بين الطارد والصياد

الإعلام الذي هوّل فقدان الجزائر لموهبة كروية، سيصدم في المستقبل بضياع مواهب أخرى، لأن البيئة تواصل خاصيتها الطاردة، وستواصل قطر وأمثالها الاصطياد في المياه العذبة.
الثلاثاء 2025/03/25
أثير حوله لغط كبير

ثارت وسائل إعلام رياضية في الجزائر، على قرار اللاعب الصاعد محمد رفيق عمر، بعدم تلبية دعوة الناخب الجزائري للانضمام إلى تشكيلة المنتخب الأول الذي يخوض المنافسات التأهيلية لمونديال 2026، وأرغد وأزبد البعض عن “خيانة” و”مؤامرة”، نفذتها أطراف في دوائر تسيير الكرة، من أجل احتراف اللاعب في أحد النوادي القطرية، تحسبا لتجنيسه في المنتخب العنابي بعد استيفاء الشروط الأساسية.

وبغض النظر عن أن الجنسية الرياضية، ليست جنسية اجتماعية أو سياسية، حتى يثار عليها كل ذلك اللغط، فهي مسار رياضي يختاره اللاعبون لأنفسهم، فيفضلون هذا المنتخب عن ذلك، حتى ولو كان مسقط الرأس وموطن الآباء والأجداد، لأن لغة العصر الحالي هي صناعة المجد والشهرة بالأرجل وليس بالوثائق.

وكان حري بتلك الأقلام و”البلاتوهات”، أن تتحدث قبل كل شيء عن المزايا والمغريات التي هيأتها السلطات الرياضية في قطر، لإغراء أمثال رفيق محمد عمر، وقبلهم كريم بوضياف وبوعلام خوخي، ثم تطلع متابعيها على البيئة الطاردة التي هيأت الظروف لأن تخطف قطر براعم الجزائر، وتمهد لهم شروط الانفجار على ملاعبها.

وحتى التحقيق الذي فتحته الجهات المختصة، حول ظروف خطف عدد من البراعم الكروية، سيؤكد المناخ المنفر الذي ينشأ فيه هؤلاء، وكيف يتم استغلالهم لأغراض ضيقة، إذا صحت الرواية القائلة بتواطؤ مسؤولين جزائريين على تكوين هؤلاء وتحويلهم إلى ناد محلي يملك تقاليد البيع والشراء، قبل بيعهم إلى نواد قطرية بشروط التجنيس، مقابل عائدات فوق الطاولة وتحتها.

لو انحصرت المسألة في النشاط الرياضي وكرة القدم لهان الأمر، لكن اللغط الحقيقي يتوجب أن ينفجر عن النزيف البشري وتجنيس الكفاءات المبدعة في مختلف القطاعات الحيوية، التي يمكن أن تكون قاعدة انطلاق البلاد إلى سقف الدول الناشئة.

رجال مال وأعمال، كفاءات علمية، طاقات بحثية، قدرات مهنية، تستوطن أصقاع الكرة الأرضية وحتى المريخ، وخلف كل واحد قصة مؤلمة عن حكاية هجرة قسرية من وطن يحرم أبناءه من الانفجار الإبداعي، وقليلا ما يسأل هؤلاء عن الأسباب الحقيقية التي تساهم في تهجير الكفاءات والعباقرة وقتل طموحهم، ليبقى هؤلاء يترحمون على ذلك البيروقراطي الذي حاول إفشالهم، لكنه بسلوكه ساهم في نجاحهم وشهرتهم.

من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأميركية وكندا، ينتشر جزائريون أكفاء في مختلف المؤسسات العالمية، أين يحظون بالثقة والمسؤولية وحرية المبادرة، فتحول العديد منهم إلى نجوم في شتى المجالات. لكن في ظل المناخ المنفر في بلدهم الأصلي، وغياب الروابط التي تؤطرهم، كانوا مجرد أفراد يشتغلون كقوة مفككة في خدمة صاحب الشغل أكثر من انحدارهم أو انتمائهم لبلد معين.

البرازيل القوة الناشئة في أميركا اللاتينية، ونظرا للزاد البشري الذي تزخر به في مجال كرة القدم، عملت على تأطير وهيكلة كفاءاتها المؤهلة للهجرة وجعلت المتميزين مصدر دخل لخزينتها العمومية، ولم تقل شيئا عن عناصرها التي تجنست بجنسيات أخرى مطاردة لحلم المجد والشهرة بألوان أخرى غير البرازيلية.

والإعلام الذي هوّل فقدان الجزائر لموهبة كروية، واستدعى خطاب “الخيانة” و”المؤامرة”، سيصدم في المستقبل بضياع مواهب أخرى، لأن البيئة تواصل خاصيتها الطاردة، وستواصل قطر وأمثالها الاصطياد في المياه العذبة.

وكان حري بالإعلام، قبل أن يعلن عن فقدان الموهبة المذكورة، أن يعلن عن فقدان الجزائر لآلاف المهندسين والأطباء والباحثين والطاقات العلمية والأكاديمية، التي أغرتها المؤسسات الأوروبية والأميركية والكندية ووفرت لها شروط العمل والإبداع التي حرموا منها في وطنهم بسبب ترسانة النصوص البالية وجحافل البيروقراطيين الذين يهمهم كثيرا طرد أي جميل من الجزائر.

18