رصيد ياسمين بلقايد لا ينضب

لطالما كانت ديناميكيات العلم والسياسة مترابطة بشكل وثيق، عندما يتعلق الأمر ببلقايد العلم والسياسة متشابكان.
الاثنين 2025/04/21
نموذج السيدة العربية الناجحة في الغرب

يستثمر طبيبي الشخصي وهو أحد أشهر الأطباء البريطانيين المتوج من قبل ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية بأرفع الأوسمة، بعض الدقائق للخروج عن المعاينة الطبية منذ أن علم بعملي الصحفي، وفي المرة الأخيرة أثار معي غسيل الأموال العراقية القذرة التي باتت قصة مسكوتا عنها في بريطانيا. قال لي “لسنا سعداء كبريطانيين بهذه الأموال العراقية المهربة التي تدخل بلدنا، بتواطؤ حكومي مكشوف لسبب بسيط يكمن في كونها لا تدخل مطلقا في دعم قطاع التعليم والصحة.” هكذا يرى هذا الطبيب، وهو على حق، بأن لا قيمة للأموال من دون أن يشعر بتأثيرها المواطن، فرصيد الشعوب لا يرتفع إن لم تدخل الأموال إلى تعليم وصحة الناس.

الفرنسيون مثلا سعداء بالدكتورة ياسمين بلقايد أكثر من أي أموال عربية أخرى تدخل قطاع الترفيه والسياحة والرياضة، أنها بالنسبة إليهم رصيد صحي دائم لا يتضاءل مع الوقت، وليست كالأموال العربية المستثمرة في الترفيه مثلا.

إذا كانت الدكتورة بلقايد التي منحتها حكومة دبي مؤخرا جائزة “نوابغ العرب” عن فئة الطب، تمثل نموذج السيدة العربية الناجحة في الغرب، فهذا غير مهم بالنسبة للناس العاديين في فرنسا، بقدر أهمية ما قدمته لهم هذه المرأة الجزائرية بغض النظر عن جزائريتها أو عربيتها! فهي تمثل صورة نيرة للرصيد الإنساني أكثر من أي أموال أخرى.

وهذا يفسر لنا لماذا تم اختيارها لرئاسة معهد باستور الفرنسي العريق، الذي تأسس عام 1887 على يد العالم الفرنسي الموسوعي ورائد التطعيم لويس باستور بهدف تحسين صحة الإنسان.

لا تشك بلقايد في حجم التحدي الذي تواجهه أسوة بالباحثين من ذوي التفكير المماثل. وتقول “العلم في خطر”، مشيرة إلى انخفاض التمويل والثقة والأولوية المجتمعية التي يتلقاها. تماما مثلما قال طبيبي الشخصي.

بلقايد هي ابنة لأم أستاذة لغات وأب كان ناشطا في معركة استقلال الجزائر، اغتيل في العشرية الدموية، حيث ولدت ونشأت.

حح

لطالما كانت ديناميكيات العلم والسياسة مترابطة بشكل وثيق، عندما يتعلق الأمر ببلقايد العلم والسياسة متشابكان. تقول “لقد كنت محظوظة جدا لوجودي في بيئة أسرية حيث يكون ثمة معنى لما تفعله.”

عند اغتيال والدها أبوبكر بلقابد في عام 1995، عندما كان وزير الداخلية في الجزائر. شعرت ياسمين بأنها لا تستطيع العودة إلى الجزائر وفي الوقت نفسه، كانت الفرص الواضحة في فرنسا قليلة بالنسبة لعالمة شابة من أصول عربية.

قررت بلقايد، أن تعيد اختراع نفسها بعد أن تركت جملة “المعارك التي نخسرها هي تلك التي لا نشارك فيها” منقوشة على قبر والدها. فانتقلت إلى الولايات المتحدة، حيث بقيت هناك لمدة ثلاثة عقود تقريبا، ثم أصبحت في نهاية المطاف مديرة مركز المناعة البشرية التابع للمعهد الوطني للصحة.

شعرت بسعادة غامرة عندما تم الترحيب بها في الولايات المتحدة. فالإنسانية بحاجة إلى أن يكون العلماء فيها موجودين ومرئيين، وأن يتم الاعتراف بأعمالهم.

تقول بلقايد “يُنظر إلى العلماء على أنهم مخلوقات بلا روح تتبع البيانات وتخلق وحوشا ومسببات أمراض وما إلى ذلك. هذا ليس علما حقيقيا. العلماء ملتزمون جدا بأخلاقيات ما يفعلونه.”

وترى هذه الباحثة الجزائرية التي صارت موضع احتفاء فرنسي ودولي بينما خسرها العالم العربي منذ أن اغتال التطرف والدها ولم تجد غير أن تلوذ ببحوثها، أن العلم “متفرج” في ظل انعدام الثقة العامة الأوسع في المؤسسات. وتعبر عن اعتقادها بأن الأمر لا يتعلق بعدم إيمان الناس بالعلم، بل إنهم ببساطة لا يثقون بالنظام السياسي. لذلك جعلت من أبحاثها الطبية تتقلد هذه المهمة، ولكن إلى أن تتم إعادة بناء هذه الثقة على مستوى أعلى، فلن يتمكن الأطباء بمفردهم من فعل الكثير من دون أن يفكر أصحاب رؤوس الأموال في الاستثمار بالصحة والتعليم.

18