الحكومة المصرية قلقة من تباين مواقف النخب السياسية مع توجهاتها

تركز الحكومة المصرية في حوارها مع القوى السياسية على التحديات الخارجية، متجاهلة المعضلات الداخلية، على أهميتها، الأمر الذي يثير انتقادات في صفوف المعارضة.
القاهرة - تضمن لقاء مطول عقده وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي مع مجلس أمناء الحوار الوطني تقديم توضيح تفصيلي عن التوجهات الخارجية للدولة المصرية، والتعبير عن مخاوف حكومية من بروز مواقف تتعارض مع رؤيتها نحو التعامل مع قضايا مختلفة، في وقت تستهدف فيه السير نحو التوافق لدعم القرارات الخارجية.
وتُعلي الحكومة من أهمية مجابهة التحديات الخارجية، فيما يغيب التناغم والتقارب مع قراراتها المرتبطة بأزمات داخلية، بما في ذلك السياسات الاقتصادية وأوضاع الحريات العامة والإصلاح السياسي.
وتضمن اللقاء استعراض محددات الموقف المصري حيال عدد من القضايا الإقليمية، بما في ذلك التطورات في غزة وليبيا وسوريا والسودان والقرن الأفريقي والأمن المائي، مشددا على ثوابت السياسة الخارجية والمبادئ التي ترتكز عليها، ومن ضمنها التوازن الإستراتيجي، ودعم الدولة الوطنية ومؤسساتها، واحترام سيادة وحدة وسلامة أراضي الدول، باعتبارها ركائزلتحقيق الأمن والاستقرار.
وتزامن هذا التوجه مع تجنب جهات رسمية استفزاز المعارضة، إذ قررت النيابة العامة إخلاء سبيل المعارض أحمد الطنطاوي بعد انتهاء فترة عقوبته على ذمة قضية تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة الماضية، لكنه يواجه اتهامات تتعلق بالتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية باستخدام العنف، والتحريض على الاشتراك في تجمهر غير قانوني على ذمة قضيتين آخريين.
تحاول الحكومة المصرية تقليص الفجوة بين الدعم الذي تتلقاه شعبيا تجاه التعامل مع القضايا الخارجية، وبين حالة السخط على القرارات الاقتصادية التي ترتبت عليها صعوبات معيشية يومية.
وتخشى الحكومة أن يكون إخفاقها في التعامل مع ملفات مرتبطة بالوضعين السياسي والاقتصادي، دافعا نحو تأليب المواطنين عليها بشأن التعامل مع الأزمات الخارجية التي تحيط بالأمن القومي عبر اتجاهات إستراتيجية مختلفة.
وتعالت أصوات محسوبة على تنظيم الإخوان وأحزاب معارضة طالبت بمواقف أكثر حسما مع تنامي الضغوط، خاصة أن الدبلوماسية الهادئة التي ترتكن إليها الخارجية المصرية قادت إلى أن يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمرور السفن مجانا عبر قناة السويس، وهناك قناعة لدى البعض بأن الانتقال من سياسية الدفاع إلى الهجوم الدبلوماسي واستخدام الأوراق المتاحة بصورة أكثر شراسة، أمر مطلوب في الوقت الحالي، ما دفع الخارجية المصرية إلى خلق مسار لحوار إيجابي مع مجلس أمناء الحوار الوطني، والذي يضم أطيافا عديدة، بما في ذلك أحزاب المعارضة.
وكان لافتا حضور ممثل الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة) كمال زايد في حوار وزير الخارجية، رغم تعليق عضويته في الحوار منذ نحو عام، ما يشي بأن دوائر حكومية تريد توضيح الصورة كاملة للمعارضة التي تبدو أنها أكثر رغبة للانصات في ما يتعلق بالملف الخارجي الذي يحظى بتوافق شعبي واسع.
ويبرهن ذلك على أن التعويل مازال منصبا على أن تقدم الحكومة المزيد من المكتسبات للقوى السياسية بما يساهم في تقارب الرؤى.
وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع إن الحكومة ممثلة في وزارة الخارجية طالبت من الحوار الوطني تقديم رؤية القوى السياسية على مختلف انتماءاتها بشأن قضايا خارجية محددة، في مقدمتها مستقبل قطاع غزة، وابتكار حلول يمكن أن تفضي إلى حل الدولتين، وكيفية التعامل مع إسرائيل، وأن الحوار من المقرر أن يعقد جلسات جديدة لمناقشة هذه القضايا الفترة المقبلة.
وأضاف هاشم ربيع في تصريح لـ”العرب” أن الوزير بدر عبدالعاطي تحدث عن دوافع المواقف التي تتخذها الدولة تجاه القضايا والأزمات الخارجية، تحديدا ما يتعلق بوجود صراعات في دول الجوار وفي البحر الأحمر، وعبّر عن احتياج الحكومة إلى مواقف داعمة للتوجهات الخارجية، بما يخدم قوتها والتأكيد على وجود توافق داخلي عليها.
ويرتبط استحضار الحوار الوطني بتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي بشأن أوضاع الحريات العامة في مصر والرغبة في استمرار حالة الحوار بحثا عن تحقيق الإصلاحات الحقوقية والسياسية والمجتمعية، غير أن طبيعة المرحلة دفعت الحكومة نحو البحث عن مسارات لم تكن ضمن إطار الحوار عند انطلاقه.
ويبقى مدخل قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية محل شكوك حول الجدوى منها، لأن الخطاب المعارض ليس مؤثرا، حيث إن غالبية الأحزاب والشخصيات الفاعلة والنخب السياسية لا تختلف مع الحكومة بشأن التعامل مع القضايا الخارجية، في حين أن هناك الكثير من التوصيات الصادرة بشأن الحريات العامة وقوانين الممارسة السياسية والانتخابات لم يتم تنفيذها أو الاستجابة لها.
وقالت القيادية بحزب “التجمع” أمينة النقاش إن تبادل الآراء بين مؤسسات الدولة والحوار الوطني يعد حالة إيجابية، لكن ليس ذلك ما ينتظره المصريون من الحوار الوطني الذي جرى تدشينه للتفكير في التعامل مع المشاكل الداخلية المختلف عليها، في مقدمتها قضايا الديمقراطية والاقتصاد والانتخابات، وهي قضايا أخذت حيزا واسعا من النقاش عبر جلسات الحوار الممتدة لأكثر من ثلاث سنوات، وتضمنت تقديم رؤى مهمة ومقترحات ومطالب تم الاستجابة لبعضها وليس معروفا مصير ما تبقى.
وأكدت النقاش في تصريحات لـ”العرب” أن تحويل مسار الحوار للقضايا الخارجية لن يأتي بجديد، لأن السياسة الخارجية تسير بخطوات إيجابية يتفق الغالبية على أهميتها ويلتف المواطنون حول القيادة السياسية في مسألة التعامل مع حرب إسرائيل على غزة، وقد يتذمر هؤلاء من الغلاء وعدم ضبط الأسواق والسياسات الاقتصادية وخدمات التعليم والصحة.
ورغبة وزارة الخارجية في دعم توجهاتها ليس محلها الحوار الوطني، فهي مسائل مبنية على معلومات وتقديرات من الأجهزة المعنية، ويصعب الاعتماد على نقاشات قد تشهد تباينا حول بناء سياسة خارجية ناجحة.
كما أن خروج بعض الأصوات التي تطالب بالتصعيد والحرب وتكرر نداءات أين الجيش المصري، في أغلبها محسوبة على تنظيم الإخوان وأنصاره في الداخل.
وشددت النقاش في حديثها لـ”العرب” على أن مصر أمام ثلاثة اقتراعات مهمة، تبدأ بانتخابات البرلمان (مجلسي الشيوخ والنواب) وبعدها انتخابات المحليات، وليس من المنطقي ترك هذه المناسبات ليكون هناك نقاش حول جدوى السياسة الخارجية.
وأشارت إلى وجود أسئلة عديدة بحاجة إلى إجابات من الحكومة عما إذا كانت لديها رغبة حقيقية في انتخاب برلمان مراقب للسلطة التنفيذية أو إفراز برلمان مكمل لها كما هو الوضع الحالي؟ علاوة على أن انتخابات المحليات بحاجة إلى المزيد من النقاش حول سبل تنظيمها وآليات التعامل مع المشكلات ذات الطابع المجتمعي.