استثناء أعضاء البرلمان من التصريح بممتلكاتهم يثير سجالا حادا في موريتانيا

مؤتمر رؤساء الجمعية الوطنية الموريتانية يؤجل النظر في القانون.
الثلاثاء 2025/04/22
مطالب بتعديل المقترح

أثار استثناء أعضاء البرلمان من التصريح بممتلكاتهم جدلا سياسيا وشعبيا واسعا في الشارع الموريتاني، وسط مطالب من المنظمات المحلية بضرورة إجراء تعديلات في هذا الشأن، وتأجيل مؤتمر الرؤساء في الجمعية الوطنية الموريتانية مناقشة تعديلات مقترحة على قانون التصريح بالممتلكات.

تعرف موريتانيا هذه الأيام سجالا حادا حول قرار استثناء أعضاء البرلمان من التصريح بممتلكاتهم عكس بقية فئات المجتمع، حيث طالبت 20 منظمة غير حكومية أمس الاثنين بإجراء تعديل على مشروع القانون رقم 010 – 25 المتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح، وإدراج النواب في قائمة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم.

وأكدت في بيان مشترك أنه “ليس من المناسب أخلاقيا ولا سياسيا أن يتم استثناء النواب من التصريح بممتلكاتهم ومصالحهم، خاصة وأنهم يمارسون سلطة تشريعية ورقابية على الجميع،” معتبرة أن مثل هذا الاستثناء “سيضعف كثيرا من مصداقية الجهود المبذولة لمحاربة الفساد.”

وقالت المنظمات إن المشرع الموريتاني إذا ألزم النواب بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم لا يكون قد جاء باستثناء في المنطقة، فأغلب دول الجوار، كالمغرب وتونس والجزائر والسنغال، تُلزم النواب بذلك.

ودعا “منتدى 24 – 29 للرقابية الشعبية على الأداء الحكومي” النواب، وخاصة الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى تعديل مشروع القانون 010 – 25 المتعلق بالإلزام بالتصريح بالممتلكات والمصالح حتى يشملهم.

منظمة الشفافية الشاملة أكدت أن هذا التعديل يمس بجوهر القانون ويقوض مبادئ الشفافية والمساواة أمام القانون

وأفاد بأن استثناء النواب من التصريح بالممتلكات والمصالح سيعطي انطباعا سلبيا للرأي العام عن جدية أحزاب الأغلبية في دعم الحرب على الفساد التي تعهد بها الرئيس ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي “طموحي للوطن”، وهو البرنامج الذي صوت عليه النواب، وسوقوه في دوائرهم الانتخابية، مذكرا بأن الرئيس تعهد في برنامجه الانتخابي بـ”مراجعة قانون مكافحة الرشوة، لاسيما فيما يتعلق بأحكام تجريم قضايا الرشوة، والتصريح بالممتلكات، وتضارب المصالح، سعيا إلى مواءمتها مع أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال.”

وأكد المنتدى أن عدم إلزام النواب في موريتانيا بالتصريح بالممتلكات، وفي وقت يصرح فيه النواب في المغرب وتونس بممتلكاتهم، سيعني ذلك أن التصريح بالممتلكات في البلاد لم تتم مواءمته مع أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال، كما تعهد بذلك الرئيس، مشيرا إلى أن استثناء النواب من التصريح بالممتلكات والمصالح قد يفسره البعض بأنه يدخل في إطار مقاومة الإصلاح، والتي تحدث عنها الرئيس بشكل صريح في إطار حديثه عن الحرب على الفساد في خطاب التنصيب.

وشدد المنتدى على أن استثناء النواب من التصريح بالممتلكات والمصالح لا ينسجم مع روح ميثاقه لمحاربة الفساد، والذي تبناه حزب الإنصاف الحاكم يوم 23 يناير 2025، وتبنته أحزاب أخرى في الأغلبية، لافتا إلى أنه جاء في البند الثالث من هذا الميثاق أن الحزب الذي يتبناه سيعمل على “تعزيز البنية القانونية والتشريعية والقضائية في مجال محاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة، وذلك من خلال اقتراح القوانين ذات الصلة والتصويت عليها.”

ومن جانبها دعت منظمة الشفافية الشاملة الحكومة والبرلمان إلى إعادة إدراج رئيس الجمعية الوطنية ونوابها ضمن الجهات الملزمة بالتصريح بالممتلكات، وقالت إنها اطلعت على النسخة الأصلية من مشروع القانون التي صادقت عليها الحكومة، والتي كانت تتضمن بوضوح إلزام رئيس الجمعية الوطنية ونوابها بالتصريح بممتلكاتهم، لكنها تفاجأت بـ”شطبهم من النسخة النهائية المقدمة للبرلمان دون مبررات قانونية أو موضوعية.”

وأكدت المنظمة أن هذا التعديل يمس بجوهر القانون ويقوض مبادئ الشفافية والمساواة أمام القانون، متسائلة كيف يُستثنى نواب يتمتعون بنفوذ تشريعي ورقابي، في حين يُلزم قضاة وأعضاء المجلس الدستوري بالتصريح.

ونادت بتقديم توضيح رسمي حول أسباب شطب النواب من اللائحة، وتعديل القانون الحالي لإلزام رئيس الجمعية الوطنية والنواب ومديري الشركات الوطنية بالتصريح بممتلكاتهم، وإحالته فورًا إلى المصادقة عليه، مشددة على أن استثناء هذه الجهات “يُضعف ثقة المواطن المهزوزة أصلًا في جدية محاربة الفساد.”

وكانت الحكومة قد استثنت النواب من القائمة الواردة في المادة الثالثة من مشروع القانون رقم 010 – 25، المتعلق بالتصريح بالممتلكات، وهو المشروع الذي أجازته الحكومة يوم 16 يناير الماضي، وكان من المقرر عرضه على النقاش داخل البرلمان في 16 أبريل الجاري إلا أن مؤتمر الرؤساء في البرلمان الموريتاني قرر تأجيل مناقشة مشاريع القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد دون تحديد موعد بديل لها، وهو ما رده المراقبون إلى الجدل الحاد الذي أثارته هذه المشاريع، وخصوصًا مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح، بسبب استثناء رئيس البرلمان والنواب من التصريح.

وقدّم النائب المعارض محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل مقترحاً للجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان) بتعديل مشروع قانون مكافح للفساد، ليشمل النوّاب، بعد أن كان مشروع القانون قد استثناهم. وذلك نظراً لملاحظات حول طبيعة القاعدة القانونية العامة والمجردة، ووجود خلل في الصياغة، وورود عبارات فضفاضة لا تساعد على التكييف الدقيق، حسب وثيقة المقترح.

منظمة الشفافية الشاملة تدعو الحكومة والبرلمان إلى إعادة إدراج رئيس الجمعية الوطنية ونوابها ضمن الجهات الملزمة بالتصريح بالممتلكات

وكان ولد الشيخ محمد فاضل أشاد بـ”أهمية سن التشريعات القانونية،” إلا أنه أشار إلى “التناقض الكبير والواضح بين ممارسة النظام للفساد بشكل ممنهج، وتقديمه نظريا للقوانين التي تحاربه،” معتبرا أن “دور بعض النواب في الصفقات العمومية” ينبغي أن يمنع استثناءهم النواب من إجراءات مكافحة الفساد.

واعتبر الخبير القانوني إدريس ولد حرمه أن عدم إدراج النواب ضمن الفئات الملزمة بالتصريح يعد خرقًا للالتزامات الدولية لموريتانيا وقد يضر بمصداقية البلاد في المحافل الدولية.

وشدد على أنه من الضروري أن يتم إلزام نواب البرلمان الموريتاني بالتصريح بممتلكاتهم، لافتا إلى أن إدراج النواب في هذا القانون هو خطوة ضرورية لضمان الشفافية والحوكمة الجيدة في البلاد.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي محمد الأمين فاضل أن النواب لم يوفقوا في حذف أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، ولم يكن فعلهم ذلك مبررا.

 وقال إن “النواب في البلدان المماثلة لنا وغير المماثلة، يشملهم قانون التصريح بالممتلكات، وهم ملزمون بالتصريح بممتلكاتهم، فبأي منطق يستثنى النواب في موريتانيا؟ كما أن النواب هم من يمثل الشعب، ولذا فأول ما يجب على النواب فعله للتعبير عن تمثيلهم للشعب هو إظهار جديتهم في محاربة الفساد، فلا شيء يتضرر منه الشعب الموريتاني أكثر من الفساد، وأول ما يجب على النواب فعله لإظهار جديتهم في محاربة الفساد هو أن يصرحوا بممتلكاتهم.”

وأكد المتحدث أن النواب لا يليق بهم أن يكونوا هم الاستثناء الوحيد من بين كل المنتَخبين في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، تقول المادة الرابعة من القانون “يلزم كذلك بالتصريح بالممتلكات بنفس الشكل وبنفس الشروط، أصحاب المأموريات الانتخابية،”، وتساءل “بأي منطق يُسْتثنى النواب وحدهم من بين كل أصحاب المأموريات الانتخابية؟” 

4