دراما "الكد والسعاية"

يبدو أن بعض الرجال العرب لا يزالون يرون أن النفقة ليست من حق الزوجة بعد الطلاق، فما بالك لو قلت له امنحها حق الكد والسعاية؟
الأربعاء 2025/04/02
رصد قضية لم تتطرق إليها الدراما من قبل

سلطت دراما رمضان الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية المهمة، وفي حين حظي بعضها باهتمام إعلامي وجماهيري كبير مر البعض الآخر خفيفا، لم ينتبه إليه الكثيرون رغم أهمية الفكرة التي يناقشها وارتباطها الوثيق بواقع المجتمعات العربية.

من هذه الأعمال “حسبة عمري” بطولة روجينا، وعمرو عبدالجليل، ومحمود البزاوي، أما القصة فمن تأليف محمود عزت وإخراج مي ممدوح.

تدور أحداث المسلسل حول هند (روجينا) التي تتفاقم خلافاتها مع زوجها فاروق (عمرو عبدالجليل) بعد زواج دام 20 عاما، خاصة بعد سفر ابنتهما ليلى مع زوجها. تتصاعد الأزمات بينهما، ويطرد فاروق هند من المنزل، مما يدفعها إلى السعي للحصول على الطلاق والمطالبة بحق “الكد والسعاية” للحصول على نصف ممتلكاته. يبدأ بينهما صراع طويل تتدخل فيه أطراف متعددة بين مؤيد ومعارض، ويحاول الزوجان إزعاج بعضهما البعض بكل الطرق ويسعى كل منهما إلى هزيمة الآخر.

ويعد المسلسل بشهادة عدد من النقاد من أهم الأعمال الدرامية، حيث رصد قضية لم تتطرق إليها الدراما من قبل، ويحسب لصناع العمل الالتفات إلى هذه القضية الشائكة التي تحفظ للمرأة حقوقها.

ورغم موضوعه المهم إلا أن المسلسل تعرض لبعض الهجوم، حيث لم يستسغ مشاهدون اقتسام المرأة الثروة مع زوجها بعد الطلاق معتبرين أن هذه الأفكار دخيلة على مجتمعاتنا العربية وهناك جهات غربية تروجها بيننا، لكن دعونا نفكر ما هو حق الكد والسعاية؟

حق الكد والسعاية هو مصطلح إسلامي وليس غربيا، ذكر في كتب التراث الإسلامي لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها سواء بعملها أو ببنائها منزلا لأسرتها أو من مشاركتها في العمل، أو ذمة مالية قديمة قبل الزواج شاركت بها زوجها، أو توفيرها لزوجها بيئة زوجية مناسبة ساعدته على تحقيق الثراء.

ويعود هذا الحق إلى اجتهاد عمر بن الخطاب، عندما جاءته سيدة تدعى حبيبة بنت زريق تحكّمه في قضية ميراث من زوجها عمر بن الحارث، حيث كان يتاجر في ما تنتجه وتصلحه من عملها في التطريز، ولما مات ترك مالا وعقارا وتسلم أولياؤه الخزائن، فنازعتهم الزوجة في ذلك، وحين اختصموا إلى عمر بن الخطاب قضى للمرأة بنصف المال وبالإرث في النصف الباقي.

واعتبر بن الخطاب أن الزوجة كانت شريكة لزوجها في العمل والكسب، واستند علماء المذهب المالكي إلى هذا الاجتهاد، وأفتوا بحق الزوجة في اقتسام ثروة زوجها التي اكتسبها خلال فترة زواجهما بقدر جهدها وسعايتها.

لم يتقبل الكثيرون مثل هذه الفكرة وخصوصا عندما جاءتهم من بوابة الدراما التي لا يزال ينظر إليها على أنها محرضة على الفسق والفجور وتبث سمومها لتغيير المجتمع وتغييبه، بل الأسوأ أن التعليقات على العمل كانت في معظمها كاشفة لنوايا وسلوكيات سلبية جدا تغزو عقول شبابنا في ما يتعلق بمنظومة الزواج.

يبدو أن بعض الرجال العرب لا يزالون يرون أن النفقة ليست من حق الزوجة بعد الطلاق، وأنه إن طلقها طلق أولاده معها، وأن ما قدمه لها من مهر هو حقه، وعليه استرداده منذ أول أيام الزواج، فما بالك لو قلت له امنحها حق الكد والسعاية؟

في تونس لدينا قانون زواج أساسه الاشتراك في الملكية، يبدو قريبا بعض الشيء من الكد والسعاية حيث يمنح الزوجة الحق في نصف أملاك زوجها من العقارات والأراضي التي اشتراها خلال زواجهما، ورغم ذلك يرفض بعض الرجال تطليق زوجاتهم كي لا يتقاسمن معهم الممتلكات، يتحملون كل شيء، بما في ذلك ألم عِشـــرة لا تحتمـــل، إلا التفريط فـــي ثرواتهم، يظنون أنهم أفنوا أعمارهم يطبقون المثل القائل “اخدم يا تاعس على الراقد الناعس.”

18