تحميل المؤلفين مسؤولية إخفاقات الدراما لا يراعي الطابع الجماعي للعمل الفني

السيناريست محمد رجاء لـ"العرب": بعض الأعمال تنفذ بوجهة نظر مغايرة لأهداف المؤلف.
الجمعة 2025/04/25
النسخة النهائية للعمل الفني قد لا تشبه ما كتبه المؤلف

يحمّل الجمهور وحتى النقاد أحيانا كتّاب النصوص مسؤولية فشل الأعمال الدرامية، ويكرر بعضهم أن سر الفشل الأول تراجع جودة النصوص الدرامية، لكن هذا الرأي يجانب الصواب كثيرا، كما يؤكد لنا السيناريست المصري محمد رجاء، حيث يوضح في حوار مع "العرب" أن العمل الفني عادة ما يخرج في ثوبه النهائي بتغييرات كثيرة فرضت على النص الأصلي.

القاهرة- تتخذ مسألة تحميل المؤلفين، باعتبارهم الركيزة الأساسية للمسلسلات، مسؤولية إخفاقات بعض الأعمال الدرامية طابعا جدليا؛ إذ جرى تصدير أزمات الكتابة لتكون في وجه مدفع الانتقادات مع تزايد وتيرة الاعتماد على الورش التي انتشرت على نطاق واسع، وتراجع حضور المؤلف الذي تتشكل لديه رؤية فنية وثقافية يستطيع من خلالها الخروج بحبكة ناجحة أسوة بما قدمه مؤلفو الدراما من قبل.

يشكل هذا النقاش بعدا مهما في رؤية الكاتب والسيناريست المصري محمد رجاء، الذي قدم عددا من الأعمال الدرامية والسينمائية الجيدة خلال السنوات الماضية، إذ دائما ما يعبر عن ضيقه من تحميل الجمهور للمؤلف مسؤولية فشل المسلسلات والتي تقوم على فعل جماعي، المؤلف ترس مهم فيه، لكن يصعب تحميله بمفرده مسؤولية ضعف المحتوى المعروض في ظل مشكلات عديدة تواجه الدراما، تتعلق بمساحات الكتابة المتاحة، والرؤى الإخراجية التي قد تتعارض مع الفكرة الرئيسية للعمل، وتدخلات النجوم.

قال رجاء في حواره لـ”العرب” إن الكتابة فعل فردي وتنفيذ العمل فعل جماعي، وهناك أكثر من عنصر بشري غير المؤلف يفرضون وجهات نظرهم على النص، ما يجعل المنتج النهائي مختلفا عما كتبه في البداية كاتب العمل.

◄ محمد رجاء قدم شخصية سلبية في مسلسل "نص الشعب اسمه محمد"

ويفند الأمر أكثر بقوله “الممثل يعترض أحيانًا على جملة في الحوار فيطلب تغييرها أو حذفها، أو اقتصاص جزء منها، أو أنه يؤديها بأداء مختلف عن المكتوب في النص، وقد يتم تغيير مكان تصوير المشهد إلى مكان آخر غير الموصوف بالنص، وهناك المخرج الذي يفرض وجهة نظره أو لا يتفق مع المؤلف على نفس الإيقاع، أو المنتج الذي يحذف مشاهد لكلفتها العالية، كل ذلك يؤثر على المُنتج النهائي.”

وأوضح رجاء، الذي ألف مسلسل “نص الشعب اسمه محمد” وساهم في تأليف مسلسل “ظلم المصطبة” وعُرض العملان في موسم رمضان المنقضي، أن مهمة مدير العرض غير موجودة

ضمن عناصر إنتاج العمل المصري، ومهمته مطابقة ما تمت كتابته من نص على الورق، وما يتم تنفيذه بعد الإنتاج، ورصد نقاط الاختلاف، ويمكن أن يُعاد التصوير لتصحيح أي اختلاف.

وتابع “بعد عرض العمل تكون لدى الجمهور أسئلة محيرة، فيعتبر العمل الفني منقوصًا، ويحمّل المؤلفَ مسؤولية ذلك، رغم أن النص المكتوب به كافة الإجابات التي طرحها، وما حدث أن تنفيذ العمل تم بوجهة نظر وإيقاع مختلفين عما كتبه المؤلف.”

لعل ذلك ما يجعل محمد رجاء يتجه إلى التنسيق مع مخرج بعينه في الأعمال التي قدمها واستطاع أن ينسج ثنائية ناجحة مع المخرج هاني خليفة وقدما معاً مسلسلات “الليلة ومافيها”، بطولة الفنانة زينة، ومسلسل “فوق مستوى الشبهات”، بطولة يسرا، ومسلسل “الحساب يجمع”، بطولة كريم فهمي، وفيلم “الرحلة 404″، بطولة منى زكي، وهي أعمال في مجملها حققت نجاحات فنية مهمة.

ولدى المؤلف المصري تجربة فريدة في رمضان الماضي مع المخرج هاني خليفة، حيث شارك في كتابة سيناريو عدد من حلقات مسلسل “ظلم المصطبة”، بطولة إياد نصار وفتحي عبدالوهاب، وبني على قصة كتبها المؤلف أحمد فوزي صالح وبرر ذلك بضيق الوقت مع تأكيد أنه ترك الخط الدرامي ورسم الشخصيات بيد المخرج.

وأضاف في حواره لـ”العرب” أنه قام بتأليف الحلقات الست الأولى من مسلسل “ظلم المصطبة”، وتعامل مع هذه التجربة بشكل منفرد، لكنه اعتذر عن استكمالها لضيق الوقت، وقام مخرج العمل ببعض التغييرات الطفيفة التي اضطر إلى القيام بها حتى يبني عليها بعض الأمور في الحلقات التي تلت ما كتبه رجاء.

وأوضح أن الأمر بالنسبة إليه عندما شرع في كتابة المسلسل كان بمثابة كتابة معالجة لقصة أو لعمل روائي ليس من تأليفه، وهذا ليس صعبًا على أي مؤلف محترف، وقام محمد رجاء ببناء الإطار الزمني والمكاني للقصة، ثم رسم الشخصيات، ووضع تفاصيلها، فبدت حقيقية من لحم ودم.

والتزم قدر الإمكان برسم الشخصيات التي وضعها كاتب القصة (أحمد فوزي صالح) في مسلسل “ظلم المصطبة”، لكنه أضاف إليها بعض التغييرات خصوصًا بين الشخصيات الثلاث الرئيسية التي كان يجمع بينها تاريخ وماض، وتم بناء الأحداث على أساس ذلك، وراعى الهيكل الأساسي للقصة الذي له علاقة بمعاناة المرأة في المجتمعات القبلية، والتي تهيمن عليها النزعة الذكورية، وتهمش كيان المرأة فيها، لاغية مشاعرها وحرية اختيارها لحياتها التي تحب.

وسلط المسلسل الضوء على قضايا نسائية، منها: العنف الزوجي، وحرمان المرأة من الميراث، والزواج الثاني، وإجبار المرأة على الزواج، وسيطرة التقاليد والأعراف على مصائر النساء في الريف المصري.

كما شارك في كتابة المسلسل إسلام حافظ وحاتم حافظ وأحمد عصام الشماع، إلى جانب مؤلفه أحمد فوزي صالح، وحسب محمد رجاء فإن صناع العمل كانت لديهم رغبة في الاستعانة بورشة كتابة ليتم إنجاز الحلقات بشكل أسرع، لكنه لم يحبذ ذلك، وفضل العمل بمزاج شخصي.

ورأى المؤلف أن الفن عمومًا عبارة عن وجهة نظر شخصية، ويقوم بالكتابة بدافع من إحساس شخصي للعالم الذي يخلقه للعمل، وتفاصيله وشخصياته، وقد يشترك مع كاتب آخر يتفق معه على إيقاع ووجهة نظر واحدة، لكن ذلك يتم في أضيق الحدود.

وذكر أنه يحرص في كل أعماله على خلق شخصيات ذات أبعاد نفسية، فمهما اختلفت البيئة التي تعيش فيها الشخصيات والظروف المحيطة بها، في النهاية تتساوى في التركيبات النفسية، ويستطيع المؤلف خلق عالم ينبض بحياة واقعية، يصدقها الجمهور.

اختار المؤلف المصري محمد رجاء أن يقدم شخصية سلبية في مسلسل “نص الشعب اسمه محمد”، وركز على معالم شخصية واقعية، وإن كانت تركيبة العمل خيالية، والصفات التي اتسم بها محمد، وجسد شخصيته الفنان عصام عمر، مثل الكذب والتلون والخيانة وعدم الأمانة، جميعها بارزة في التعاملات اليومية.

وقال إنها ليست المرة الأولى التي يتناول فيها شخصيات من هذا النوع، ففي مسلسل “فوق مستوى الشبهات” كانت الشخصية الرئيسية سلبية وتعمل مدربة تنمية بشرية، لأن هذه الشخصيات تخلق دراما في الأحداث.

ولم يحظ مسلسل “نصف الشعب اسمه محمد” بتوافق على نجاح مؤلف العمل في توصيل فكرته، لأن شخصية الرجل الذي يتلاعب بمشاعر النساء ويتنقل بين العلاقات بدافع الأنانية مستغلا انتشار الاسم لإخفاء تصرفاته لم تتوفر فيها بشكل كامل المبررات الدرامية التي يمكن أن تدفع الجمهور إلى الاقتناع بسلوكياتها.

وردًا على سؤال لـ”العرب” حول حرصه على تقديم أعمال تنتهي برسالة وعظة، وهل ذلك مقصود منه؟ قال “حين أشرع في كتابة العمل لا أشغل نفسي بالإجابة على سؤال لماذا أكتب هذا العمل ولمن؟ لكن مع الوقت أدرك أن الفكرة نابعة من منطقة اللاوعي عندي، وهناك إلهام شخصي دفعني إلى كتابتها وجعلني أتفاعل مع القصة، فتصبح ذات معنى، فلا أكتب قصة للوعظ والإرشاد، وأكتب دراما ذات معنى، بناءً على دوافع الشخصيات وسير الأحداث، وبناءً عليها ينتهي العمل.”

واستبعد رجاء فكرة إنهاء أعماله الفنية نهايات تُرضي الجمهور، وفضل أن يشاهد المُتلقي العمل كرحلة، ويخرج منها بشحنة نفسية ما، بمعنى أن يكون متأثرًا بالقصة والأحداث والشخصيات، ويقيم البطل وقراراته ويضع نفسه مكانه، هنا لن يبحث عن نهاية ترضيه، بل عن نهاية منطقية للقصة.

وأشار إلى أنه كتب نهاية مأساوية لمسلسل “الطوفان”، ولم يفكر في كتابة نهاية معينة حتى يُرضي جمهوره، مع ذلك ترك العمل أثرًا كبيرًا آنذاك، وحقق نجاحًا مبهرًا.

◄ رجاء ألف مسلسل "نص الشعب اسمه محمد" وساهم في تأليف مسلسل "ظلم المصطبة" وعُرض العملان في رمضان 

 

14