مصر تحتاج إلى أكثر من رفع أسعار الفائدة

النظام يختار بيع البنية التحتية الحكومية بدلا من خصخصة شركات الجيش.
الجمعة 2022/06/24
خيارات تزيد الضغوط على المصريين

يُظهر الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة، مع ارتفاع معدلات التضخم، أن النموذج الاقتصادي الذي يستخدمه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي غير مستدام ويحمل تداعيات خطيرة على الفقراء في البلاد والطبقة الوسطى المحاصرة بشكل متزايد والتي تنزلق إلى الفقر بالفعل.

في التاسع عشر من مايو اتخذ البنك المركزي المصري خطوة جريئة لزيادة سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، ورفع أسعار الفائدة على الودائع إلى 11.25 في المئة والإقراض إلى 12.25 في المئة. وتأتي هذه الخطوة مع ارتفاع معدلات التضخم، حيث بلغ التضخم السنوي 13.1 في المئة، وهو أعلى مستوى في ثلاث سنوات، مدفوعا بانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار الغذاء العالمية.

وتسبب ارتفاع معدلات التضخم في تحول أسعار الفائدة على أدوات الدين الخارجي المصري إلى السالب للمرة الأولى، مما أدى إلى رفع أسعار الفائدة التي أعلنها البنك المركزي. وسبق هذه الإجراءات إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أبريل عن برنامج خصخصة جماعي بقيمة 10 مليارات دولار سنويا على مدى السنوات الأربع المقبلة.

ويبدو أن عملية البيع تستهدف المستثمرين الخليجيين في المقام الأول، حيث أعلنت الإمارات عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار مخصص للاستثمار في مصر والأردن. لكن كل هذه الإجراءات لن تكون كافية لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بل من المرجح أن تعمقها. وفي الواقع، ودون إعادة التفكير جذريا في نموذج النظام لعسكرة الدولة الذي سيتطلب تغييرات واسعة النطاق في النظام السياسي والابتعاد عن الهيمنة السياسية العسكرية، سيواجه الاقتصاد المصري أزمته الأسوأ خلال جيل.

ويعتبر قرار البنك المركزي الذي يقضي برفع أسعار الفائدة سياسة تقليدية لمواجهة التضخم، إلا أن ذلك لن يكون فعالا إلا إذا كان التضخم ناتجا عن زيادة الطلب. وليس هذا هو الحال في مصر، لأن موجة التضخم التي تجتاح البلاد نتجت عن زيادة عوامل التكلفة، فضلا عن ضعف الجنيه الذي فقد 14 في المئة من قيمته في مارس.

◙ لسوء الحظ، المسار الأكثر احتمالا هو استمرار السياسة الحالية، مع قرض متوقع من صندوق النقد الدولي

ومن ثم فإن الزيادة في أسعار الفائدة لم يكن الهدف منها معالجة التضخم، وإنما إبقاء أدوات الدين المصرية جذابة للمستثمرين الأجانب، لاسيما بالنظر إلى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد رفع أسعاره للتو وأشار إلى أنه سيستمر في ذلك خلال الفترة المتبقية من السنة.

وأعلن البنك المركزي أنه سيرفع أسعار الفائدة في يوليو مع زيادة أخرى قادمة في سبتمبر. ويأتي قرار البنك المركزي وسط ضغوط متزايدة على احتياطيات مصر من العملات الأجنبية التي انخفضت في مايو بمقدار 2 مليار دولار، أي إلى 35.5 مليار دولار.

وكان هذا الانخفاض الثاني في هذا العام، حيث وصل إجمالي الانخفاض في الاحتياطيات الأجنبية إلى 5.5 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من 2022. وقد رافق هذا الانخفاض تراجع في توقعات مخاطر مصر حسب وكالة موديز من مستقرة إلى سلبية بالنسبة إلى الدولار للمرة الأولى منذ 2013، حيث أشارت وكالة التصنيف إلى ضغوط متزايدة على احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد.

ودفعت هذه العوامل البنك المركزي إلى اعتبار زيادة أسعار الفائدة أمرا لا مفر منه، حيث يحاول النظام جمع ما يكفي من العملة الصعبة لسداد ديونه والدفاع عن الجنيه. ومع ذلك، إذا لم ينعكس التدفق الخارجي إيجابا فلن يكون أمام السيسي خيار آخر سوى المزيد تخفيض الجنيه، مما سيؤدي إلى زيادة التضخم بما يؤثر بشكل كارثي على الطبقات الوسطى والفقيرة.

ورغم ذلك، إذا نجح النظام في جمع الأموال اللازمة من خلال إصدار أدوات الدين فمن المحتم أن تزداد تكلفة خدمة الدين الذي يستهلك بالفعل 54 في المئة من ميزانية الدولة. وسيؤدي هذا فقط إلى تأخير الأزمة وسيقلل الإنفاق الاجتماعي أكثر ويزيد من معدلات الفقر، ويقلل من الاستهلاك المحلي، ويزيد من إضعاف القطاع الخاص. وفي كلتا الحالتين، فإن الطبقات الفقيرة والمتوسطة هي التي ستعاني من سياسات النظام غير السليمة.

النظام يختار بيع البنية التحتية المملوكة للقطاع العام بدلا من خصخصة المؤسسات التجارية المملوكة للجيش
النظام يختار بيع البنية التحتية المملوكة للقطاع العام بدلا من خصخصة المؤسسات التجارية المملوكة للجيش

كما ينبغي النظر بعين الشك إلى قرار خصخصة أصول مملوكة للدولة بقيمة 10 مليارات دولار على أساس سنوي على مدى السنوات الأربع المقبلة. ويبدو أن الدافع إلى اتخاذ هذا القرار هو استراتيجية قصيرة المدى لشراء عمليات ضخ النقد بالعملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها، بدلا من إعادة التفكير الجذري في الدور العسكري في الاقتصاد.

وعلى الرغم من أن تفاصيل برنامج الخصخصة المقترح غير واضحة، فإن ما ظهر يشير إلى عدم وجود استراتيجية متوسطة إلى طويلة المدى. وعلى سبيل المثال يبدو أن الأهداف المقترحة للموجة الأولى من الخصخصة تدور حول البنية التحتية الوطنية، وعلى الأخص الموانئ المصرية ومشاريع الطاقة الوطنية وشركتين مملوكتين للجيش.

وبالتالي فإن النظام يختار بيع البنية التحتية المملوكة للقطاع العام بدلا من خصخصة المؤسسات التجارية المملوكة للجيش في قطاعات مثل صناعة الإسمنت أو صناعة الرخام أو صناعة الصلب (جميع المجالات التي سيحقق فيها القطاع الخاص مكاسب كبيرة).

◙ المسار الأكثر احتمالا هو استمرار مسار السياسة الحالية مع قرض متوقع من صندوق النقد الدولي فضلا عن زيادة الاستثمارات من الخليج

والجدير بالذكر أن الجيش يمتلك حصصا كبيرة في جميع هذه القطاعات، حيث يتحكم في 19.5 مليون طن من الطاقة الإنتاجية للإسمنت البالغة على المستوى الوطني 83.5 مليون طن، و1.44 مليون طن من الرخام من 4 ملايين طن، و2.3 مليون طن من الصلب من إجمالي 14.1 مليون طن.

ومن ثم لا يبدو أن البرنامج المقترح يشير إلى تحول جذري عن النمط الحالي للنظام المتمثل في عسكرة الدولة، وإنما يشير إلى أداة سياسية قصيرة الأجل تعتمد -على الأرجح- على الاستثمار الجماعي من الخليج.

ويتجاوز مفتاح التغلب على الأزمة الاقتصادية مجرد رفع أسعار الفائدة أو انتهاج سياسة خصخصة كبيرة إلى إبعاد النظام السياسي عن الهيمنة العسكرية للدولة ووقف تخصيص الأموال العامة كوسيلة لتراكم رأس المال ووضع حد لإنفاق النظام على مشاريع غير مجدية وصفقات الأسلحة الضخمة.

والواقع أن المطلوب هو تحول جذري في النظام السياسي المصري بمشاركة مدنية حقيقية، ومساءلة وشفافية، وسحب استثمارات أجزاء كبيرة من الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية والسيطرة المدنية على البقية. وهو احتمال من شأنه أن يعني نهاية الحكم العسكري المباشر في البلاد، وتفكيك قاعدة ادعاء النظام للشرعية، لأنه يقوم جزئيا على “إنجازاته الاقتصادية” المزعومة.

ولسوء الحظ، فإن المسار الأكثر احتمالا هو استمرار مسار السياسة الحالية، مع قرض متوقع من صندوق النقد الدولي قيد التنفيذ، فضلا عن زيادة الاستثمارات من الخليج. وقد يؤدي ذلك إلى إبقاء النظام قائما، لكنه لن يجنب الفقراء والطبقات الوسطى الاضطراب الاجتماعي الجماعي الذي لا بد أن يحدث.

النظام المصري يحاول  جمع ما يكفي من العملة الصعبة لسداد ديونه والدفاع عن الجنيه
النظام المصري يحاول جمع ما يكفي من العملة الصعبة لسداد ديونه والدفاع عن الجنيه

6