اغتيال ضابط في الجيش يثير جدلا حول ظاهرة العنف المسلح في غرب ليبيا

يواصل مكتب النائب العام الليبي رسميا التحقيق في حادثة مقتل العميد في سلاح الصواريخ بالجيش الوطني علي الرياني، الأحد، إثر هجوم مسلح استهدف منزله في منطقة الخلة بالعاصمة طرابلس.
ووفق مصدر قضائي، فإن السلطات المختصة تسلمت جثث ثلاثة متهمين على خلفية الجريمة، وجرت إحالتها على الطب الشرعي لاستكمال الفحوصات الفنية، بهدف كشف ملابسات الحادث والتحقق من الأدلة الجنائية.
ووجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، الادعاء العام العسكري بفتح تحقيق عاجل في مقتل العميد علي الرياني، وقال إن العميد الرياني قتِل مدافعا عن حرمة منزله في وجه مجموعة إجرامية، مردفا “وجهت الادعاء العام العسكري بفتح تحقيق عاجل وشامل لكشف ملابسات هذه الجريمة النكراء، وتحديد من يقف خلفها والغرض من ارتكابها.”
من جانبه نعى رئيس أركان القوات البرية التابع للجيش الوطني في بنغازي الفريق صدام حفتر العميد الرياني، مشيرا إلى أنه كان أحد ضباط هندسة الصواريخ.
وتشير المعلومات الأولية إلى أن العميد علي رمضان الرياني، أحد ضباط هندسة الصواريخ التابعين للقوات البرية بالقيادة العامة، قُتل خلال تصديه لهجوم نفذه مسلحون على منزله، حيث تمكن من قتل ثلاثة من المهاجمين قبل أن يلقى حتفه، وفق شهادات محلية.
مراقبون يقولون إن حالة الانفلات الأمني والإفلات من العقاب باتا جزءا مهما من تركيبة المشهد العام في غرب ليبيا
والرياني خريج كلية الهندسة العسكرية في منتصف ثمانينات القرن الماضي، ويعد من أبرز الضباط المطورين لصواريخ سكود الليبية، وسبق له أن تقلد عدة مناصب عسكرية رفيعة، منها قائد كتيبة حطين لصواريخ سكود.
ورجحت أوساط ليبية أن تكون الحادثة ناتجة عن خطة لتصفية العميد الغرياني في ظل تنامي عمليات الاستهداف التي تعرض لها مسؤولون بارزون مثل وزير الدولة عادل جمعة ومستشار رئيس الحكومة عبدالمجيد مليقطة، وثبوت تورط عناصر من داخل أجهزة الدولة فيها.
وتشير الأوساط إلى أن حالة الانفلات الأمني والإفلات من العقاب باتا جزءا مهما من تركيبة المشهد العام في غرب ليبيا، وأن انتشار السلاح بين أيدي أعضاء الميليشيات وخارج سلطة الدولة، والصراعات الخفية داخل أجهزة الدولة، ونجاح إرهابيين ومجرمين ومرضى نفسيين في التغلغل داخل مفاصل السلطة، زاد من منسوب الجريمة وفسح المجال أمام تصفية الحسابات وعمليات الإقصاء الممنهج.
ورأى وكيل وزارة الخارجية الأسبق، حسن الصغير، أنه لن يحسم ملابسات وظروف اغتيال العميد علي الرياني إلا بيان من النائب العام، قائلا إن “ملابسات وظروف اغتيال الشهيد الرياني متضاربة بين مصدر وآخر وصحيفة وأخرى وإعلامي وآخر ولن يحسم هذه الضبابية وغياب بعض الحقائق إلا بيان من مكتب النائب العام، لربما ما زالت التحقيقات في أولها بالنسبة لهم لكن إطلاع الناس على مجريات التحقيق وما هو مؤكد من المعلومات واجب على جهات التحقيق وحق للمواطنين وأهل الشهيد وذويه.”
وأضاف “لربما يمكن في مرحلة أولى كشف هويات وأعمار وتبعيات الجناة الاثنين وكذلك وصل أو قطع نشاطهم الإجرامي بوظائفهم ورؤسائهم،” مؤكدا أن “المصدر الوحيد الموثوق به هو مكتب النائب العام، إما بمؤتمر صحفي أو بتصريح إعلامي موثق.”
وكشف الناشط الحقوقي حسام القماطي أن التحقيقات أظهرت تورط كل من رامي بركة، المنتسب لإدارة عمليات الأمن القومي (الفرق) بجهاز المخابرات الليبية، وفيصل الغزيوي، المقيم في منطقة صلاح الدين بجوار معسكر 444، ويعمل بشكل وثيق مع إدارة مكافحة الأنشطة الهدامة بوزارة الداخلية، وسفيان المرغني المقيم في منطقة الهضبة، والناشط ضمن شبكات مرتبطة بإدارة مكافحة الأنشطة الهدامة بالداخلية.
حادثة اغتيال الرياني ستلقي بظلالها على عدد من الملفات ومن بينها ملف نزع سلاح الميليشيات وملف المصالحة الوطنية والحوار المتعلق بتوحيد المؤسسة العسكرية
وأضاف أن الجناة استخدموا سيارة من نوع “كيا سبورتاج” حمراء اللون، تحمل اللوحة رقم 2425470 – 5، كما كان بحوزتهم مسدسان تركيان عيار 9 ملم، بالأرقام التسلسلية 001737 – 13 و16 – 07205، مشيرا إلى أن العميد الرياني، الذي كان يخدم ضمن كتيبة رحبة المدفعية والصواريخ، كانت بحوزته بندقية كلاشنكوف طراز AK103 – 2 أثناء الحادثة.
وأشارت مصادر أخرى إلى أن الجناة الثلاثة يتبعون مجموعة “الزمرينة” في تاجوراء، المرتبطة بإدارة الأمن القومي في جهاز المخابرات، وقد قتل إثنان منهم أثناء الهجوم فيما قضى الثالث متأثرا بجراحه في مصحة الرشيد بطرابلس.
وفي الأثناء دعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا إلى التحقيق في الحادثة، وقالت إنها رصدت مشاهد صادمة تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، كشفت عن واقعة اغتيال العميد الرياني جراء هجوم مسلح استهدف منزله بحي خلة الفرجان في منطقة صلاح الدين جنوب غرب وسط مدينة طرابلس من قبل عدد من المسلحين الخارجين على القانون، في حادثة لا تزال تفاصيلها وملابساتها غامضة.
وعبرت المؤسسة عن شديد إدانتها واستنكارها للعمل الذي وصفته بالإجرامي الآثم والجبان، والذي اُرتكب على مرأى ومسمع من الجميع، وشكَّل تعديا سافرا على حرمة البيوت واعتداء آثماً على أرواح المواطنين الآمنين، وهو فعل لا يمكن تبريره تحت أي ظرف أو مسوّغ أو أي سبب كان، مهما كانت دوافع ذلك أو خلفياته.
واعتبرت المؤسسة في بيان أن هذه الجريمة البشعة تعكس حجم التدهور في مستوى الأمن والاستقرار وتفاقم معدلات الجريمة وفشل وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في مقاومة الجريمة والحيلولة دون وقوعها، واستمرار حالة الإفلات من العقاب وفشل الجهات الضبطية في ضبط الجناة المطلوبين للعدالة، كما تُشكَّل انتهاكاً صارخا للشرائع السماوية والقيم الإنسانية والقوانين والتشريعات الوطنيّة النافذة وخرقا جسيما لحقوق الإنسان والمواطنة، وتسلط الضوء على مظاهر الانحدار الأخلاقي والمجتمعي التي تتطلب معالجتها بجدية ومسؤولية.
وطالبت المؤسسة من النيابة العامة بمكتب المحامي العام في محكمة استئناف طرابلس والجهات الأمنيّة المختصة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتحقيق في ملابسات هذه الحادثة الأليمة، وكشف الجناة وتقديمهم للعدالة، لضمان عدم الإفلات من العقاب وفقا لما تقتضيه القوانين والتشريعات الوطنيّة وبما يكفل حق عائلة الضحية في الوصول إلى العدالة والتقاضي، وبما يُسهم في خلق الردع القضائي العام والخاص حيال الإقدام على ارتكاب هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتقويض سيادة القانون.
ويرى مراقبون أن حادثة اغتيال ضابط في الجيش الليبي ستلقي بظلالها على عدد من الملفات ومن بينها ملف نزع سلاح الميليشيات وملف المصالحة الوطنية والحوار المتعلق بتوحيد المؤسسة العسكرية، نظرا إلى عجز السلطات المحلية على الإيفاء بوعودها بخصوص التحكم في تحركات المسلحين وضبط حركة السلاح وإعادة الأمن والاستقرار لمختلف المناطق بما فيها العاصمة طرابلس وضواحيها.