صناعة الإنسان تبدأ من التغلب على العنف

تنزل العقوبات تباعا من طرف هيئة ضبط القطاع السمعي البصري على البرامج الرياضية في التلفزيونات الجزائرية الخاصة، على خلفية انتهاكها لميثاق ومعايير المهنة، ودخولها في خانة تهديد السلم الاجتماعي، بسبب خطاب الشحن والكراهية الذي يردده إعلاميون وتقنيون ومختصون في كرة القدم، لكن هل تكفي هذه الخطوة المعزولة للقضاء على العنف الرياضي، ومن ورائه العنف الاجتماعي بشكل عام.
ظاهرة العنف في الملاعب كما في الشوارع ليست وليدة اليوم، فما حدث في الجولات الأخيرة من الدوري الكروي، ينبئ بنهايات خطيرة في ظل خروج اللعبة عن سياقها الفني والاجتماعي، ووقوعها رهينة لوبيات وأطماع ضيقة تتقاطع فيها مصالح العديد من الأطراف، بما في ذلك وسائل الإعلام والناشطون في المنظومة الكروية.
وما قامت به الهيئة الضابطة للقطاع على لمسته الشعبوية، بغية إضفاء خطاب لين على الخطاب الرياضي جاء متأخرا كثيرا، لأن الظاهرة تغذت بمختلف الفيتامينات التي وفرتها بلاتوهات وبرامج ظاهرها الإعلام، لكن باطنها هو المناصرة الشوفينية الفجة، فضاع بذلك التحليل الرياضي الذي يقدم القيمة المضافة التي يحتاجها الجمهور المتابع.
العنف الرياضي هو وجه من أوجه العنف الاجتماعي الزاحف على البلاد، وخطوة هيئة ضبط السمعي البصري تبقى مجرد صيحة في واد، لأنها لم تترافق مع القطاعات الأخرى، ولم تأت في سياق إستراتجية شاملة تضع الظاهرة بكل أبعادها تحت المجهر، وتقدم الحلول اللازمة للقضاء عليها، حتى ولو بالاستعانة بتجارب ناجحة، كغيرها من القطاعات الأخرى.
خطاب العنف الرياضي بدأ مع جيل معين من الصحافة المكتوبة، وتمدد مع تفريخ وسائط أخرى، خاصة مع شيوع المدونين والمواقع الإخبارية على شبكة النت، ووصل إلى ذروته مع ظهور قنوات تلفزية تفتقد إلى المهنية وإلى الحياد المطلوب في الإعلاميين والمحللين، ولذلك فإن المجتمع ومعه المؤسسات الرسمية وجد نفسه يصرخ عاليا: أوقفوا علينا هذا الجلد المنفوخ.
دفن أنصار مولودية الجزائر أحد ضحايا العنف وسط أجواء من الحزن، وربما الندم على هذه اللعبة التي باتت تخطف الشباب، ولا هو الأول ولن يكون الأخير، إذا استمر الترقيع في معالجة الظاهرة، التي صار الناس معها يموتون حتى في الفرح.
العنف استفحل بشكل كبير في المجتمع، ولم يعد مجرد مشاحنات عابرة بين أنصار هذا النادي مع أنصار ذلك النادي، وما يحدث خلال الأسابيع الأخيرة يوحي بأن المسألة معقدة ومركبة، فالجرائم اليومية والاعتداءات في الأماكن العامة وخوف الأفراد على حياتهم أو أملاكهم، هي امتداد أو تفاعل مع عنف الملاعب، ولذلك فإن العلاج لا يمكن أن يكون منفصلا أو معزولا.
الجسم برمته يعاني من هذا المرض، ولا يمكن مداواة طرف من الأطراف وترك الباقي، وما يحدث في الخطوات المتخذة بين الفينة والأخرى لا يمكن أن يأتي ثماره، وضبط أوتار أداء وخطاب الإعلام الرياضي يستوجب أن يكون مرافقا لباقي المنظومات الأخرى، في المدرسة والجامعة والمسجد والمجتمع المدني والمؤسسات الأهلية والرسمية.. وغيرها، ولم لا الاستعانة بالتجارب الأجنبية الناجحة في محاربة العنف؟
الهدف المثالي لأي خطة لإنهاء العنف في الملاعب، هو الوصول بالمناصر إلى الذهاب إلى الملعب من أجل الفرجة والمتعة وحتى الاسترخاء، وهذا السقف يبدأ من الأسرة وإلى كل الفواعل ذات الصلة، ولذلك فإن العبء ثقيل والمهمة صعبة ومعقدة، لكن إنتاج ذلك النوع من المناصرين يعني بناء مواطن صالح، ينعكس صلاحه على بلاده ومجتمعه.