ماريا دعدوش لـ"العرب": المسابقات قدمت خدمة جليلة لأدب الطفل

تميزت كتابات الأديبة السورية ماريا دعدوش للطفل واليافعين بخفة الظل، رغم قسوة القضايا التي تتناولها في الكثير منها، وتبدو قادرة على تمرير رسائل عميقة في قالب كوميدي وسلاسة من خلال شخصيات يألفها الطفل، ويشعر بأنها تعبر عنه. “العرب” تتوقف معها في هذا الحوار عند بعض المحطات المؤثرة في الحركة الإبداعية لأدب الطفل والتحديات التي تواجه المبدعين.
قامت ماريا دعدوش بتأليف ما يزيد عن 50 كتابًا في أدب الطفل باللغتين العربية والإنجليزية، وحصلت على عدد كبير من الجوائز والتكريمات، وكانت عضوًا في لجان تحكيم عدد من المسابقات الأدبية.
تقول الأديبة السورية هناك تحديات عديدة تواجه مؤلفي أدب الطفل العرب، منها ضعف الميزانية المخصصة للنشر، ما يجعل الناشرين لا يتحمسون لطباعة النصوص المقترحة بأعداد كبيرة، وغالبًا ما تكون مرة واحدة كل عام.
مقومات النص الناجح
تؤكد الأديبة الحاصلة على شهادة في الكتابة الإبداعية من جامعة كاليفورنيا عام 2015، أن السبب وراء لجوء القراء الصغار أو اختيارات ذويهم لأدب الطفل الغربي، هو أن الكتابات الغربية تتمتع بحس فكاهي خفيف يزيد من شعبية الكتب، ومن حيث قوة التسويق تتفوق الدول الغربية على نظيرتها العربية.
وتضيف ماريا دعدوش لـ”العرب” أن الروايات الغربية تجذب إليها اليافعين العرب بسبب تمتعها بالشفافية والجرأة، وهذه نقاط تفتقدها الكثير من الأعمال العربية، كما يفضل اليافعون الروايات الغربية، من نوعية الرعب والفانتازيا والمغامرات على القضايا الإنسانية والاجتماعية، ومتطلبات كل جيل تتغير عن الجيل السابق له، ورغم الانبهار بالأدب الغربي، إلا أن كتب الطفل العربية انتزعت لنفسها مكانا بفضل الاهتمام الكبير الذي يوليه لها المنشغلون بها في الآونة الأخيرة.
وبدأت دعدوش مسيرتها الأدبية في مجال الإعلام، وساهمت في كتابة حلقات عن المسلسل الكوميدي الشهير “مرايا”، وشاركت في تأسيس مجلة “فلة” للفتيات، ومع انتقالها من الإعلام إلى الكتابة الأدبية، تُعتبر كاتبة أدب طفل من الطراز الأول، ومن الأدباء القلائل المعروفين بتقديم نصوص مكتملة البناء والسرد واللغة.
عن معايير النص المُقدم للأطفال وسبل نجاحه تقول “أشعر أن الكتابة بلغة تشبه حديث أفكار الطفل ببساطتها وتركيبها من أهم العوامل، وطبعا الحركة السريعة والعواطف العميقة والموضوعات التي تشبه عمر الطفل المستهدف، كل ذلك يجعل النص صادقًا ومؤثرًا، ومن ثم يحقق الرواج المطلوب، وربما يفاجئنا بنجاحه.”
وطرقت الكاتبة السورية أبوابًا لقضايا حساسة لدى الأطفال لم تكن الكتابة عنها أو تناولها مألوفين، ونجحت في طرحها بشكل بسيط، ولا تعطي درسًا من ورائها للأطفال فقط، بل للآباء أيضًا كي ينتبهوا إلى ثغرات كثيرة في تربيتهم للأبناء. وفي روايتها “أريد أمًا أخرى” تناولت معاناة طفل يكره أمه، بسبب تصرفاتها السيئة معه وضربها له، فقرر البحث عن أم غيرها، واستخدمت الكاتبة أسلوبًا طفوليًا خفيف الظل في السرد، رغم مرارة الموضوع وقسوته.
وتعلق على ذلك قائلة “للأسف الإنسان العربي مُعنف في أغلبه، ويحتاج إلى نقلة في الأفكار حتى لا ينقل عدوى التعنيف إلى من حوله، سواء أكان زوجة أم أبناء أم موظفين تحت رئاسته وغيرهم، مثل هذا التغيير في التفكير الناجم عن تربية عنيفة وقاسية، يحتاج بكل تأكيد إلى جرعة توعوية، والتعاطي بخفة هو الطريق الأسلم والصحيح لتخفيف وطأة الموضوعات الصعبة في طرحها.”
وتحرص ماريا دعدوش على تناول السلاسل الأدبية في كتاباتها للأطفال، ولعبها بشخصيات رسمت تفاصيلها ببراعة بالغة، ما جعلها تبدو حقيقية وقريبة من القارئ، واستخدمتها في عدد من عناوين قصصها، بشكل يوطد العلاقة بين الشخصية والطفل، مثل سلسلتي “تيم وسامي” و”كارما وكارميلا”.
وتؤكد لـ”العرب” أنها تفضل السلاسل الأدبية وتميل إلى كتابتها لأنها تبني صداقة بين الطفل وبطل القصة، ويُخلق بينهما تآلف، ويشعر الطفل أن الشخصية تمثله، ويستنتج أفعالها وسلوكها، ما يمنحه إحساسًا بالذكاء، ويجعله سعيدًا حينما يقرأ. ولدت ماريا دعدوش عام 1970 في دمشق، ومع اندلاع الحرب في سوريا انتقلت إلى الولايات المتحدة، وأثرت معاناتها الإنسانية في كتاباتها، واصطبغت بصبغة سياسية، وتكتب عن تجارب قاسية يعيشها الأطفال في دول عدة تعرضت لصراعات.
في روايتها “من أخذ العربة” الصادرة عن دار نهضة مصر، والحاصلة على جائزة الملتقى العربي لأفضل كتاب للطفل “فئة اليافعين”، تصور بعمق ما يعيشه اللاجئون في معسكرات اللجوء من حياة مريرة وقاسية، خصوصًا على الأطفال، من خلال بطلة الرواية التي تختفي سيارتها، وهي مصدر رزقها الوحيد وأشقائها الثلاثة، وتبدأ رحلة البحث عنها، وتكشف الواقع المؤلم لحياة اللاجئين.
وتعزز الرواية قيمة المواطنة والانتماء، واستطاعت الكاتبة أن تجعل الطفل من عمر 9 سنوات يستسيغ مثل هذه القضايا الثقيلة حتى على صدر الكبار، عبر لغة عذبة وتوثيق للمشاعر الإنسانية الفياضة والسرد المتدفق والأحداث السريعة والشيقة.
وتوضح الكاتبة السورية لـ”العرب” أنها تفاجأت بردود الأفعال الإيجابية الذي أحدثها الكتاب، وأصبح أكثر كتبها شعبية، وهو نتيجة غير متوقعة لها، جعلتها تستوعب كم أن الناس يحتاجون إلى أدب يمثلهم، ويمثل همومهم وليس أدبًا ملمعًا لا يشبههم. ونُشرت إلكترونيًا لماريا دعدوش عشرات القصص على تطبيق “عصافير”، وتحقق قصصها نسب قراءة مرتفعة، وتحصل على تقييمات مرتفعة، ويترك لها الأطفال تعليقات إيجابية تشيد بالنصوص، ولذلك فطنت مبكرًا إلى أهمية النشر الإلكتروني.
وذكرت أن الكتب الإلكترونية طغت بسبب انخفاض كلفة الشراء المطلوبة للحصول عليها، عكس الكتب الورقية التي تزداد كلفتها. وقالت دعونا نتفق على أن الطفل مرتبط بشكل قوي باللوح الإلكتروني، وتجذبه القصص المصحوبة بحركة وصوت، والرسومات والألوان الزاهية، وعلى الأم أن تدير لطفلها مفتاح التشغيل للنص، ويتفاعل الطفل معه، ولو في عمر الطفولة المبكرة.
ورغم أن تطبيقات القصص الإلكترونية للأطفال تسير بخطوات حثيثة، إلا أنها تمثل طاقة نور أمام المؤلفين والرسامين العاملين في أدب الطفل، بعد أن تفاقم إحباطهم بسبب رفض دور النشر التي تنشر ورقيًا لنصوصهم المقدمة إليها، لأنها تختار عددًا محدودًا في خطة نشرها كل عام لارتفاع تكاليف تجهيز الكتاب وطباعته.
وتعبر الكاتبة السورية في حوارها مع “العرب” عن شعورها بأن دور النشر الكبيرة لديها من الثقة والحضور والخبرة ما يجعلها تميز بين الأعمال المختلفة، بعيدا عن اسم الكاتب، وعبر تجربتها الشخصية تم رفض الكثير من كتبها من قبل ناشرين كبار، وقبلت من طرف آخرين أقل حضورًا، لذلك تشعر أن الكلمة النهائية للنص ذاته.
دينامو الإبداع
تقول دعدوش "لولا المسابقات الأدبية لكان أدب الطفل لفظ أنفاسه الأخيرة منذ سنين، فالحلم بالفوز هو دينامو الإبداع في مجتمعاتنا، وأحيانًا يكون الحلم أفضل من الحصول عليه،” وتتمنى أن يزيد عدد المسابقات لتستوعب كل أنواع الإبداع، وهذا يُثري الحركة الأدبية في كتابات الطفل، ويخلق مجالا للتحدي والمنافسة الشريفة.
وتتابع لـ”العرب” أنها تؤيد بشدة ضبط مواصفات الكتب المطلوبة في مسابقات أدب الأطفال، وتدعم المعايير بشكل عام، وأهم وظائفها أن يتماشى الموضوع المطروح مع العمر المستهدف ومع عدد الكلمات التي بمقدور اللجنة قراءتها مع الشكل النهائي.
◙ كتب الطفل العربية انتزعت لنفسها مكانا هاما بفضل الاهتمام الكبير الذي يوليه لها المنشغلون بها في الآونة الأخيرة
وبحكم مشاركتها في لجان تحكيم عدة جوائز، هناك مساحة حرية أمام المتقدم للمسابقة، فالمتسابق لن يقف في وجهه شيء عندما يشعر بأن قصته تستحق فرصة، وتذكر أنها ذات مرة حكّمت في مسابقة للرواية، وتقدم من بين الأعمال المتقدمة للمسابقة تقريبًا 10 في المئة من النصوص المسرحية، لهذا لم تثن المعايير المطروحة الكتاب عن المشاركة رغم أن فرصة فوز مسرحية في مسابقة رواية مستحيلة تمامًا.
وثمة اتهامات من بعض كُتاب أدب الطفل تطال لجان التحكيم في المسابقات الأدبية ولأدب الطفل خصوصًا، مثل أنها غير منصفة لنصوص المبدعين الشباب، والجوائز تذهب إلى الأسماء المشهورة من الأدباء، والبعض يشكك في مصداقية هذه اللجان.
وتوضح الأديبة السورية لـ“العرب” أن الإجابة لتكون منصفة لا بد من التمييز بين نوعين من المسابقات، الأولى التي تقبل العمل المخطوط، والثانية التي تقبل العمل المنشور بالفعل، والأولى تقبل العمل المخطوط وتشترط إخفاء اسم الكاتب من ملف تقديم العمل، قبل عرضه على لجنة التحكيم، وحسب تجربتها مع الجوائز الكبرى تقبل مثل هذه الأعمال مع الحرص على سرية الاسم، وإذا اختار المحكم عملًا لكاتب مشهور فذلك بسبب أن العمل يستحق الفوز وليس بسبب معرفته بصاحبه.
والفئة الثانية من المسابقات التي تقبل العمل المنشور تؤكد من وجهة نظرها الشخصية أن فرصة الكاتب المعروف بالفوز بالجائزة أقل من الكاتب الذي في بداياته، فحينما يكون المحكم كاتبا أيضًا لا بد أنه معروف وإلا ما وصل إلى كرسي التحكيم، وعندما يقرأ قصة في المسابقة لكاتب معروف آخر، ليس بعيدًا عن النفس البشرية ألا يختار هذا الكتاب كي لا يزيد من ألقه. وتذكر أن نفس النقطة تنطبق تمامًا على الرسامين، فقد يرفض المحكم الرسام عملًا جميلًا لمنافس مشهور حتى لا يزيد شهرته، وينطبق الأمر على المحكمين الناشرين.
وترى الحل في أن الجوائز التي تستهدف الكتب المنشورة ويستحيل طمس اسم المؤلف فيها، تختار محكمين من الأكاديميين وليس من الكُتاب أو الرسامين، مثل هذا الضعف البشري خارج عن إرادة الجوائز، التي بالمبدأ مشكورة ولا تتدخل في خيارات المحكمين لأجل النزاهة، وتقول “أجدها فرصة لأشيد بجائزة الشيخ زايد للكتاب التي تحرص على حيادية المحكمين بصورة غير مسبوقة عبر خياراتها.”