الإعلام المصري يستعين بالكفاءات لتصويب المسار

تعيين مدير مكتب "سكاي نيوز" في القاهرة مسؤولا عن تطوير قطاع الأخبار.
الثلاثاء 2025/04/08
أجندة متكاملة

قررت الحكومة المصرية الاستجابة للأصوات المطالبة بالاستعانة بالكفاءات لجذب الجمهور العربي، في ظل نقاشات حول ما إذا كان إعلام الدولة من المفترض أن يحقق مكاسب مادية أم يأتي في سياق إعلام الخدمة العامة الذي يجب توجيه النفقات إليه لتحقيق أهداف سياسية كبيرة.

القاهرة - اتجهت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر إلى الاستعانة بكفاءات إعلامية لشغل مناصب إدارية وتحريرية، في محاولة لتصويب مسار الإعلام المصري، وتحقيق انتشار عربي مازال مفقودا، رغم تأسيس قنوات إخبارية هدفها التعبير عن رؤية القاهرة بشأن القضايا الإقليمية.

واستعانت الشركة المتحدة بمدير مكتب فضائية “سكاي نيوز” عربية بالقاهرة سمير عمر، لشغل منصب مدير قطاع الأخبار، ويضم قنوات “القاهرة الإخبارية” و”إكسترا نيوز” و”إكسترا لايف”، و”كيو نيوز” الناطقة بالإنجليزية.

وقالت الشركة إن تعيين سمير عمر يأتي في إطار خطة التطوير التي تتبناها وتهدف إلى تحسين الأداء الإعلامي، ووفق رؤية ترمي إلى تعزيز الحضور على الساحتين الإقليمية والدولية، من خلال منهجية مهنية متميزة.

وجاءت الخطوة بعد الاستعانة برئيس قطاع الأخبار الأسبق في التلفزيون المصري في منصب الرئيس التنفيذي لقطاع الأخبار والصحافة بالشركة المتحدة، وهو منصب استحدث مطلع العام الجاري، وتم تعيين سمير يوسف رئيسا تنفيذيا للشبكات التلفزيونية التابعة للشركة المتحدة، ويبلغ عددها 17 قناة تلفزيونية.

وبدأت الحكومة المصرية تتجه إلى الإنصات لأصوات طالبتها بالاستعانة بالكفاءات، غير أنها تواجه مشكلة كيفية تقديم محتوى إعلامي مهني لا يتعارض مع المصالح المصرية، ويشكل عامل جذب للجمهور العربي، في ظل نقاشات حول ما إذا كان إعلام الدولة من المفترض أن يحقق مكاسب مادية أم يأتي في سياق إعلام الخدمة العامة الذي يجب توجيه النفقات إليه لتحقيق أهداف سياسية كبيرة.

وأدى هذا الأمر إلى جعل البوصلة غير واضحة الفترة الماضية، وقد يكون تواجد بعض الكفاءات عنصرا مساعدا لعملية التوافق حول أهداف محددة للقنوات الإخبارية، التي تواجه منافسة من قنوات أخرى عربية جذبت قطاعات كبيرة من الجمهور المصري.

إبراهيم الصياد: العنصر الحيوي هو تطوير المنظومة الإعلامية بوجه عام
إبراهيم الصياد: العنصر الحيوي هو تطوير المنظومة الإعلامية بوجه عام​​​​​​

ويقول خبراء إعلام إن التماهي بين القيادات الجديدة وتوجهات الدولة يشكل هاجسا كبيرا، لأن تحقيق نجاحات يتطلب التعامل بشكل مختلف مع المعلومات وحرية تدفقها في الإعلام المصري، وشكل الارتكان على أدوات قديمة إرثا عقيما، ركز على ما تريد الدولة إيصاله من دون الانفتاح على آراء مختلفة تحقق التطور المطلوب.

ويضيف هؤلاء الخبراء أن الاستعانة بمدير مكتب “سكاي نيوز” عربية في القاهرة، الذي يملك خبرات سابقة في فضائيات عربية ودولية، يمكن أن يساعد على تقديم وصفة تفكك الكثير من القيود، وتنطلق نحو أسس احترافية تتقنها العديد من وسائل الإعلام حاليا، وتعتمد على إعلاء قيمة الرأي والتحليل والسرعة في تقديم المعلومات الدقيقة، وتحقيق التأثير الذي يجذب الجمهور، فضلا عن تطوير المحتوى الرقمي.

وقال رئيس قطاع الأخبار الأسبق بالتلفزيون المصري إبراهيم الصياد إن خطوات الشركة المتحدة تتسم بالإيجابية، فهي من حيث المبدأ تدعم تطوير الأداء الإعلامي عبر الاستعانة بأسماء لها تاريخ مهني جيد، وهذا أحد الوسائل التي تساعد على تحسين جودة المحتوى، ويبقى العنصر الحيوي هو تطوير المنظومة الإعلامية بوجه عام، عبر إستراتيجية واضحة تتم ترجمتها إلى خطط والالتزام بها، والتعامل مع المشكلات التي تعيق العمل الإعلامي بجدية، وأبرزها قضية الحريات وتحسين أوضاع العاملين.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن نجاح القنوات الإخبارية يتطلب السرعة في تغطية الأحداث وتوظيف المعلومة المتاحة بشكل يفيد المشاهد،لأن التلكؤ والتعتيم والتضليل لن تخدم الفضائيات المصرية، مشددا على ضرورة مراجعة مفردات الخطاب الإعلامي، والتأكد من توافر معايير الدقة والموضوعية والتنوع.

علاوة على الالتزام بالضوابط الحاكمة للأخلاق الإعلامية التي تعمل على كسب ثقة المشاهدين، وصولا إلى التعامل مع الإعلاميين وفقا لقيمة الخبرات التي استعانت بها الشركة المتحدة في السوق، ومنحها التقدير المطلوب، ماديا ومعنويا.

وأشار الصياد إلى أن الإعلام المرتبط بسياسة الدولة لديه خطوط حمراء لا يخرج عنها كثيرا، وعلى الإعلام المصري الاستفادة من تجارب ناجحة قامت بالدفاع عن مصالح الدول التي تعبر عنها، ومن المهم أن يصبح الإعلام أكثر انفتاحا على جميع الأصوات، وألاّ تتقاطع المحتويات المقدمة مع الأهداف العامة، والانطلاق نحو كسب ثقة فئات لها توجهات عديدة يصعب أن تُجمع كلها على رأي واحد.

وأزمة الإعلام المصري في عدم وجود سياسة تحريرية واضحة ومنفتحة على متطلبات الجمهور المتباينة، بما يساعد على تحقيق الانتشار السريع، خاصة أن القاهرة لديها رغبة في أن تكون رؤيتها حاضرة بين الجمهور العربي، مع تحركها سياسيا على مستوى التعامل مع الأخطار الواردة من قطاع غزة، وتأثير ذلك على الأمن القومي، ما يتطلب وسائل إعلامية قادرة على أن تصل إلى قطاعات عديدة، تخدم الرؤية التي قد لا تكون واضحة أحيانا بالنسبة إلى الكثيرين، وتحتاج إلى مهنية لتوضيحها.

الاستعانة بمدير مكتب "سكاي نيوز" عربية في القاهرة، الذي يملك خبرات سابقة في فضائيات عربية ودولية، يمكن أن يساعد على تقديم وصفة تفكك الكثير من القيود

وتملك الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية 40 شركة في القطاعات المرتبطة بالإعلام من قنوات تلفزيونية، وشركات إنتاج تلفزيوني وسينمائي، وصحف ومواقع إخبارية، ووكالات ترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وشركات تنظيم مؤتمرات، وتضم 10 منصات إخبارية رقمية و17 فضائية، ما يجعل الجمهور أمام صرح ضخم يعمل به أكثر من ثمانية آلاف موظف، وهو أمر في حاجة إلى تصويب لتحقيق الهدف المرجو.

وأكد الخبير الإعلامي ونائب رئيس مجلس إدارة أكاديمية الشروق الخاصة في القاهرة محمد شومان إن اختيار الكفاءات سبب مهم لتطوير الأداء الإعلامي، وإن الانتقادات التي وجهت للإعلام والدراما مؤخرا جاءت من أعلى المستويات (الرئيس عبدالفتاح السيسي) أشارت إلى الحاجة إلى التطوير عبر الاستعانة بالخبرات والكفاءات التي عملت من قبل في تجارب عريقة، وتحميلها مسؤولية استعادة دور الإعلام المصري.

وذكر لـ”العرب” أن ذلك بدأ يتحقق شكلا، ويحتاج إلى أن تكون له انعكاسات في المضمون، مع توفير مساحة أوسع من الحريات والتعددية داخل منظومة الإعلام وضخ استثمارات ذكية تتعلق بالتوجه نحو المحتويات الرقمية وإطلاق برامج جديدة.

وشدد محمد شومان على أن الدولة المصرية خطت خطوات نحو استعادة التأثير عبر إنشاء بعض الفضائيات الإخبارية الناطقة بالعربية والإنجليزية، لكنها في حاجة إلى استكمالها والمزيد من تجويدها، ومن الصعب أن يتحقق ذلك دون وجود جهاز لقياس معدلات المشاهدة، كي يتمكن من قياس المردود الحقيقي للخطاب الإعلامي وفهم مكانة وترتيب كل برنامج ضمن أولويات المشاهدين.

وأشار إلى أن إعادة هيكلة الإعلام المصرية تتطلب فلسفة إعلامية واضحة من خلال تعديل الأوزان النسبية لمضامين الخطاب الإعلامي، ولا يكون الترفية طاغيا، كما هو الحال حاليا، إلى جانب التوجه نحو البرامج الجادة والثقافية وتعزيز مكانة الكفاءات والخبرات ومنع الواسطة والمحسوبية، مع ضرورة التعرف على احتياجات الدولة من إعلامها على وجه التحديد.

5