القاهرة تخطط لهجرات شرعية لخريجي الجامعات والمعاهد

مصر تستعد لتصدير الشباب لخفض البطالة وتأمين النقد الأجنبي.
السبت 2025/03/29
باب الفرص يفتح بعد الدراسة

تعتبر خطة مصر لتصدير العمالة المدربة خطوة مهمة في مواجهة تحديات اقتصادية متعددة، ففكرة الهجرة الشرعية لخريجي الجامعات والمعاهد تهدف إلى توفير فرص عمل في دول تعاني من نقص في العمالة المدربة، مما يساهم في تقليل البطالة المحلية وتوفير مصدر جديد للنقد الأجنبي.

القاهرة - تؤكد تحركات الحكومة المصرية بشأن تكثيف عمليات التدريب والتأهيل للخريجين من الشباب لتسفيرهم إلى الخارج، وجود توجه لزيادة معدلات الهجرة الشرعية من خلال تصدير العمالة إلى دول بها نقص في بعض المهن والحرف التي تمتلك مصر خبرات عديدة فيها، لكن سوق العمل المحلي يضيق عليها.

وتتشارك مؤسسات رسمية مع مجلس النواب المصري من أجل إعداد خطة متكاملة تستهدف اختراق سوق العمل الأوروبي والأفريقي، وزيادتها في الخليج، وتصدير عمالة مصرية بدلا من زيادة طابور البطالة، وهو ما ظهر في نقاشات أجراها مؤخرا مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) مع مسؤولي وزارة العمل للوقوف على مستجدات تطبيق خطة تصدير العمالة إلى الخارج.

وقالت وزارة العمل إن تأهيل الشباب على مهن يحتاجها سوق العمل في الخارج ضرورة ملحة، وهناك لجنة مشتركة مع وزارتي التعليم والتعليم العالي لدراسة وفهم سوق العمل واحتياجاته المستقبلية.

ولدى الحكومة مجموعة عمل وزارية مختصة بملف تصدير العمالة إلى الخارج، تتشارك فيها وزارات التعليم والعمل والصناعة، ويجتمع معها رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي على فترات متقاربة للوقوف على مستجدات الملف وما حققته كل جهة ومعدلات تجهيز الخريجين للسفر إلى الخارج.

شح العمالة في دول أجنبية فرصة يجب استغلالها من خلال إعداد المصريين وتأهيلهم تمهيدا لتصديرهم للخارج

وأكد الناطق باسم مجلس الوزراء محمد الحمصاني أن ملف تصدير العمالة للخارج يحظى بأولوية كبيرة لدى الدولة، بعد تلقي الحكومة طلبات من عدة دول أوروبية، ويتم التنسيق مع مختلف المؤسسات لتنظيم عملية التأهيل والإعداد للسفر عبر برامج مدروسة بعناية.

وكشف مصدر حكومي لـ”العرب” أن ألمانيا وإيطاليا واليونان وفرنسا وكندا وإسبانيا وتركيا والسعودية، أبرز الدول التي طلبت من مصر تجهيز عمالة مدربة، وهناك توجه رسمي لتكون عمليات السفر عبر وزارة العمل ولتكون كل التحركات موثقة بعيدا عن التلاعب أو تشويه صورة العمالة المصرية بإجراءات غير مشروعة.

ويعترف مسؤولون بأن سوق العمل المصري يصعب عليه استيعاب مئات الآلاف من الخريجين سنويا، في حين أن دولة مثل ألمانيا تعاني من شح في العمالة، وهذه فرصة يجب استغلالها من خلال إعداد الخريجين وتأهيلهم لغويا وفنيا تمهيدا لتصديرهم بما يحقق مكاسب عديدة.

وأشار المصدر الحكومي لـ”العرب” إلى وجود تصورات يجري نقاشها بين دوائر رسمية بأن تتشارك بعض البنوك في تمويل عمليات التدريب وتأهيل العمالة تمهيدا لتصديرها، مقابل أن تكون تلك البنوك شريكة في عقود العمل الخاصة بمن سيعملون في الخارج، حيث يتم تحويل أموال الخريجين من خلالها، بعد توظيفهم، إلى مصر، ما ينعكس على زيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، لتكون المنقذ للاقتصاد بعد تراجع عائدات السياحة وقناة السويس.

ويرى مراقبون أن التوجه المصري لا يخلو من توظيف قلق الدول الأوروبية من الهجرة غير الشرعية والسعي لتكون هناك هجرات شرعية وبما يتناسب مع احتياجاتها من العمالة، وهي نقطة محورية تعمل عليها القاهرة بعد تطور علاقتها مع دول الاتحاد الأوروبي وبلوغها مستوى الشراكة الإستراتيجية.

pp
مهن حقيقية

ونجحت القاهرة في الحد من الهجرة غير الشرعية، وثمة رغبة لدى الحكومة في أن يكون ذلك فرصة لتلعب بعض الدول التي لديها عجز في العمالة دورا فاعلا في تخفيف أزمة البطالة المحلية.

وظهرت ملامح الخطة عقب زيارات متتالية أجراها وزير التعليم محمد عبداللطيف إلى كل من ألمانيا واليابان وبريطانيا، وناقش خلالها مشاركة المؤسسات التعليمية لتلك الدول في تطوير وتأهيل مدارس مصرية وتدريب طلابها على احتياجات سوق العمل بما يتوافق مع الوظائف المتاحة خارجيا، على أن يتم إبرام شراكات تتعلق بتدريس لغات أجنبية.

ويرتبط ذلك بتكليفات أصدرها رئيس الحكومة مصطفى مدبولي للوزارات المختصة، بجمع معلومات متكاملة عن احتياجات دول أوروبا وغيرها، من العمالة الفنية المدربة، والتخصصات والتدريبات المستهدفة، والعمل على توفير الأعداد المطلوبة والتنسيق مع الدول المستهدفة ووضع برامج ومعايير وآليات واضحة لاختيار العناصر المناسبة للسفر.

وتستثمر الحكومة المصرية في توظيف ملف اللاجئين لديها وما ترتب عليه من مشكلات اقتصادية لتحقيق استفادة عبر تقنين خطوة تصدير العمالة إلى أوروبا بما يُمكنها من تخفيف الضغوط الواقعة عليها بشأن ارتفاع معدل البطالة، بحيث تكون الهجرة الشرعية للشباب المصري ثمنا لتظل القاهرة على موقفها بتحجيم التسلل عبر الحدود.

يصل عدد الخريجين في مصر سنويا إلى نحو مليون وخمسمئة ألف شاب، بين حاصلين على شهادات من كليات ومعاهد وتعليم متوسط من مدارس فنية وتقنية، في حين لم تعد هناك وظائف لهؤلاء في الجهاز الإداري للدولة، كما أن القطاع الخاص يصعب عليه أن يستوعب تلك الأعداد لوجود تخصصات لا علاقة لها بسوق العمل.

وانتهت وزارة التربية والتعليم من تغيير جميع التخصصات في المدارس الفنية التي تضم قرابة 2.3 مليون طالب، لتكون مواكبة لسوق العمل الدولي، حيث تركز التطوير التخصصي على اكتساب المهارات العصرية بالتعاون مع مستثمرين محليين ودوليين، وتقرر البدء في إدخال اللغات الثانية ضمن المواد الدراسية ليكون الخريج متقنا لغة دولة تحتاج عمالة.

قال رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب “الوعي” المصري كريم العمدة إن تنظيم هجرات شرعية يجب أن يكون بشكل منضبط ومتوازن، لأن التوسع في تصدير الكفاءات يؤثر سلبا على الاقتصاد، وهذه معضلة يفترض أن يتم التعامل معها بحكمة قبل تفريغ المهن المختلفة من الخريجين بما يؤثر على التنمية، لكن هذا لا يمنع تنظيم هجرات تقلل البطالة وتزيد الحضور المصري في السوق العالمية.

pp

وأوضح لـ”العرب” أن ربط مخرجات التعليم بسوق العمل المحلي والعالمي أقصر طرق حل أزمة البطالة، وهذا يظهر في استعانة القطاع الخاص المصري والأجنبي أحيانا بعمالة مستوردة، والمطلوب إحداث التوازن بين حل مشكلة البطالة وتوفير الكفاءات التي يمكن أن تصنع الفارق لصالح الاقتصاد المصري الذي يحتاج إلى عناصر شابة من أصحاب الكفاءات، والدول الأوروبية ستركز على المهارات الاستثنائية التي يجب أن يتم تصديرها برُشد وعقلانية.

وظلت المعضلة في معاناة المدارس الفنية المصرية من نقص حاد في المعلمين المتخصصين في تعليم اللغات الأجنبية للدول التي لديها عجز في العمالة المحلية، ما جعل الخريج في مأزق دراسة تخصص عصري لكنه لا يناسب سوق العمل الأجنبي، لغويا، في حين تقول الحكومة إنها اتفقت مع بعض الدول الأجنبية على أن تشارك الملاحق الثقافية بها في تعليم اللغات للطلاب.

وهناك جدية من الحكومة في تصدير الخريجين للخارج، لكن توجد مشكلة في المجتمع نفسه، لأن الدولة سنويا تنشئ الكثير من المدارس والكليات المعاصرة لمواكبة سوق العمل الدولي، ولا يتم الإقبال عليها مقابل التهافت على كليات ومدارس نمطية قديمة أصبحت مصدرا أساسيا للبطالة، بما يكرس الأزمة ما لم تكن هناك إرادة حكومية بعصرنة التعليم كليا.

واختزال حل مشكلة البطالة في تصدير الخريجين لا يحل الأزمة، ما لم تمتلك الحكومة رؤية توازن بين التوظيف في الداخل والسفر للخارج، مع تغيير ثقافة المجتمع تجاه معايير الوظيفة لدفع بعض الخريجين إلى الصناعات الصغيرة وإنشاء مشاريع خاصة بدلا من الاعتماد على الحكومة.

16