"مدفع رمضان" لمحمد رمضان يتسبب في ضبط برامج المسابقات

محاولة استقطاب الجمهور عبر الجوائز المالية ترجع إلى صعوبة المنافسة.
الثلاثاء 2025/03/18
البحث عن الحضور عند الغياب

القاهرة - أحدث برنامج "مدفع رمضان" الذي يقدمه الفنان المصري محمد رمضان على فضائية “دي.إم.سي” ويعتمد على توزيع جوائز مالية على المواطنين بشكل عشوائي، جدلا واسعا على مستويات إعلامية وسياسية ومجتمعية، واختلفت الرؤى حول المحتوى الذي يقدمه، وما إذا كان يتماشى مع معايير العمل الإعلامي أم أنه يهدف إلى خدمة مذيع البرنامج الذي غاب عن موسم مسلسلات رمضان للعام الثالث على التوالي دون أن يراعي الصورة العامة للمجتمع والمواطنين المصريين.

وأصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لائحة ضوابط جديدة تستهدف “ضمان التزام المؤسسات الإعلامية بأصول المهنة وأخلاقياتها” وتتعلق بإعلان الخدمات الصحية والمستحضرات الطبية والمنتجات الغذائية، وهي إعلانات صدرت بحقها قرارات ولوائح في السنوات الماضية، لكنها هذا العام طالت أيضا “برامج وإعلانات المسابقات”.

ورهن مجلس الإعلام بث أيّ إعلان أو برنامج مسابقات بغرض ترويج أحد المنتجات أو غيرها بضرورة إخطار جهاز حماية المستهلك (جهة حكومية تراقب الأسواق)، وحظر إعلان أيّ مسابقة قبل التأكد من حقيقتها وأنها لا تنطوي على خداع للمستهلكين أو إساءة أو تمييز بينهم.

إبراهيم الصياد: اختلال في معايير الثواب والعقاب بين قناة وأخرى
إبراهيم الصياد: اختلال في معايير الثواب والعقاب بين قناة وأخرى

وألزم المجلس القائمين على المسابقات بإخطار جهاز حماية المستهلك بأسماء الفائزين بالمسابقة قبل إعلانهم على الملأ، على أن تجري تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي وتحصل على التراخيص اللازمة، بعد أن أثارت مسألة توزيع مئات الآلاف من الجنيهات يوميا على مواطنين بشكل عشوائي تساؤلات حول الهدف من ذلك وطبيعة العائد الذي يمكن أن يتحقق على المستوى الثقافي والمجتمعي خاصة وأن البرنامج يروّج أنه “يجبر خواطر المواطنين” أي يقدم لهم مساعدات مالية.

ويحظى برنامج “مدفع رمضان” بنسبة مشاهدة مرتفعة، ويتم عرضه في وقت الإفطار، أي حوالي الساعة السادسة مساء بتوقيت القاهرة، ويقوم بتسجيل أجزاء من الحلقات قبل موعد عرضها بنصف ساعة تقريبا ويجوب شوارع القاهرة وبعض المدن الأخرى لتقديم هدايا مالية للمواطنين، وتصاحب ذلك أجواء يطغى عليها الجانب الكرنفالي، لكنها تتضمن نقل صورة تعكس الرغبة في الحصول على المال السريع، ويساهم في ترويج وتشجيع سلوك سلبي تحت شعار “شهر الفرحة”.

وواجه البرنامج انتقادات من بعض خبراء الإعلام الذين طالبوا بوقف بثه، إذ أنه يصور احتياج قطاعات من المواطنين للمساعدات المالية ويشي بأن هؤلاء ينتظرون ما يقدمه الفنان المصري إليهم.

وقدم مقدم البرنامج الفنان محمد رمضان في إحدى الحلقات رحلة عمرة إلى سيدة مسيحية، وبدا الأمر معبّرا عن وجود تمييز لا مكان له في برامج المسابقات التي كانت تركز في السابق على المعلومات القيمة وتشجع على التثقيف والمعرفة.

ويتيح البرنامج أربعة طرق للحصول على مكافآته. الأولى من خلال التواجد في الشارع أثناء الجولة التي يقوم بها محمد رمضان مع الجمهور. والثانية عبر عربة الأحلام التي تجوب جميع المحافظات لجمع أحلام المتسابقين ويختار محمد رمضان بشكل عشوائي ورقة ليحقق حلم صاحبها. والثالثة حين يقوم بالاتصال برقم هاتف عشوائي أثناء تقديم الحلقة. والطريقة الرابعة من خلال السؤال الذي يطرحه في نهاية كل حلقة ليحصل الفائز على 300 ألف جنيه (الدولار= 51 جنيها).

وقالت أستاذة الإعلام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا عزة هيكل إن البرنامج يشكل إساءة بالغة، ويتجاوز معايير العمل الإعلامي وبرامج المسابقات التي من المفترض أن تكون هادفة وتنافسية في مجالات عديدة، كغيرها من البرامج الناجحة مثل “الجائزة الكبرى” و”كلام من دهب”.

عزة هيكل: البرنامج يشكل إساءة بالغة ويتجاوز معايير العمل الإعلامي
عزة هيكل: البرنامج يشكل إساءة بالغة ويتجاوز معايير العمل الإعلامي

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن محتوى البرنامج يروّج لوجود قطاعات كبيرة من الفقراء في حاجة إلى المساعدات، في حين أن الخطاب السياسي للدولة يركز على قوتها وقدرتها على التعامل مع التحديات الاقتصادية التي تتعرض لها، وبالتالي فإن الرسالة الإعلامية هنا تبدو مشوشة.

وأشارت إلى أن تدخل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام جاء متأخرا بعد عرض ما يقرب من نصف الحلقات، ولا يتسم بالفاعلية الكافية لأنه أوكل مهمة ضبط محتوى إعلانات أو برامج المسابقات لجهاز حماية المستهلك، وهي جهة يمكن وصفها بأنها مرفوعة من الخدمة في مصر، ولا تقوم بدورها الأساسي، وليس من المتوقع تحقيق الانضباط المأمول، وتساءلت هيكل “كيف لفنان أو مذيع برنامج أن يسمح لنفسه بأن يتحدث مع الناس بهذه اللغة باعتباره صاحب الفرحة وأن هؤلاء مدينون له بالفضل.”

وقال الفنان محمد رمضان عن البرنامج، إنه تمت صناعته بمحبة كبيرة للشعب المصري، كاشفًا عن أنه قال للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (المنتجة) عند تعاقده على تقديم هذا البرنامج “أنا جاهز أروح كل شبر في مصر علشان نفرّح الناس.”

ولم يكن برنامج محمد رمضان الوحيد الذي ركز على مسألة المسابقات التي تأخذ في الانتشار خلال محتويات البرامج والفوازير المعروضة في رمضان، إذ أن موعد عرضه جاء بالتزامن مع عرض برنامج المقالب “رامز إيلون مصر” ويقدمه الفنان رامز جلال، والذي دفع صُنّاعه إلى إدخال لمحة تتعلق بالمسابقات، ولأول مرة هذا الموسم يطرح برنامج رامز جلال مسابقة تتعلق بتفاصيل ما يدور في الحلقة وحددت يوميا ثلاثة فائزين بمبلغ 100 ألف جنيه.

وأكد رئيس قطاع الأخبار الأسبق باتحاد الإذاعة والتلفزيون إبراهيم الصياد أن محاولة استقطاب المواطنين لمشاهدة البرامج عبر الجوائز المالية ترجع إلى صعوبة المنافسة بعد تنوع البرامج والمسلسلات المعروضة على فضائيات مختلفة، وجميعها تتنافس على لقب “الأكثر مشاهدة” في ظل منافسة قوية مع المنصات الرقمية التي اقتطعت جزءا ليس بالقليل من جمهور التلفزيون، كما أن كثرة الأعمال تتسبب في تخمة لدى المشاهدين يمكن أن تجعلهم يعزفون عن مشاهدة أيّ محتوى درامي أو برامجي.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن جميع برامج المسابقات والفوازير التي كانت تُعرض على التلفزيون المصري خضعت لضوابط صارمة أخلاقية وقانونية بشأن تقديمها، ما يجعل هناك استفادة حقيقية منها، ويضمن عدم توجيهها وبينها أن يكون الفائزون ليست لديهم صلة قرابة أو معرفة بفريق عمل التلفزيون.

وأشار الصياد إلى أن ما يحدث هذا العام من مسابقات وإعلانات يتجاوز الكثير من الأعراف الإعلامية مع وجود اختلال في معايير الثواب والعقاب بين قناة وأخرى.

واشترطت الضوابط الجديدة الحصول على موافقة وزارة الصحة لقبول إعلانات الخدمات الصحية، سواء أكان الإعلان عن منشأة طبية أو طبيب أو غيره من مقدمي الخدمات الصحية أو عن استقدام الخبراء الأجانب، وبخصوص إعلان المنتجات الغذائية، اشترطت أن يكون المنتج الغذائي مسجلًا لدى الهيئة القومية لسلامة الغذاء أو أن تكون المنشأة معتمدة لدى الهيئة مع ذكر رقم التسجيل أو الاعتماد بالتفصيل طوال فترة الإعلان، مع ضرورة الالتزام ببطاقة بيان المنتج المراد الإعلان عنه والمعدّة بمعرفة الشركة صاحبة الإعلان.

5