مصر تحت رحمة تقلبات الأسواق

سيناريو هروب الأموال الساخنة قد يتكرر بسهولة والاعتماد على الاستثمار الخليجي لا يكفي.
الاثنين 2025/04/21
لا شيء واضحا

مستقبل الاقتصاد المصري يحمل في طياته العديد من التحديات التي تعكس تأثّره الشديد بتقلبات الأسواق العالمية، رغم أن هناك فرصا قد تتحقق إذا استطاعت الحكومة إحلال التوازن بين إصلاحاتها المنشودة والمدعومة خليجيا في جزء منها، وبين الظروف الضاغطة بسبب اضطرابات الشرق الأوسط.

لندن - بدا أن انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد جلب تفاؤلا بشأن الاقتصاد المصري مع بداية هذا العام، حيث صُنفت السندات السيادية لأجل عشر سنوات ضمن أفضل 20 في الأسواق الناشئة في يناير الماضي. ودلّت مؤشرات على أن الرئيس عبدالفتاح السيسي قد يستفيد من نتائج الانتخابات.

ومع ذلك، فقد أثبت الوقت عكس ذلك. وتراجع ترامب عن خططه الأكثر صرامة بشأن التعريفات الجمركية عقب انهيار حاد في السوق، وبيع مكثف للسندات الأميركية، وارتفاع العائدات. لكن من المرجح أن تكون لعدم اليقين الناتج عن ذلك في السوق آثار متتالية على الاقتصاد المصري الهش والمثقل بالديون أصلا.

وإذا انفجرت الأزمة مجددا فسوف يكون ذلك في سياق جيوسياسي مختلف تماما، حيث ينظر إلى النظام على أنه سند لمناهضي خطة ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الساعية للتطهير العرقي في غزة.

38

مليار دولار حجم تدفق الأموال الساخنة إلى السوق المصرية في مارس الماضي

ويزداد الوضع تعقيدا بسبب انخفاض أسعار النفط، والديناميكيات الداخلية والطموحات الإقليمية لحلفائه الخليجيين الذين لم تعد لديهم القدرة على تبني خطة إنقاذ ضخمة للاقتصاد، على غرار تلك التي شهدتها سنة 2024. ويواجه النظام المصري أزمات متعددة ولكنه أصبح عاجزا عن مواجهتها.

ويعتبر الاعتماد المستمر على الأموال الساخنة من أكثر نقاط الضعف إلحاحا ووضوحا، حيث بلغت نحو 38 مليار دولار في مارس الماضي.

وتسبب الإعلان عن خطة ترامب للتعريفات الجمركية في انخفاض قيمة العملة المصرية بنسبة اثنين في المئة، حيث سجلت انخفاضا قياسيا وصل إلى 51.45 جنيه مقابل الدولار، مدفوعا بخروج جزئي للأموال الساخنة يقدر بما بين اثنين و2.5 مليار دولار.

وسيكون هذا الخروج الجماعي كارثيا، على غرار الوضع في 2022 عندما خرج ما يقرب من 20 مليار دولار من استثمارات الأموال الساخنة من السوق المصرية بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ما أثار أزمة ديون. ويمكن أن يتكرر هذا السيناريو بسهولة.

ومن المتوقع أيضا أن يواصل الخوف من مثل هذا الخروج ممارسة الضغط التصاعدي على أسعار الفائدة على أدوات الدين المصرية، وقد بلغت أعلى مستوى لها عند 33.5 في المئة في أحدث مزاد لأذون الخزانة، وتمكنت من تأمين ما لا يتجاوز 9 في المئة من الهدف البالغ 70 مليار جنيه (2.32 مليار دولار).

وسيؤدي هذا إلى زيادة الضغط على الميزانية العامة المتوترة بالفعل، حيث تستهلك خدمة الدين 62 في المئة من ميزانية الحكومة بينما يمثل الاقتراض 51.4 في المئة من دخلها.

ويُبرز هذا مدى اعتماد النظام على الديون. والأهم من ذلك أن جزءا كبيرا من هذه الديون، والذي بلغ 18.2 في المئة في السنة المالية 2023 – 2024، مُحتفظ به في سندات وأدوات مالية أخرى، ما يجعله أكثر عرضة لتبعات التقلبات العالمية.

خفض التوقعات من إيجابية إلى مستقرة مرده قابلية مصر للتأثر بالصدمات ومتطلبات التمويل
خفض التوقعات من إيجابية إلى مستقرة مرده قابلية مصر للتأثر بالصدمات ومتطلبات التمويل

ويدعم هذا المنطق التخفيض الأخير من قبَل وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية لتوقعاتها من إيجابية إلى مستقرة، متعللة بقابلية البلاد للتأثر بتقلبات السوق ومتطلبات التمويل الكبيرة.

ويحتدم هذا الوضع بسبب ضغوط مؤيدي النظام الإقليميين الذين يواجهون صعوباتهم الخاصة نتيجة لسياسات ترامب. وأبرز مثال على ذلك السعودية التي تعاني الآن من ضغوط الميزانية بسبب انخفاض أسعار النفط المتراجعة إلى ما دون 60 دولارا للبرميل، وهو مستوى لم يُسجّل منذ جائحة كوفيد – 19.

ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض الأسعار إلى مضاعفة عجز الميزانية السعودية إلى ما يقدر بنحو 67 مليار دولار، وهو ما يجبر المملكة على خفض الإنفاق.

وقد ظهرت أدلة على ذلك بالفعل، حيث أمر صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي)، الذي تبلغ قيمة أصوله 925 مليار دولار، بتخفيضات كبيرة في الإنفاق على مختلف المشاريع والشركات.

وفي ضوء ذلك، وعلى الرغم من تعهد السعودية باستثمارات بقيمة 15 مليار دولار في أكتوبر الماضي، من غير المرجح أن يتحقق ذلك. وإذا حدث عكس هذا، فمن غير المتوقع أن يأتي في شكل خطة إنقاذ خالية من الشروط.

وأخيرا، خلال زيارة إلى القاهرة في أواخر مارس، ورد أن رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد نقل رسالة ترامب القائلة إنه إذا رفضت القاهرة التعاون بشأن غزة، فستتقرر إعادة توجيه حزمة مساعدات مالية مخطط لها إلى مكان آخر. كما شملت الرسالة تهديدا ضمنيا بسحب الدعم المالي الحالي أيضا.

ونظرا للتحالف الوثيق بين الإمارات وإدارة ترامب، يوجد سبب قوي للاعتقاد بأنه في حالة حدوث انهيار اقتصادي آخر مثل الذي حدث في 2022، فإن المساعدات الإماراتية لن تكون بنفس السخاء، إذا وصلت أصلا.

ومن المهم التذكير بأن الإمارات لعبت في 2024 دورا حاسما في إنقاذ الاقتصاد المصري بصفقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار، التي ساهمت بشكل كبير في جذب تدفقات رأسمالية أخرى.

ويصعب تصور التزام الإمارات بمبلغ كبير آخر في المستقبل القريب دون تنازلات سياسية جوهرية، وعلى الأرجح في ما يتعلق بغزة. لكن هذا التنازل لا يزال مستبعدا نظرا لخطر زعزعة الاستقرار الشامل في حال تنفيذه، وهو خطر لا يرغب النظام في تحمله. وبالتالي، يبدو فقدان دعم الإمارات المالي أمرا محتملا بشكل متزايد.

ويجد النظام المصري نفسه في وضع غير مستقر، ويواجه أزمة متعددة الأطراف. ويبقى عالقا بين قوى إقليمية تعديلية، واقتصاد هش، وقوة عظمى عازمة على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي من خلال الفوضى، ومقاومة هيكلية عميقة للإصلاح. وإن جميع عناصر أزمة حادة موجودة، ولا يتطلب الأمر سوى شرارة لإشعالها.

11