إدريس الروخ يكشف معاناة الرياضة النسوية في المغرب في شريط "جيهان"

فتاة تتحدى أسرتها المحافظة لتحقيق حلمها بالنجاح في كرة القدم.
الجمعة 2025/04/25
الكرة لا تزال حكرا على الذكور

يخوض المخرج إدريس الروخ مغامرة مختلفة هذه المرة، حيث يحملنا معه في شريط "جيهان" إلى عالم كرة القدم النسائية في المغرب، عبر حكاية فتاة موهوبة تواجه تحديات كبيرة مع عائلتها المحافظة التي تقف عائقا أمام فرصة نادرة للبنت لتحقيق نجاحات دولية، ما يكشف نموذجا عن الصعوبات التي تواجهها الرياضة النسائية في المغرب.

الرباط - تدور أحداث الشريط التلفزيوني “جيهان” للمخرج إدريس الروخ حول فتاة طموحة يسكنها حلم كبير بلعب كرة القدم، لكنها تنحدر من أسرة محافظة تقف في طريق هذا الحلم، بينما تُمنح فرصة ذهبية لتمثيل مدرستها في بطولة دولية لكرة القدم النسوية، لكن رفض والدها التام لممارسة الفتيات لهذه الرياضة ومتطلبات السفر إلى مدينة أخرى للاستعدادات يضعانها أمام خيار صعب بين التمسك بحلمها أو الاستسلام لقرار والدها.

العمل من سيناريو مصطفى الأزهر وبطولة كل من عبدالإله عاجل وسعيدة باعدي ونهيلة الحماوي وصباح بن الصديق وأميمة بوطالب وسكينة زيادة وعبدالكريم بولمال وعبدالغني الصناك ومحمد الورادي وسلوى صادق.

يُبرز شريط “جيهان” فكرة جديدة نسبيًا على التلفزيون المغربي، إذ تُعد الأفلام التلفزيونية التي تركز على كرة القدم النسوية نادرة جدًا، وشبه غائبة في الإنتاجات المحلية، وهذا النوع من الدراما الرياضية يُمثل محاولة جريئة لاستكشاف قضايا اجتماعية من منظور شبابي وأنثوي، بينما عالميا ليست الفكرة بجديدة، فقد تناولتها العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية في بوليوود وهوليوود وحتى في السينما الأوروبية، تكررت قصص الفتيات اللواتي يواجهن عراقيل اجتماعية وثقافية لتحقيق أحلامهن الرياضية، وهذا التكرار يجعل الفيلم يبدو مألوفًا للجمهور العالمي، لكنه يظل خطوة مهمة في سياق التلفزيون المغربي للتركيز على قضايا المرأة والرياضة.

نهيلة الحماوي بطلة الشريط نجحت في تجسيد شخصية جيهان بمزيج من الطموح والاجتهاد
نهيلة الحماوي بطلة الشريط نجحت في تجسيد شخصية جيهان بمزيج من الطموح والاجتهاد

يُعيق السيناريو بعض الثغرات الواضحة التي تؤثر على تماسك القصة، فمثلا شخصية الفتاة الخصم التي قامت بتصوير “جيهان” في الحمام أو أثناء التدريب بنية إيذائها وخلق مشاكل مع والديها لم تُواجه أي عقاب أو تبعات لأفعالها، ربما سمعنا نية الحوار نحو تطبيق العقاب لكنه كردة فعل غاب، وهذا الغياب لرد الفعل يخل بمنطق الفعل ورد الفعل، وهو مبدأ أساسي في كتابة السيناريو الدرامي، لأنه يترك الجمهور مع شعور بعدم الإنصاف أو النقص في إغلاق هذا الصراع، كما أن علاقة “جيهان” بخطيبها ظلت غامضة وغير مكتملة، فلم يتم توضيح موقفها من الخطبة سواء بالرفض الصريح أو القبول، ولم يظهر الخطيب في المشاهد الختامية لتوفير إغلاق درامي لهذا الخط القصصي، وهذه الثغرات تجعل بعض مشاهد السيناريو غير محبوكة بشكل كامل، وتُشتت انتباه المشاهد أو تُضعف التجربة الدرامية.

ويُبرز الأداء التمثيلي في “جيهان” مواهب مميزة، خاصة نهيلة الحماوي التي لعبت دور البطولة، كونها نجحت في تجسيد شخصية جيهان بمزيج من الطموح والاجتهاد، كما أن لها بروفايل يحمل تشابهًا بدنيًا وأسلوبيًا مع الممثلة المغربية دنيا بوطازوت، ومع تنويع أدوارها، قد تتجاوز نهيلة هذا التشابه لتصبح واحدة من نجمات التمثيل في المغرب مستقبلا، كما قدم عبدالكريم بولمال أداءً مقنعًا وطبيعيًا في دور أستاذ الرياضة واللاعب السابق، وأضاف مصداقية للشخصية من خلال تشخيصه لهذا النوع من الشخصيات، بينما عودة الممثل القدير عبدالغني الصناك إلى الشاشة التلفزيونية كانت إضافة قوية، لأنه وجه درامي موهوب وغاب طويلا على شاشة التلفزيوني.

يكشف إدريس الروخ تمكنه في الإخراج من خلال احترامه لقواعد الشريط التلفزيوني، إذ استخدم اللقطات القريبة والقريبة جدًا والمتوسطة لإبراز الملامح الدرامية، مثل تعبيرات وجه جيهان ووالديها وصديقاتها أثناء لحظات الصراع أو التحدي أو الدعم، وهذه التقنيات تُعد من السمات المميزة للدراما التلفزيونية، كونها تُساعد على نقل العواطف بدقة وتقريب المشاهد من التجربة الإنسانية للشخصيات، لكن تكرار بعض مشاهد التدريب والمبالغة فيها يطيلان مدة العمل وقد يشردان ذهن المتلقي أو يمل رغم أن القصة مشوقة جماهيريا.

وتُعيق الموسيقى التصويرية، التي رافقت اللحظات الحزينة وعقدة العمل، تجربة الفيلم بسبب افتقارها إلى الطابع المغربي، لماذا؟ لأنها بدت الموسيقى أقرب إلى النمط المصري الدرامي الكلاسيكي، مع الاعتماد على الألحان الحزينة التقليدية التي تفتقر إلى الخصوصية الثقافية، كان بالإمكان إثراء العمل باستخدام عناصر موسيقية مغربية، مثل الآلات التقليدية التي تعبر عن الهوية المحلية وجعل التجربة السمعية أكثر تميزًا، وهذا النقص قلل من انسجام الموسيقى مع السياق الثقافي للشريط كونه مغربي وليس مصري.

حضور أنثوي بامتياز
حضور أنثوي بامتياز

ويُعاني الشريط من إيقاع زمني مطوّل بسبب تكرار مشاهد التدريبات، التي كان بالإمكان اختصارها أو استبدالها بلقطات رمزية لنقل فكرة التحضير للبطولة، فكون الفيلم تلفزيونيًا بمدة وإنتاج محدودين، كان من الأجدر التركيز على الإيقاع المتوسط والمكثف للحفاظ على انتباه الجمهور، وهذا التكرار جعل بعض المشاهد تبدو زائدة عن الحاجة، لو تم تقليص هذه المشاهد أو استخدام مونتاج أكثر ديناميكية، لكانت مدة الفيلم 90 دقيقة بالكثير كافية جملة وتفصيلا.

ونشأ إدريس الروخ المخرج والممثل المغربي، في ظروف متواضعة شكلت تحديات مبكرة، فاتجه إلى الفن من خلال فرقة “مسرح السبعة”، فكتب وأخرج واقتبس مجموعة من المسرحيات، ووضع الأساس لمسيرته الفنية في المسرح والسينما والتلفزيون.

وتعاون إدريس مع المسرحي العراقي جواد الأسدي في جولة فنية بالسويد استمرت نصف عام. قدم خلالها مسرحية “الآنسة جولي”، وأدى دورًا جديدًا أظهر موهبته التمثيلية. وأشادت الصحافة السويدية بأدائه، وأطلقت عليه لقب “أنطوني كوين المغرب” تقديرًا لحضوره القوي. وعززت هذه التجربة مكانته كفنان قادر على التأثير في المشهد الفني الدولي.

وشارك إدريس في 55 عملًا تمثيليًا، شملت أفلامًا ومسلسلات. تألق في أفلام مثل “الوترة”، و”ضاضوس”، و”السلعة” بشخصية كوماندو الركراكي، و”جرادة مالحة” بشخصية إدريس، و”Burnout” بشخصية فريدي، و”حياة”، و”المسيرة الخضراء” بشخصية إدريس، و”دلاص” بشخصية مستوري، و “Casanegra” بشخصية إبراهيم، و”Babel” بشخصية Alarid، و”Syriana” بشخصية الحارس. قدم أدوارًا في مسلسلات مثل “جنين” بشخصية الكاش، و”دار النسا” بشخصية عثمان، و”باب البحر” بشخصية إدريس العمراني، و”ولاد المختار” بشخصية سيف اللمعي، و”الدنيا دوارة” بشخصية إبراهيم، و”الصفحة الأولى” بشخصية عبدالعظيم، و”اليتيمة” بشخصية محسن، و”حبال الريح” بشخصية ساق الشيخ، و”بنات لالة منانة” في الجزأين الأول والثاني بشخصية كمال.

فكرة جديدة نسبيًا إذ تُعد الأفلام التي تركز على كرة القدم النسوية نادرة وشبه غائبة في الإنتاج المحلي

أخرج إدريس 21 عملا، شملت أفلامًا مثل “الوترة”، و”جرادة مالحة”، و”كنبغيك طلقني”، و”مسك الليل”، ومسلسلات مثل “جنين”، و”كاينة ظروف”، و”بنات العساس”، و”دار الهنا”، و”فرصة ثانية”، و”الخاوة”، و”دار الغزلان” في الجزأين الأول والثاني. كتب وأنتج فيلم “جرادة مالحة”، فعكس قدرته على الإسهام في جوانب متعددة من العملية الإبداعية.

ساهم إدريس في إثراء الفن المغربي والعربي بأعمال متنوعة. شارك في أعمال محلية مثل “بنات لالة منانة”، وأعمال عالمية، كما أخرج مسلسلات كوميدية مثل “دار الهنا” و”لوبيرج”، فجذب جمهورًا واسعًا. وقدم أفلامًا درامية مثل “مسك الليل”، عالجت قضايا إنسانية.

ورغم أن إدريس بدأ من مسارح مكناس المتواضعة، لكنه وصل إلى الشاشات العالمية، فصنع إرثًا فنيًا يعكس شغفه وتفانيه.

ويعرض حاليا للمخرج نفسه فيلم “الوترة” في القاعات السينمائية المغربية ويروي قصة شعيبة عن فنان شعبي يهاجر من البادية إلى المدينة عام 1997 بحثًا عن حياة أفضل ورغبة في تحقيق الشهرة من خلال موهبته في العزف على آلة الوترة. لكنه يواجه تحديات صعبة في عالم تسوده الجريمة والمخدرات، مما يغير مسار حياته.

جرى تصوير الفيلم في مدن الدار البيضاء، المحمدية، المنصورية، بوزنيقة، وبن سليمان. ويشارك في البطولة إلى جانب إدريس الروخ ممثلون مثل سحر الصديقي، حميد السرغيني، طارق البخاري، إلهام قروي، كريم بولمال، والشرقي الساروت.

15