تدريبات مشتركة للقوات الخاصة تعزز التقارب بين مصر وتركيا

القاهرة- يعبّر وصول العلاقات المصرية – التركية إلى مرحلة التدريبات العسكرية المشتركة بعد سنوات من القطعية، عن رغبة في التنسيق بشأن قضايا إقليمية، مع استمرار التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، ما يشير إلى أنهما تنظران إلى العلاقات في شكل تعاوني بعيدا عن المنافسة، مع تراجع قوة إيران، وتمدد إسرائيل في مناطق قد تشكل تهديدا لمصالح القاهرة وأنقرة.
وأكدت وزارة الدفاع التركية أن القوات الخاصة التركية والمصرية أجرت تدريبات مشتركة في أنقرة، استمرت عشرة أيام، واختتمت نهاية أبريل الماضي. وتضمنت التدريبات تأهيلا للقتال في الأحياء المأهولة والقناصة، والتدريب الطبي والقفز المظلي، وتمرينا يتعلق بالمروحيات من هجوم وإنزال ومن خلال الحبال، والإخلاء الطبي، وعمليات الاستطلاع الخاصة والمهام المحددة.
وتعد هذه التدريبات أول تدريبات مشتركة بين البلدين منذ عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وشاركت الدولتان في تدريبات جماعية ضمن تدريب “درع السند” الجوي الذي استضافته باكستان في أكتوبر الماضي، إلى جانب السعودية ودول أخرى مراقبة.
وتوقفت التدريبات المشتركة بين مصر وتركيا منذ عام 2013 على إثر التوتر الذي صاحب إزاحة تنظيم الإخوان من السلطة في مصر، ما يشي أن عودتها تؤكد استكمال مسارات التقارب بين البلدين، في ظل رغبة القاهرة تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول تتقارب معها عسكريا والاستفادة من الانفتاح التركي على الاستثمار في مصر.
وأكد الباحث في مركز تحليل السياسات في إسطنبول محمود علوش لـ”العرب” أن التدريبات تعكس الوضع الجديد في علاقات البلدين مع رغبتهما في وجود تأثير مشترك في بعض القضايا الإقليمية، مع حرص تركيا على تعميق العلاقات لتصل إلى تعاون إستراتيجي مع مصر في شرق المتوسط، وإعادة تشكيل مواقف البلدين بشأن التطورات الجارية في سوريا، وإمكانية انعكاس ذلك على اتخاذ مواقف متقاربة من الأزمة الحالية في قطاع غزة ومواجهة تمدد الصراع بالمنطقة.
ويعكس الاحتفاء التركي بالتدريبات التي أعلنت عنها وزارة الدفاع التركية، الخميس، فيما لم يصدر بيان رسمي مصري بها (حتى مساء الجمعة)، رغبة أنقرة في تخفيف بعض الضغوط المتصاعدة عليها في سوريا، وحاجتها إلى لعب دور أكبر في قضايا تتعلق بأمن البحرين الأحمر والمتوسط من خلال توثيق أواصر التعاون مع القاهرة.
وقال المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات الإستراتيجية (تابعة للجيش المصري) اللواء نصر سالم إن تدريبات القوات الخاصة أسهل أنواع التدريبات، وتتضمن نقل قوات خفيفة من مسرح عمليات إلى مسرح آخر، عكس المناورات البحرية أو الجوية التي تحتاج إلى جهود لوجستية كثيفة.
وأكد لـ”العرب” أن التدريب بين القوات الخاصة يعني أنها تمت بحجم معين من القوات، وهي مركزة ولا تحتاج إلى مسارح عمليات كبيرة، وتعد مقدمة لإجراء تدريبات أكبر بين البلدين.
وأضاف أن التدريبات المشتركة أهداف عسكرية تتعلق بنقل الخبرات بين الجانبين وإطلاع كل طرف على تكتيكات وأسلحة وأفكار الطرف الآخر، وتأتي في إطار تنفيذ اتفاقات التصنيع العسكري المشترك، وتستفيد أنقرة من التصنيع المصري للعربات المدرعة، وتسعى القاهرة إلى شراء طائرات دون طيار التركية.
ووقعت شركة هافاسيلان التركية اتفاقية إنتاج مشتركة للمركبات العسكرية البرية مع مصنع “قادر” للصناعات المتطورة المصري في مارس الماضي، وسيتم تصنيع تلك المدرعات مع الاستفادة من الدعم التقني وترخيص تكنولوجيا الهندسة التركية.
وتحدثت القاهرة عن رغبتها في الاستفادة من الخبرات التركية في تصنيع المسيّرة “بيرقدار. تي بي 2″، وتُصدّرها أنقرة إلى أكثر من 27 دولة، وهو أمر رحبت به تركيا التي لها رغبة في الاستفادة من اتفاقيات التجارة التي وقّعتها مصر ودول أفريقية.
وأشار اللواء نصر سالم في حديثه لـ”العرب” إلى وجود أهداف سياسية وراء التنوع المصري في التدريبات الأخيرة، إذ تعلن القاهرة عن قدراتها العسكرية لتحقيق ما يتم تسميته بـ”الردع الإستراتيجي”، وإظهار امتلاك قدرات تفوق ما تمتلكه القوى المعادية، وأن الانتقال بين تدريبات حلف الناتو وأخرى أجرتها القوات البحرية المصرية في البحر الأسود مع روسيا، وأخيرا التدريبات الجوية، يبرهن على انفتاح القاهرة على أطراف ومدارس عسكرية متباينة، بما يحقق مصالحها في المنطقة.
وتمهد الخطوة الأخيرة بين مصر وتركيا الطريق نحو تقارب سياسي وعسكري أكبر خلال الفترة المقبلة، وهو أمر عبّرت عنه شركات التصنيع العسكري التركي التي تحدثت عن شراكة إستراتيجية مع مصر في مجالات التصنيع الحربي.
وذكر الخبير في شؤون العلاقات الدولية بشير عبدالفتاح لـ”العرب” أن استئناف التدريبات العسكرية يعني أن العلاقات بين البلدين عادت إلى الوضع الطبيعي، خاصة أن لديهما مصلحة في الدخول عبر شراكات تصنيع السلاح والاستفادة من تصديره.
وتحدث عن حاجة كل طرف إلى الآخر، وأن إعادة هندسة المشهد لصالح إسرائيل في الشرق الأوسط على حساب دول المنطقة وتراجع الدور الإيراني يشكلان تهديدا لمصالح القاهرة، وحاجة كل دولة للحفاظ على مساحة جيدة من الحركة في المنطقة.
ولفت إلى وجود تلاق غير كامل بين البلدين في مجموعة من القضايا، أبرزها الملف الصومالي، إذ يركز البلدان على وحدة أراضي الصومال، ولدى مصر رغبة في عدم وجود دور مهيمن لدول غير متشاطئة على البحر الأحمر، عكس الرغبة التركية التي دخلت على خط الوساطة بين مقديشو وأديس أبابا لتحقيق المزيد من الحضور على ساحل البحر الأحمر.
وأكد أن تركيا تدرك أهمية ليبيا بالنسبة إلى مصر، ودخلت في تنسيق معها قاد إلى تهدئة بينهما، وانتقل الطرفان من مرحلة تحقيق المكاسب الكاملة على حساب الآخر إلى مرحلة جديدة تقوم على تقاسم المنافع والبحث عن دوائر مشتركة للعمل.