بوليساريو تعرض انفتاحها على الحكم الذاتي: بداية اختراق أم مناورة جزائرية

الرباط – قال ما يسمى بوزير الداخلية الصحراوي إبراهيم البشير بيلا إن مبادرة الحكم الذاتي المطروحة لحل النزاع في الصحراء “لا تمثل سوى خيار من بين عدة خيارات ينبغي التفكير فيها لتسوية عادلة وسلمية للنزاع.”
ولأول مرة يتحدث مسؤول من بوليساريو عن مبادرة الحكم الذاتي التي يطرحها المغرب، كخيار للحل، ما يوحي بوجود مرونة في موقف الجبهة. لكن توقيت هذه المرونة يدفع إلى التساؤل إن كان مرتبطا بحديث الولايات المتحدة عن وساطة بين المغرب والجزائر لحل الخلاف حول الصحراء، وهل هو بداية اختراق أم مناورة من الجزائر حتى لا تبدو في صورة من يعرقل مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويقلل مراقبون من الحديث عن وجود اختراق في موقف بوليساريو لسبب رئيسي وهو أن القرار ليس بيدها، وإن كانت الظروف التي تحيط بأزمة الصحراء تفرض تغييرات جدية في موقف الجبهة التي بات حديثها عن الاستفتاء شيئا من الماضي في ضوء تواتر الاعترافات بواقعية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، خاصة مع الدعم الذي باتت تلقاه من الولايات المتحدة وفرنسا ودول أفريقية وعربية كثيرة.
ويفترض أن تدفع الظروف الصعبة، التي يعيشها سكان مخيمات تندوف، بوليساريو إلى البحث عن حل لإنقاذ الناس وتمكينهم من ظروف عيش أفضل، ولو تطلب الأمر التراجع عن مطلب الاستفتاء والقبول بأيّ خيار يلقى دعما دوليا. لكن القرار ليس في يد قيادة الجبهة، ما يرجح أن تصريح بيلا بشأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية قد تم بطلب من الجزائر.
ويعتقد المراقبون أن الجزائر تريد من تصريحات مسؤول بوليساريو التأكيد على أنها ليست طرفا معرقلا للوساطة الأميركية، وإلا لكانت كرّرت الهجوم على الدول التي تعترف بالمقاربة المغربية ورفض التفاوض إلاّ على قاعدة الاستفتاء.
ويمكن أن يساعد الإيحاء بالمرونة الجزائريين على شراء الوقت وفسح المجال أمام جلسات ولقاءات برعاية أميركية من دون إبداء موقف ملزم.
ويعرف الجزائريون أن ردة فعل ترامب على عرقلة الوساطة، أو انتقاد تبني إدارته لمقاربة الحكم الذاتي، لن تمر بسهولة، وأنها قد تدفع إلى توتير في العلاقات بين البلدين، في وقت تعمل فيه الجزائر ما في وسعها للتقارب مع واشنطن، وسبق أن عرضت التعاون الدفاعي معها.
وكان سفير الجزائر في الولايات المتحدة صبري بوقادوم ألمح إلى استعداد بلاده لعقد صفقة عسكرية كبرى، كما أن الجزائر طرف مباشر في التنسيق الأمني مع أفريكوم، وهو ما يجعل رفضها لتهدئة الصراع مع المغرب ووقف التصعيد، في حال فكرت في ذلك، موقفا متناقضا مع السعي للتنسيق الأمني.
وأعلن بيلا عن استعداد بوليساريو للانخراط في مفاوضات أممية، بشرط أن تكون “جدية وتفضي إلى حل قائم على مبدأ تقرير المصير، وأن تؤطر في سياق الحل الشرعي الذي تضمنه المواثيق وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة،” وفق تعبيره.
وأشار محمد الطيار رئيس المرصد المغربي للدّراسات الإستراتيجية إلى أن تصريح بيلا لقي ترويجا من الإعلام الجزائري كتمويه وخلط للأوراق في الوقت الذي اشتدت فيه الضغوط على الجزائر وبوليساريو للجلوس إلى طاولة الحوار.
ولفت الطيار في تصريح لـ”العرب” إلى أن تصريح بيلا قد يكون امتدادا للسياق الداخلي بمخيمات تندوف خاصة أنه يعاني من أزمة مصداقية، إذ ومنذ تعيينه لم تتحسن الوضعية الأمنية بل ازدادت تدهورا مع سيطرة عصابات الجريمة المنظمة.
لكن من الصعب أن تبدي الجزائر الموقف ونقيضه، وسيكون موقف بيلا ملزما لها، خاصة أن موقف واشنطن واضح بشأن أرضية الحوار، وهي مقاربة الحكم الذاتي التي تطرحها الرباط.
وأكد مستشار ترامب للشؤون الأفريقية والشرق أوسطية مسعد بولس السبت أن الموقف الأميركي من قضية الصحراء “صريح جدا ولا يتخلله أيّ شك أو أي لبس،” وهو الاعتراف “التام والكامل بسيادة المغرب على الصحراء.“
ويراهن الأميركيون على أن وضع الجزائر لا يسمح لها بأن تربك وساطتهم، وإلا سيضطرون إلى التعامل معها كما حصل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي وجد نفسه مجبرا على القبول بما تطرحه واشنطن.
الحديث عن وجود اختراق في موقف بوليساريو سابق لأوانه لأن القرار ليس بيدها، وإن كانت الظروف التي تحيط بأزمة الصحراء تفرض تغييرات جدية في موقف الجبهة
وأكد محمد عصام العروسي، المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيوسياسية بالرباط، أن الإدارة الأميركية جادة في هذا المسعى بدفع بوليساريو والجزائر للجلوس إلى طاولة المفاوضات لتسريع العملية السياسية ضمن إطار مبادرة الحكم الذاتي.
ويضيف العروسي، في تصريح لـ”العرب”، أنه في حالة تعنت الطرف الجزائري وبوليساريو سوف تنتقل واشنطن إلى السرعة القصوى بتصنيف بوليساريو كمنظمة إرهابية ومنعها من أن تشارك في أي تسوية سياسية.
وجاءت تصريحات بولس لتتقاطع مع عدة نقاط في الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، لمجلس الأمن، حين أشار إلى أن الإدارة الأميركية تريد الانخراط في الملف، من أجل تسهيل الوصول إلى حل مرض لجميع الأطراف.
وقال “هناك تطوران مهمان للغاية يمكن أن تكون لهما آثار مهمة على الجهود الرامية إلى تهدئة التوترات في المنطقة، والمساعدة في التوصل إلى نتيجة متفق عليها بشأن الصحراء، الأول يتعلق بموقف الولايات المتحدة، وتأكيد التزامها بمبادرة (الحكم الذاتي الجاد)، والثاني هو تجاوز الجزائر لتصعيدها مع فرنسا بخصوص ملف الصحراء.”
وأضاف “المشاركة الدبلوماسية في المنطقة من قبل عضوين دائمين في هذا المجلس تُعد مؤشرا على الاهتمام المتجدد بالفرص، لكنها أيضا تُظهر المخاطر القائمة.”
وأكد على أن طرح الحكم الذاتي، المدعوم من طرف قوى إقليمية ودولية، سيكون جادا لما يتضمنه من التوضيحات اللازمة لحل نهائي، فهو يحتاج إلى التفاصيل التي يمكن البناء على أساسها لإرساء حل عادل ودائم ومقبول من الطرفين، في إشارة إلى ما أسماه بـ”الصلاحيات التي سيتم تفويضها للسكان الصحراويين،” وما يترتب عليه من نصوص وتشريعات لطبيعة النظام السياسي القائم في المغرب.