشقين عن الجبهة أو عن الأطر العسكرية المنشقة ومصادر مطلعة من داخل الجزائر تشير إلى ضلوعٍ مباشر للمخابرات الجزائرية.
الثلاثاء 2025/05/06
جريمة لا ترى بالعين المجردة

من بين كل الجرائم التي تُرتكب بصمت خلف أسوار المخيمات المعزولة في تندوف، تبقى الجريمة الأخطر تلك التي لا تُرى بالعين المجردة: قتل الروابط الإنسانية، وتمزيق النسيج الأسري عن سابق إصرار.

لقد حولت جبهة بوليساريو، بتواطؤ مكشوف من الاستخبارات الجزائرية، مفهوم “الأسرة” من ملاذ للحنان إلى أداة ضغط وقهر نفسي، بل وحتى إلى سلاح للتصفية الداخلية.

ففي سنوات احتدام التوتر داخل المخيمات، حين بدأت أصوات الغضب تتصاعد احتجاجاً على القمع والتجويع وسرقة المساعدات، لم تجد بوليساريو وسيلة أسرع لإخماد التمرد سوى استهداف الأسر ذاتها، حيث دفعت بعناصرها إلى دسّ الخوف في البيوت، وحرّضت أفراداً تحت التهديد أو الابتزاز أو غسيل الدماغ على “تقديم الولاء” من خلال تنفيذ عمليات قتل أو وشاية ضد ذويهم، و فعلا وقعت جرائم بشعة راح ضحيتها أشقاء وآباء وأبناء، وكل ذلك في إطار منظومة ترهيب شاملة هدفها تفتيت روابط التضامن الداخلي في المخيمات.

لكن هذه الجرائم لم تكن وليدة قرار داخلي صرف، إذ كل الشهادات الموثقة من منشقين عن الجبهة أو من الأطر العسكرية المنشقة عن نظام العسكر، ومصادر مطلعة من داخل الجزائر، تشير إلى ضلوعٍ مباشر للمخابرات الجزائرية (مديرية التوثيق والأمن الخارجي – DRS سابقاً) في تصميم هذا النموذج الوحشي من السيطرة.

◄ إن من يتستر على هذه الانتهاكات، أو يختبئ خلف شعارات فارغة، يشارك بطريقة أو بأخرى في جريمة قتل المعنى الإنساني للأسرة

لم تكن بوليساريو سوى أداة تنفيذ؛ أما العقل المدبّر، فكان من يحركها في الظل، ويخطط لإجهاض أيّ انتفاضة داخلية عبر قتل الثقة والدم في آن واحد.

وقد تم استخدام أدوات استخباراتية تقليدية وحديثة لتجنيد عناصر داخل الأسر، سواء عبر الترغيب بامتيازات مادية محدودة، أو عبر الترهيب بالاعتقال والتعذيب، أو حتى بتصويرهم تحت الإكراه لابتزازهم لاحقاً.

هكذا نشأ جيلٌ من الجلادين المفروضين، لا لشيء سوى لأنهم وُلدوا في معسكر مغلق يخضع لحسابات جيوسياسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

إن هذه الجرائم، التي تقوض القيم الإنسانية الأساسية وتعيد إلى الأذهان نماذج الحُكم الشمولي في أسوأ تجلياتها، لا تزال للأسف تجد من يحميها في العلن ويروّج لأكاذيبها في المحافل الدولية. لكن المأساة الحقيقية ليست فقط في حجم القمع، بل في صمت العالم عنه، وفي أن جراح الضحايا تُدار بأيدٍ أمنية تحت غطاء “النضال” الزائف.

إن من يتستر على هذه الانتهاكات، أو يختبئ خلف شعارات فارغة، يشارك بطريقة أو بأخرى في جريمة قتل المعنى الإنساني للأسرة، وفي تبرير الإذلال الذي يعيشه آلاف المحتجزين العزل في تندوف.

لقد آن الأوان لكشف هذا الوجه القبيح، لا فقط من أجل مساءلة بوليساريو، بل أيضاً من أجل تعرية من يقف خلفها في مراكز القرار الأمنية الجزائرية، ممّن حوّلوا المخيمات إلى مختبر مفتوح للترهيب والسيطرة النفسية.

9