وقف برامج الإثارة يضع القنوات المصرية في مأزق انسحاب المعلنين

تعتمد القنوات الفضائية المصرية على برامج الإثارة لرفع نسب المشاهدة واستقطاب المعلنين، غير أن الشكاوى المتزايدة من ضعف محتواها تتسبب بعقوبات متتالية أدت إلى وقف الكثير منها لتجد القنوات نفسها أمام أزمة جديدة.
القاهرة - توالت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر بشأن برامج الإثارة على الفضائيات المصرية، حيث وقع قبل أيام غرامة مالية على فضائيتي “النهار” و”المحور” بسبب برنامج “العرافة” الذي تقدمه بسمة وهبة ويتم بثه من خلالهما، بسبب مخالفات في المحتوى واعتماده على الإثارة لجذب الإعلانات.
ويركز هذا النوع من البرامج على الحياة الشخصية للمشاهير والفنانين ويغوص في تقديم أسئلة مثيرة، وأدى نجاح “العرافة” وبرنامج “ضرب نار” على فضائية “القاهرة والناس” في جذب الجمهور إلى استمرار تقديمهما لسنوات.
وتبث فضائية النهار أيضا برنامج “أسرار” وتقدمه الإعلامية أميرة بدر، لكنه يحافظ على قدر من التوازن وبلا انجراف كبير نحو الإثارة المباشرة، كذلك برنامج “حبر سري” الذي تقدمه الإعلامية أسما إبراهيم ويتم بثه على فضائية “القاهرة والناس” و”سي.بي.سي” هذا العام، وبدأ موسمه الأول منذ ثلاث سنوات.
وقالت بسمة وهبة عقب وقف البرنامج إن رمضان 2025 سيكون الموسم الأخير لبرنامجها العرافة، وترغب في الابتعاد عن النمط التقليدي، لذلك قررت تقديم 15 حلقة فقط هذا الموسم، استعدادا لتجربة جديدة.
واتخذ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارات عديدة الفترة الماضية بحق برامج تقدم محتوى يوصف بـ”المثير”، أبرزها برنامج “شاي بالياسمين” الذي تقدمه ياسمين الخطيب على فضائية “النهار” وتم إيقافه لمدة ستة أشهر وغرامة مالية على القناة، وإيقاف برنامج “صبايا” على قناة “هي” من تقديم ريهام سعيد لمدة شهرين وغرامة مالية أيضا، وإغلاق قناة “الصحة والجمال” التي كانت تعتمد على نظام تأجير الساعات الإعلانية وتقدم محتوى إعلانيا في قالب إعلامي.
وطالت قرارات المجلس بعض البرامج الرياضية التي اعتمدت على تقديم خلطة تجذب الجمهور عبر النفخ في الأزمات وفتح الباب للتصعب، ويبدو أن التوجه نحو التعامل مع حالة استعراض العنف في بعض الأعمال الدرامية سوف يقود إلى خفوت تواجد المحتويات التي ينجذب إليها الجمهور لمتابعة الإعلام التقليدي.
ويتفق خبراء الإعلام على أن الفضائيات المصرية تواجه أزمات عدة، إذا تواصلت قبضة مجلس تنظيم الإعلام على برامج الإثارة، لأن الكثير منها بنى انتشاره على المنوعات التي تركز على الجوانب الشخصية.
ويضيف هؤلاء الخبراء أن تراجع برامج “التوك شو” الليلية التي كانت من أبرز روافد انتشار الفضائيات المصرية الخاصة منذ سنوات، يجعل هذه القنوات الآن أمام اختبار كيفية التجاوب مع احتياجات الجمهور الذي بدأ يعزف عنها بشكل كبير.
ويؤدي عدم قدرة المحتويات الجادة التي تقدمها بعض الفضائيات على استقطاب الجمهور إلى إجبار القائمين على إدارة كل قناة على إعادة التفكير في الثيمة التي يمكن أن تحافظ على بقائها، وقدرتهم على استقطاب الإعلانات ستكون أصعب مع غياب الإحصاءات الدقيقة بشأن معدل المشاهدة في الفضائيات وآليات تحديد البرامج الأكثر جذبا للجمهور، مع انتشار محتويات متنوعة على مواقع التواصل استطاعت أن تتجاوب مع اهتمامات قطاعات كبيرة من مشاهدي التلفزيون.
وقالت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة سهير عثمان إن الفضائيات المصرية سوف تتأثر بقرارات مجلس الإعلام، وهذا لا يعني أن سياسة الجهات الحكومية على خطأ، لأنه مطلوب التعامل بجدية مع إعلام الإثارة، وفقر المضمون الإعلامي لدى غالبية الفضائيات وضعها في مأزق، بعد اعتمادها على محتويات التعصب والإثارة، وجعلتها في مقدمة الأعمال التي تقدمها وتحصد عبرها جزءا كبيرا من حصتها الإعلانية.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن البحث عن بديل يمكن أن يقوم بنفس المهمة وهو واجب مهني، فالفضائيات المصرية بحاجة إلى إعادة تخطيط وقراءة جديدة لاحتياجات الجمهور، ويمكن الاعتماد على تحليلات بسطية لاتجاهات الجمهور على مواقع التواصل لتحديد بوصلتها، على أن يكون تقديمها بشكل يتماشى مع الإعلام التقليدي وذات طابع أكثر دقة وحرفية، وأن فكرة الاستعانة بإعلاميين أو مذيعات يروجون للابتذال والإسفاف لن تكون حاضرة بشكل كبير في الإعلام الفترة المقبلة.
إجمالي ما جنته الفضائيات لم يتحدد بعدُ انتظارا لنهاية موسم رمضان، لكن لن يصل إلى ثلاثة مليارات جنيه التي حصدتها الفضائيات في العام الماضي
وأشارت إلى أن الجهات التي تنظم عمل الإعلام في مصر بعضها يتسم بالتراخي في التعامل مع المحتويات التي تتجاوز الأعراف، وما تم اتخاذه من قرارات جاء متأخرا بعد أن أصبحت الإثارة سمة سائدة، ومن المهم وقف تغول الفضائيات وأصحابها على سلطات المجالس الإعلامية، وهناك الكثير من البرامج الحوارية المعروضة على المنصات الرقمية تحت اسم “بودكاست” تحقق نجاحا وهي بعيدة عن الإثارة.
وذكرت أن المضمون الجيد سوف يجبر المعلنين على الاستعانة بالفضائيات، غير أن صيغة الاستسهال التي تسود العمل الإعلامي والبحث عن تصدر تريندات مواقع التواصل عبر محتويات مثيرة جعلا كعكة الإعلانات تذهب إلى هذا النوع من البرامج، ولا يزال التعرف على احتياجات الجمهور الحقيقية غائبا لدى الفضائيات والمعلنين، لأن الجزء الأكبر من الإعلانات يتجه إلى أساليب بعيدة عن الأهداف الجادة للتلفزيون.
وحسب تقرير صادر عن شركة “آدمازد” المتخصصة في قياس وتحليل أداء إعلانات الطرق في مصر، فإن العام الماضي شهد نموا كبيرا في سوق إعلانات الطرق وبلغ الاتفاق عليها 6.3 مليار جنيه (الدولار = 51 جنيها) بمعدل زيادة نسبته 53 في المئة، وتستند هذه النتائج إلى عمليات تدقيق شاملة لأكثر من 50 ألف لوحة إعلانية في محافظات القاهرة الكبرى، والإسكندرية، والدقهلية، والغربية، ومرسى مطروح.
واعترف مصدر مطلع بشعبة الدعاية والإعلان باتحاد الصناعات المصرية (حكومي) بتراجع معدلات الإعلانات في موسم رمضان الحالي على الفضائيات المصرية أسوة بما كانت تحصده في أعوام سابقة.
وأشار المصدر ذاته لـ”العرب” إلى أن إجمالي ما جنته الفضائيات لم يتحدد بعدُ انتظارا لنهاية موسم رمضان، لكن لن يصل إلى ثلاثة مليارات جنيه التي حصدتها الفضائيات في العام الماضي.
وأكد أن سوق الإعلانات يتجه على نحو أكبر إلى إعلانات الطرق أو ما يسمى “الأوت دور” وتستقطب في مصر ما يقرب من نصف حجم الدعاية على مدار العام، وحققت هذا العام نموا أكثر من الذي وصلت إليه العام الماضي، ثم تليها الإعلانات الرقمية على منصات التواصل الاجتماعي، ثم التلفزيون والراديو والصحف والمجلات، ولم تعد لدى المعلنين ثقة كبيرة في تحقيق عوائد مضمونة من الإعلام التقليدي.
وتابع “لا يتجاوز الجزء الأكبر من التركة الإعلانية الموجهة إلى الفضائيات، وعددها عشر، لم يكشف عن اسم كل منها، 20 في المئة من إجمالي ما يذهب إلى الفضائيات.”