أيام الشيخوخة باتت معدودة

أخبار كثيرة تخرج وبشكل يكاد يكون شبه يومي تتحدث عن خروقات علمية تطيل عمر الإنسان سرعان ما تتحول إلى سراب.
الجمعة 2025/03/14
الزمن مرّ سريعا

ما ادعاه الصينيون قبل ثلاثة أشهر، يؤكده اليابانيون اليوم؛ أيام الشيخوخة باتت معدودة.

خبر مثل هذا لن يجلب اهتمام الشباب. أمامهم وقت طويل قبل أن يلاحظوا مرور الزمن. لكن، الخبر نفسه سيجلب اهتمام من تقدم بهم العمر، وشعروا فجأة أن الزمن غدرهم، وأن هناك أمورا كثيرة كان بودهم لو أن الزمن أمهلهم لإنجازها.

بالأمس التقيت جاري السبعيني، اشتكى لي دون مقدمات من سرعة مرور الزمن، قائلا: إن السنة تمر كأنها شهر، والشهر يمر كأنه يوم، واليوم ساعة.. والساعة دقيقة.

إحساس الشباب بمرور الزمن عكس إحساس الشيوخ. وقد يفسر هذا الاختلاف الصراع القائم بين الأجيال.

من منا، نحن الذين أشرفنا على مغادرة هذا العالم، لا يريد أن يرى على أرض الواقع ما كان يعتقد حتى وقت قريب أنه مجرد خيال؟ العقدان الأخيران، بالتحديد، حملا الكثير من التغييرات.

نحن على أعتاب مرحلة يدفعنا الفضول فيها إلى رؤية عالم تسيره الروبوتات، وتحلق بفضائه السيارات الطائرة، وتحجز فيه الرحلات إلى كواكب أخرى. هذا الفضول يزداد خاصة إذا رافقت طول العمر صحة جيدة خالية من الأمراض.

أفاجأ عندما أسمع من يقول بثقة كبيرة إن أجدادنا كانوا أصحاء أكثر منا، وأن عمرهم كان أطول، رغم أن الدلائل العلمية والأبحاث تؤكد عكس ما ذهبوا إليه.

أخبار كثيرة تخرج وبشكل يكاد يكون شبه يومي تتحدث عن خروقات علمية تطيل عمر الإنسان سرعان ما تتحول إلى سراب.

أموال كثيرة تُنفق في صناعة تركز على هذا الهدف، دون نتائج فعلية، باستثناء ما تعلق منها بمحاربة الأمراض القاتلة، مثل السرطان والقلب والسكري وغيرها من الأمراض التي استعصى علاجها. ليس بين هذه الاكتشافات وأصحابها من يدعي كشف سر شيخوخة الخلايا وعكسها. وهذا بالضبط ما يدعيه خبر اليوم.

الخبر يقول إن الباحثين اكتشفوا البروتين المسؤول عن إصابتنا بالشيخوخة، وأطلقوا عليه، لأسباب أجهلها، اسم AP2A1. لا يهم التسمية، فهي لن تغير شيئا من تفاصيل تقول إن اكتشاف هذا البروتين يمهد لإطالة عمر الإنسان ويحسن من علاج أمراض مرتبطة بالشيخوخة.

بمعنى آخر، لا آلام مفاصل ولا ضعف عضلات ولا شعر أبيض نحتاج إلى إخفائه بالصباغات بعد اليوم، ولا تجاعيد ننفق على إزالتها أموالا طائلة، سواء كان ذلك باستخدام الكريمات أو بالاستسلام لمبضع جراح التجميل.

قد يكون الاكتشاف أهم مساهمة تهدف إلى محاربة الشيخوخة بعد نصائح ابن كمال باشا في كتابه “رجوع الشيخ إلى صباه” قبل 550 عاما، حيث باءت كل الجهود التي بذلت بين التاريخين بالفشل.

ويقول الباحثون الذين حققوا هذا الاختراق، إن حظر البروتين سيمكن ليس فقط من إبطاء الشيخوخة، بل عكسها. وهذا لا يساعد الناس على العيش لفترة أطول فحسب، بل يساعد أيضا على التخفيف من حدة الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، كما يمكن الوقاية من بعض الأمراض قبل ظهور الأعراض الأولية.

وإذا كان هذا الاكتشاف يفرح الناس، إلّا أنه لن يفرح الشركات العملاقة التي بنت ثرواتها على مخاوفنا من ظهور علائم الشيخوخة على وجوهنا وتآكل مفاصلنا وهشاشة عظامنا.

صناعة كبيرة ستهتز بيدها قرار الاستمرار بالبحث إلى نهايته أو وأده قبل أن يتحول إلى حقيقة.

18