العاهل المغربي يضخ دماء جديدة في مؤسسات دستورية لتعزيز الرقابة

التعيينات الملكية ترتبط بالخبرة والكفاءة أكثر من الانتماء السياسي.
الأربعاء 2025/03/26
تعيينات العاهل المغربي تأتي في سياق الإصلاحات الكبرى في المملكة

حملت التعيينات التي أعلنها الديوان الملكي المغربي على رأس عدد من المؤسسات الدستورية، اهتماما كبيرا بالكفاءة والخبرة وضخ دماء جديدة لإرساء حكامة فاعلة فيها وتعزيز أدوارها في الحكامة الجيدة.

الرباط - عين العاهل المغربي الملك محمد السادس عددا من المسؤولين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة على رأس عدد من المؤسسات الدستورية، ما يعكس الحرص على تمكين هذه المؤسسات من الاضطلاع بالمهام المنوطة بها، وفقا لما نص عليه دستور المملكة وتعزيز دورها في ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وتكريس الديمقراطية التشاركية، وحماية الحقوق والحريات.

وأفاد الديوان الملكي في بيان أن لائحة التعيينات تضمنت الوزير السابق باسم حزب العدالة والتنمية عبدالقادر اعمارة، رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومحمد بنعليلو على رأس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وتم تعيين حسن طارق رئيسا لمؤسسة وسيط المملكة.

وتأتي هذه التعيينات في سياق الإصلاحات الكبرى التي يشهدها المغرب على مختلف الأصعدة. لتعزيز استقرار المؤسسات الدستورية وضخ دماء جديدة لإرساء حكامة فاعلة فيها في إطار إستراتيجية توازن بين المتغيرات السياسية الداخلية والتحديات الإقليمية والدولية.

وأكد عمر الشرقاوي، أستاذ القانون العام، في تصريح لـ”العرب”، أن التعيينات تهم مسؤولين عن مؤسسات دستورية، منها ما يدخل ضمن باب الحكامة مثل هيئة النزاهة والوسيط ومنها ما هو منظم بمقتضيات دستورية خاصة وقانون تنظيمي مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقد جاءت بعد انتهاء الزمن الانتدابي للرؤساء السابقين، بهدف ضخ طاقات جديدة لتعزيز أدوار هذه المؤسسات في الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد.

عمر الشرقاوي: التعيينات تهدف إلى ضخ طاقات جديدة لتعزيز أدوار المؤسسات
عمر الشرقاوي: التعيينات تهدف إلى ضخ طاقات جديدة لتعزيز أدوار المؤسسات

واعتبر الشرقاوي، أن التعيينات تمزج بين السياسي والتكنوقراطي، يتراوح بين خلفية يسارية للسفير السابق بتونس حسن طارق وخلفية إسلامية للوزير السابق عبدالقادر اعمارة، وتكنوقراطي خبير في مجال القضاء محمد بنعليلو، على اعتبار أن الملك هو السلطة الحصرية التي تحدد متى وكيف تتم إعادة النظر في قيادة المؤسسات الدستورية، وبهذه التعيينات يضخ نفسا جديدا في عمل المؤسسات الدستورية، بعدما تبين أن تلك المؤسسات لازالت تعاني في فرض وظائفها الرقابية والوساطة داخل منظومة دستورية معقدة.

ولاقت هذه التعيينات أصداء إيجابية في الأوساط السياسية المغربية، إذ اعتبرت أنها غير مرتبطة بالانتماءات الحزبية بل بالخبرة والكفاءة والمقدرة على التعامل مع التحديات من خلال العمل على تكريس الحكامة ومنح هذه المؤسسات ديناميكية جديدة وجعلها فاعلة.

وأوضح رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، أن “اختيار رؤساء هذه المؤسسات راعى الكفاءة والتنوع في الخلفية الأكاديمية والمزاج السياسي المعتدل والبراغماتي، وذلك بهدف ضخ دماء متجددة لمواكبة الإصلاحات وتدعيم الحكامة والفعالية برؤية تخدم الهيئات الكبرى التي تشتغل عليها المملكة، منها هيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي تدخل عهدا جديدا مع القاضي محمد بنعليلو الذي راكم خبرة في مجال الوساطة والقضاء للتعامل مع الملفات التي تعنى بمحاربة الفساد وتضييق الخناق على كل مظاهر الرشوة داخل الإدارات.

وأكد لزرق، في تصريحات لـ”العرب”، أن “رؤساء المؤسسات الثلاث مطالبون بالعمل على تكريس الحكامة ومنح هذه المؤسسات ديناميكية جديدة وجعلها فاعلة، وخلق تعاون فعال مع مختلف مكونات السلطة القضائية والهيئات الأخرى المعنية بشكل مباشر، خصوصا وأن هذه المؤسسات الدستورية أضحت هيئات وساطة ورقابية فاعلة وتعمل في الكشف على مكامن الخلل والفساد.”

ويعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مؤسسة دستورية تضطلع بمهام استشارية حول الاختيارات التنموية الكبرى للمملكة، والسياسات العمومية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المستدامة والجهوية المتقدمة، وستكون مهام رئيسه الجديد ثقيلة جدا تستوجب اهتماما مستمرا بمجالات الحماية الاجتماعية، والشباب، والحوار الاجتماعي، والبحث عن حلول مبتكرة للتفاوتات المجالية وتعزيز الديمقراطية التشاركية.

التعيينات تأتي في سياق الإصلاحات الكبرى التي يشهدها المغرب على مختلف الأصعدة. لتعزيز استقرار المؤسسات الدستورية

وقد جاء تعيين اعمارة، على رأس المجلس بعد شغور المنصب لمدة خمسة أشهر، منذ تعيين رئيسه السابق أحمد رضا الشامي، سفيرا للمملكة المغربية لدى الاتحاد الأوروبي في أكتوبر الماضي، وقد أظهر اعمارة كفاءة عالية في تدبير الملفات الكبرى والإصلاحات الهيكلية التي عرفتها القطاعات الوزارية التي كان على رأسها في الحكومات السابقة، إذ أكد في أول تعليق له على هذا التعيين، عن اعتزازه الكبير بالثقة الملكية التي حظي بها، مؤكدا استعداده للعمل بكل جد وإخلاص لتحقيق الأهداف المسطرة للمجلس.

وكان اعمارة قد تولى العديد من القطاعات خصوصا التجارة والصناعة والطاقة، والتجهيز والماء، إضافة إلى عدة مناصب للمسؤولية كنائب برلماني، ورئيسا للجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، الذي كان عضوا بمكتبه ونائبا أولا للرئيس، وكذلك عضوا بمكتب مجلس النواب ومحاسبا ثم نائبا للرئيس.

وتسلم مهمة مستشار علمي للمنظمة العالمية للعلوم بالسويد لمدة عشر سنوات. وهو عضو مؤسس لجمعية “برلمانيون مغاربة ضد الفساد”، وعضو سابق باللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي.

وتواجه المؤسسات المعنية مجموعة من التحديات؛ فالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ملزم بتعزيز مهامه ليصبح فضاء تشاركيا للاستماع والوساطة الاجتماعية ورفع تطلعات المواطنين وآرائهم، وتعزيز مكانته كجسر للوساطة والديمقراطية التشاركية.

وتلعب مؤسسة وسيط المملكة دورا محوريا في تحسين التواصل والعلاقات بين الإدارة والمواطنين وأيضا وسيطا بين الحكومة وعدد من الهيئات التي تطلب من المؤسسة التدخل، خصوصا مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في ملفات التظلم خلال 2023، وفق تقرير المؤسسة نفسها، وتتطلع الدولة إلى خبرة الرئيس الجديد لتعزيز أدوار المؤسسة في مجال الوساطة لحل بعض النزاعات والمطالب الفئوية.

رشيد لزرق: رؤساء المؤسسات مطالبون بالعمل على تكريس الحكامة
رشيد لزرق: رؤساء المؤسسات مطالبون بالعمل على تكريس الحكامة

ويشكل تعيين حسن طارق على رأس مؤسسة وسيط المملكة، تحولا هاما في مسار هذه المؤسسة الدستورية إذ ينظر إلى هذا التعيين لشخصية أكاديمية وبرلمانية ودبلوماسية، في سياق الرغبة في تعزيز مكتسبات المؤسسة وتعميقها، وتطوير آليات عملها لتواكب التطورات العصرية، خاصة في المجال الرقمي، وتقريب الخدمات من المواطنين.

ويرى مراقبون أن الرئيس الجديد مطالب بخلق منظور موسع للوساطة، يشمل الحوار الاجتماعي، وإيجاد حلول توافقية للنزاعات خصوصا وأنها لعبت دورا مهما في نزع فتيل التوتر بين الحكومة وطلبة الطب الذين دخلوا إضرابا لما يقارب السنة.

ويُنتظر من السفير السابق للمملكة بتونس، بفضل خبرته المتنوعة، أن يقود المؤسسة نحو مرحلة جديدة من التطور والفعالية، بما يخدم مصالح المواطنين، ويعزز دولة الحق والقانون.

وفي ما يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فإن محمد بنعليلو الذي راكم تجربة قضائية وقانونية مهمة، سيعمل على محاربة الرشوة من خلال التركيز على مهمة الوقاية والاستباق.

وبحكم تخصصه القضائي، فمن المنتظر أن يعمل على تحقيق تعاون تام وشامل في عمل الهيئة مع مختلف مكونات السلطة القضائية والهيئات الأخرى المعنية بشكل مباشر.

وجاء هذا التعيين تتويجا لمسيرة مهنية حافلة في مجال القضاء والإدارة، حيث شغل بنعليلو سابقا منصب وسيط المملكة، وقبل ذلك شغل منصب مدير القطب الإداري والتكوين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وتقلد بنعليلو عدة مناصب قيادية بوزارة العدل. وتؤهله خبراته المتراكمة لقيادة الهيئة الوطنية للنزاهة في مهمته لمكافحة الرشوة، التي تتطلب عملا توعويا مكثفا وتنسيقا مع مختلف مكونات السلطة القضائية والهيئات المعنية، مع اعتماد مقاربة وقائية واستباقية للحد من هذه الظاهرة.

وأكد بيان الديوان الملكي أن هذه التعيينات تعكس العناية الخاصة التي يوليها الملك محمد السادس لهذه الهيئات، باعتبارها مؤسسات دستورية مستقلة، بهدف إضفاء ديناميكية جديدة على مهامها، وتعزيز تفاعلها مع مختلف المؤسسات الوطنية في مواكبة الإصلاحات الكبرى والمشاريع الإستراتيجية التي يشهدها المغرب.

4