زيادة رسوم التقاضي تثير غضب المحامين في مصر

القاهرة- أثار اعتزام عدد من المحاكم المصرية رفع الرسوم القضائية أزمة مع نقابة المحامين، التي صعدت من موقفها المعارض لفرض رسوم تحت مسمى “مقابل الخدمات”.
وقررت النقابة وقف التعامل مع كافة خزائن المحاكم كخطوة أولى يعقبها تصعيد آخر لتعليق العمل في المحاكم حال استمرت الأزمة، ما جعل الحكومة أمام أزمة متفاقمة بين القضاة والمحامين في وقت تسعى فيه للتهدئة السياسية.
وأصدرت محاكم الاستئناف في مصر قرارات منفصلة بزيادة المقابل المادي للخدمات التي تقدمها المحكمة للمحامين والمتقاضين بنسب تتراوح ما بين 10 و20 في المئة، وطالت هذه الزيادات أكثر من 30 خدمة.
وعقدت نقابة المحامين اجتماعا مشتركا بين أعضاء مجلس النقابة العامة والنقابات الفرعية وقررت رفض كافة قرارات زيادة الرسوم ومقابل الخدمات المقدمة في المحاكم لتعارض ذلك مع المشروعية الدستورية، وأكدت على التواصل مع الجهات المختلفة لايجاد مخرج للأزمة.
وينعكس قرار نقابة المحامين بوقف التعامل مع كافة خزائن المحاكم سلبا على العديد من القضايا، ولوحت النقابة بالمزيد من الإجراءات التصعيدية التي تضعها مجددا في صدام مع الحكومة، عقب أزمة أثارها مشروع قانون الإجراءات الجنائية قبل تمريره في البرلمان، ما يعيد الاحتجاجات مرة أخرى إلى مبنى النقابة الواقع بوسط القاهرة، والذي شهد منذ عام ونصف احتجاجات على فرض ضريبة القيمة المضافة على المحامين قبل الوصول إلى اتفاق وسط أنهى الخلاف بين الطرفين.
ويرى مراقبون أن قرار المحاكم المصرية يضاعف الأعباء على المواطنين الذين يواجهون صعوبات في الأوضاع المعيشية ويتلقون وعودا مستمرة من الحكومة بتخفيف الضغوط عليهم.
وإن لم تكن الحكومة مسؤولة بشكل مباشر عن القرارات الأخيرة باعتبارها صادرة عن السلطة القضائية فإن الوضعية العامة التي يجد فيها المواطنون أنفسهم أمام زيادات مستمرة في الخدمات التي يتلقونها تجعل الجميع في بؤرة السخط الشعبي.

طارق العوضي: الجمعية العمومية لنقابة المحامين سوف تتحرك هذه المرة
وتنبع خطورة القرارات الأخيرة من كونها تساهم في إبعاد المواطنين عن اتخاذ إجراءات التقاضي لإرساء قيم القانون والابتعاد عن لغة العنف التي تتزايد في المجتمع، وهو ما يشكل خطرا لا يخلو من أبعاد سياسية، تتطلب أن يكون هناك تدخل يتجاوز فكرة حاجة المحاكم إلى تنمية مواردها نتيجة تزايد الأعباء عليها.
وتزايدت أعباء المحاماة في مصر، وأرجع محامون ذلك الأمر إلى زيادة رسوم التقاضي التي جرى تمريرها تماشيا مع انخفاض قيمة الجنيه.
قالت عضو مجلس نقابة المحامين سابقا فاطمة الزهراء غنيم إن ما أقدمت عليه المحاكم مخالفة قانونية صريحة، لأنه لا يمكن زيادة مصروفات دون تشريعات تعرض على البرلمان أولا، وأن القرارات صدرت بصفة فردية وقد طالت الجزء الأكبر من المحاكم على مستوى الجمهورية، وتأخذ الصفة القانونية حال لم يتم الطعن عليها خلال شهرين، ما دفع العديد من المحامين إلى رفع دعاوى قضائية لوقف تنفيذها، وواجهتهم مشكلة تتعلق بعدم الإعلان عن أرقام القرارات الصادرة من المحاكم.
وأضافت غنيم في تصريح لـ“العرب” أن القرارات الأخيرة تساهم في مضاعفة الأعباء على المواطنين، لأن المدعين يتحملون هذه الزيادات وليس المحامين، وتقوض مساعي تعديل قانون المحاماة لإقرار زيادة قانونية على أتعاب المحامين.
وذكرت أن زيادة قيمة الرسوم لها انعكاسات سلبية على اتجاه المواطنين لمنظومة التقاضي للحصول على حقوقهم، خاصة محدودي الدخل والفقراء ما يعيق حق التقاضي ويؤثر على سير العدالة، وستكون لذلك تأثيرات ترتبط بزيادة معدلات الجريمة والعنف والفساد المجتمعي.
وفقا لبيانات وزارة العدل، فالمحاكم في مصر حتى نهاية عام 2019 كانت تنظر 15 مليون قضية سنويا، بين مدني وجنائي وأحوال شخصية، وتراجع العدد في أعوام 2020 و2021 و2022 إلى 11 مليون قضية وصاحب ذلك انتشار فايروس كورونا وزيادة الرسوم المقررة على جميع الإجراءات تقريبا.
وتشير إحصاءات حكومية إلى تنفيذ أحكام في أكثر من 180 ألف قضية مدنية وأكثر من مليون وثلاثمئة ألف قضية أسرة، فيما قضت المحاكم الاقتصادية في أكثر من 30 ألف قضية مدنية وجنائية، خلال العامين الماضيين.
قال المحامي وعضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي إن القرارات “تضعنا أمام كارثة كونها تخالف الدستور والقانون ولا تتماشى مع أحكام قضائية صدرت في السابق بإلغاء قرارات مماثلة، والجهة التي أصدرت تلك القرارات تمثل قدوة للمواطنين الذين يلجأون إليها لتطبيق العدالة والقانون.”
وأوضح العوضي في تصريح لـ“العرب” أن الجمعية العمومية لنقابة المحامين سوف تتحرك هذه المرة في مواجهة مثل هذه القرارات دون انتظار لقرارات من مجلس النقابة الذي لا يتخذ مواقف تقنع المحامين، ويمكن أن تتجه النقابات الفرعية نحو التصعيد خلال الأيام المقبلة بعد أن تعددت الدعاوى القضائية لوقف هذه القرارات، ما يستلزم تحركا سريعا من رئيس الحكومة للتعامل مع الموقف الراهن لأننا أمام المزيد من العوائق التي تواجه المواطنين لاستخدام حق التقاضي.
قرار المحاكم المصرية يضاعف الأعباء على المواطنين الذين يواجهون صعوبات في الأوضاع المعيشية
وشدد العوضي على أن القرار الأكثر تأثيرا يتعلق برسوم مراجعة الحوافظ والتي تمت إعادة إجراءات ميكنتها لتكون رقمية وتعمل على تسهيل أداء الهيئات القضائية وتطور من أداء المحاكم وتخدم الوصول إلى العدالة الناجزة، وقد فرضت المحاكم “رسوم ميكنة” تتطلب دفع 33 جنيها (الدولار = 51 جنيها) نظير تسجيل الورقة الواحدة، وأن الكثير من القضايا تصل فيها أوراق التسجيل إلى مئات الأوراق، ما يجعل هناك أعباء إضافية ضخمة إلى جانب رسوم التقاضي الطبيعية.
وأصدرت المحكمة الإدارية العليا، وهي أعلى محكمة قضائية مصرية تراقب وتنظر في مدى مشروعية القرارات الإدارية، من قبل أحكاما مماثلة بشأن زيادة الرسوم التي تقدم عليها المحاكم المختصة، لافتة إلى أن القرارات الإدارية الصادرة بالإرادة المنفردة بزيادة رسوم التقاضي تشكل خروجا على أحكام الدستور ومخالفة لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون السلطة القضائية وقوانين الرسوم القضائية، ومشوبة بعيوب تجعلها منعدمة الأثر قانونا الأمر الذى يستوجب القضاء بإلغائها.