واشنطن تستعيد زمام المبادرة في الملف الليبي عبر بوابتي الدفاع والاستثمار

تظهر تحركات الولايات المتحدة الأخيرة في ليبيا واللقاءات التي عقدت بين المسؤولين الأميركيين والليبيين والتفاهمات التي تم التوصل إليها في مجالات استثمارية وعسكرية، توجه واشنطن نحو استعادة دورها في الملف الليبي.
عادت الولايات المتحدة لتستعيد زمام المبادرة بخصوص الملف الليبي عبر بوابتي الدفاع والاستثمار، حيث التقى رئيس أركان القوات البرية بالجيش الليبي صدام حفتر بمستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس بالعاصمة واشنطن، بحضور مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى تيم ليندركينغ، والمبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا ريتشارد نورلاند.
وقالت السفارة الأميركية لدى ليبيا في بيان الثلاثاء، أن الفريق ركن صدام حفتر حضر الاجتماع بصفته مبعوثاً شخصيا للقائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر.
وأضاف البيان أن المجتمعين اتفقوا على أن تكون ليبيا آمنة وموحدة ومزدهرة، بمؤسسات تكنوقراطية قوية بما في ذلك المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي، وستكون أكثر قدرة على التعامل مع الولايات المتحدة والشركات الأميركية.
وأشارت السفارة إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم الجهود الليبية لتوحيد مؤسساتها العسكرية، فيما يرى مراقبون أن الحفاوة التي استقبل بها صدام حفتر في واشنطن تشير الى قراءة جديدة من الادارة الأميركية للوضع في ليبيا، واعتراف بالأمر الواقع وسعي للتعامل مع المشهد كما هو من خلال فتح باب للحوار بشفافية مع الرجل الثاني في قيادة الجيش والمرشح لخلافة والده على رأس القيادة العامة.
وجاء ذلك بعد أن استعرض وفد حكومة الوحدة الوطنية خلال اجتماعه في واشنطن الاحد الماضي مع عدد من ممثلي كبرى الشركات الأميركية، المشاريع التنموية الكبرى والعطاء العام لاستئناف عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط، مؤكدًا توفر فرص استثمارية واعدة في ليبيا في مجالات الطاقة، والبنية التحتية والصحة والتحول الرقمي.
وقالت منصة “حكومتنا” أن الوفد الذي ضم وزير النفط المكلف خليفة عبد الصادق وعضو مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار ورئيس الفريق التنفيذي لرئيس الوزراء مصطفى المانع ووكيل وزارة الاقتصاد سهيل بوشيحة التقى عددا من المسؤولين الأميركيين من بينهم السفير ريتشارد نورلاند ورئيسة غرفة التجارة ديبي هيرست، ونائب مساعد وزير الطاقة لشؤون أوروبا وأوراسيا وأفريقيا والشرق الأوسط بوزارة الطاقة جوشوا فولز، ومدير مكتب ليبيا بوزارة الخارجية ماثيو فان بوتن ومدير مكتب دول المغرب العربي بوزارة التجارة توماس بلاوباخ، إضافة إلى عدد من ممثلي كبرى الشركات الأميركية.
وتم التطرق إلى الجهود الجارية مع مكتب الممثل التجاري الأميركي نحو تفعيل الاتفاقية الإطارية للتجارة والاستثمار والمجلس الليبي-الأميركي للتجارة والاستثمار حيث لاقت هذه الخطوة ترحيبا من الجانب الأميركي.
وأوضحت أن الاجتماع الذي كان بهدف دعم الاستثمار وبناء شراكات اقتصادية إستراتيجية، شهد الاتفاق على الإعداد لزيارة مرتقبة لوفد من كبرى الشركات الأميركية إلى طرابلس، فيما جدد السفير دعم بلاده لاستقرار ليبيا وتعزيز مسار التنمية الاقتصادية.
وبحث وفد من حكومة الوحدة الوطنية مع مسؤولين من وزارة الخارجية بالولايات المتحدة سبل عودة الشركات للعمل في ليبيا وآفاق التعاون في قطاع الطاقة، والمساهمة في تطوير البنية التحتية النفطية، بالإضافة الى “التوسع في مشاريع الطاقات المتجددة، خاصة الهيدروجين الأخضر، وخطط تحديث قطاع التكرير بهدف تعزيز العائدات الوطنية.”
وتطرق الاجتماع أيضا إلى التحضيرات لاستضافة ليبيا منتدى الغاز في نوفمبر المقبل، وقمة ليبيا للطاقة والاقتصاد التي ستنعقد في يناير 2026 بهدف جذب المزيد من الاستثمارات والشراكات الدولية في قطاع الطاقة بليبيا.
ومن بنغازي، أدانت لجنة الطاقة بمجلس النواب ما وصفته بـالمحاولات العبثية لحكومة الدبيبة بالتدخل في ملف الطاقة، محذرة من المساس باستقلال المؤسسة الوطنية للنفط، التي اعتبرتها الجهة الوحيدة صاحبة الاختصاص الأصيل.
وقال رئيس اللجنة عيسى العريبي، إنهم تابعوا إرسال الحكومة منتهية الولاية وفداً إلى واشنطن، في محاولة لترويج سياساتها المتعلقة بزيادة معدلات الإنتاج وعقد منتدى للغاز في طرابلس في نوفمبر 2025، بالإضافة إلى قمة ليبيا للطاقة في يناير 2026.
وانتقدت اللجنة استمرار حكومة الدبيبة في التحرك الخارجي رغم بقائها “كسلطة أمر واقع” لمدة تقارب الأربع سنوات، متهمة إياها بتجاهل مطالب المؤسسة الوطنية للنفط بالحصول على التمويلات اللازمة لمعالجة وتأهيل البنية التحتية النفطية لزيادة الإنتاج.
وذكّرت لجنة الطاقة جميع الأطراف والشركاء الدوليين بقرار مجلس النواب القاضي بسحب الثقة من حكومة الدبيبة، وبقرارات مجلس الأمن الدولي الداعية إلى حماية استقلال المؤسسة الوطنية للنفط، محذرة من مغبة استغلال ملف الطاقة سياسياً بما قد يهدد استقرار البلاد.
لجنة الطاقة بمجلس النواب في بنغازي أدانت ما وصفته بـالمحاولات العبثية لحكومة الدبيبة بالتدخل في ملف الطاقة
لكن حكومة الدبيبة حاولت الدفاع عن موقفها، وقالت إن وفدها ناقش مع كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية ملفات سياسية واقتصادية تهم البلدين، وعلى رأسها تطوير قطاع الطاقة وتعزيز التعاون الثنائي، وأوضحت أن اللقاءات تناولت الأوضاع الإقليمية والدولية، والتحديات الاقتصادية، مؤكدة التزامها بالشفافية والإفصاح وتحسين إدارة الموارد العامة لدفع عجلة التنمية.
ويهدف الدبيبة الى استعمال دبلوماسية الصفقات في اقناع الإدارة الأميركية بمساعدته على البقاء في منصبه الى أجل غير مسمى بعكس ما ينادي به أغلب الفرقاء الفاعلين سياسيا واجتماعيا وميدانيا.
وأعلنت حكومة الدبيبة توقيع مذكرة تفاهم مع البنك الدولي في واشنطن، بهدف تعزيز الدعم الفني والاستشاري، وبناء القدرات المؤسسية في ليبيا، ورأت الحكومة أن هذه المذكرة، التي جاءت تتويجاً لاجتماع رئيس الحكومة مع نائب رئيس البنك الدولي عثمان ديون في فبراير 2025، تمثل خطوة بارزة نحو استئناف التعاون المباشر مع البنك الدولي بعد أكثر من عقد من التوقف.
وقالت الحكومة إن المذكرة تستهدف دعم ليبيا في مجالات إصلاح المالية العامة، والتحول الرقمي، وتعزيز القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال، فضلاً عن برامج تمكين الشباب من خلال التدريب والتوظيف في مؤسسات البنك الدولي.
وجاءت هذه الاجتماعات بعد زيارة البارجة الحربية الأميركية “ماونت ويتني” إلى ليبيا، والتي رافقها وفد عسكري أميركي رفيع بقيادة قائد الأسطول السادس للبحرية الأميركية، جي تي أندرسون، وأجرى لقاءات في طرابلس وبنغازي، مما أضفى على زيارة وفد الدبيبة طابعاً أكثر حساسية.
وقال محمد شعبان المرداس، السفير الليبي السابق لدى سوريا، أن اللقاءات التي جرت على البارجة الأميركية شهدت مناقشات حول تقسيم ليبيا إلى سبع مناطق عسكرية، واستحداث مجلس عسكري يحكم البلاد من خلال هذه المناطق وأوضح في تصريحات تلفزيونية، إن النقاشات التي دارت حول التقسيم العسكري كانت تركز على وجود 4 مناطق عسكرية تحت قيادة حفتر، وثلاث مناطق تحت حكومة التطبيع، لكن الخلاف الأساسي حول رغبة غرب ليبيا في استحداث منطقة عسكرية ثامنة!
الدبيبة يهدف إلى استعمال دبلوماسية الصفقات لإقناع الإدارة الأميركية بمساعدته على البقاء في منصبه
وأضاف المرداس أن هناك حديثًا أيضًا عن دمج بعض القوى العسكرية في القيادة العامة مع القوى النظامية في المنطقة الغربية، وتابع أن بعض الأطراف العسكرية تسعى لاستغلال فشل القوى السياسية في إيجاد حلول، التي كانت في الغالب “صفرية” ولم تؤدِّ إلى أي نتائج ملموسة. محذرا من ان الركود السياسي قد يؤدي إلى تقسيم ليبيا بشكل كامل، وهو ما قد يطال البرلمان أيضًا.
وكان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني أصدر في 2017، قرارا يقضي بتقسيم البلاد إلى 7 مناطق عسكرية ستكون جزء من الجيش وتتبع رئيس الأركان مباشرة، وتتمثل مهامها في حفظ الأمن في المنطقة وتأمينها، والدفاع عنها، ودرء كافة التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها، وعدم زعزعة استقرارها.
وتتكون هذه المناطق العسكرية بحسب نص القرار من: منطقة طرابلس العسكرية، ومنطقة بنغازي العسكرية، والمنطقة العسكرية الوسطى، والمنطقة العسكرية الغربية، ومنطقة سبها العسكرية، ومنطقة طبرق العسكرية، ومنطقة الكفرة العسكرية، وبحسب الانتشار الحالي فإن أغلب تلمك المناطق تقع تحت سيطرة قوات الجيش بقيادة حفتر.
وفي إطار العلاقات الأميركية الليبية نفي السفير نورلاند صحة التسجيل الصوتي المتداول والمنسوب لـمسعد بولس الذي يتحدث عن رفض الإدارة الأميركية لجميع المرشحين لرئاسة الحكومة الليبية القادمة، وقال في تغريدة على أكس “هذا التسجيل الصوتي مفبرك، لا ينبغي للشعب الليبي أن ينخدع بمثل هذه المحاولات الخبيثة لنسب تصريحات كاذبة إلى مسؤولين في الحكومة الأميركية.”
وسبق لبولس أن أعلن مؤخرا إن واشنطن تعمل على تطوير رؤية متكاملة لحل الأزمة الليبية، تستند إلى مقاربة عملية ومتوازنة تهدف إلى استعادة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وقال ن الورقة الأميركية المقترحة للحل ستتضمن مشاركة شاملة لجميع الأطراف الليبية دون أي إقصاء.
وأكد أن واشنطن تسعى إلى جمع الفرقاء الليبيين على طاولة حوار موحّدة تعيد إطلاق المسار السياسي المعطّل وقال ان ادارة بلاده لن تسمح باستمرار الجمود السياسي الحالي، الذي يعد من أبرز العوائق أمام مستقبل البلاد، مؤكدا أن التحرك الأميركي يعكس حرصًا على استقرار ليبيا ومصالح شعبها.
اقرأ أيضا:
• دعم الدبيبة في زيارة وفد من الزنتان إلى مصراتة يثير استنكارا شعبيا