"بيبي جون" دراما هندية كلاسيكية عن المؤامرات ومغامرات الانتقام

أكشن تقليدي ونهاية تسويقية تستثمر في نجومية سلمان خان.
السبت 2025/03/08
رحلة للانتقام وتحقيق للعدالة

غير بعيد عن المغامرات البوليسية وحكايات الثأر والانتصار للحق التي اعتادت تقديمها السينما البوليوودية، يأتي فيلم “بيبي جون” الذي لم يخرج عن الطابع الكلاسيكي مستثمرا في موهبة عدد من النجوم والمواهب الشابة.

الرباط - تدور أحداث فيلم "بيبي جون" للمخرج الهندي كاليس حول قصة ساتيا فيرما، وهو شرطي سابق يتنكر بهوية رجل يدعى بيبي جون لحماية ابنته من عدو قديم، والعمل هو إعادة صنع لفيلم “ثيري” التاميلي الذي أخرجه آتلي عام 2016.

الفيلم من سيناريو كاليس وبطولة كل من فارون داوان وكيرثي سوريش في أول ظهور لها في الأفلام الهندية، وأميكا غابي وزارا زيانا وجاكي شروف.

يأتي الفيلم كنموذج تقليدي لأفلام الانتقام الذي يعتمد على سرد مأساوي يتشابك مع الدوافع الشخصية، ويتجسد هذا في شخصية الشرطي ساتيا فيرما الذي يفقد أسرته نتيجة لمؤامرة مدبرة من قبل عائلة فاسدة، فيتحول إلى بطل يسعى للانتقام. والمأساة التي يعيشها تبرز الصراع بين الأمل واليأس، وبين العدالة الفردية والعدالة المؤسسية، وهذه العناصر تبين المشاهد باعتبارها عرضا للأكشن الهندي المكرر والذي يظل محصورا في قوالب تقليدية لم تبتكر شيئا جديدا في سرد قصة الانتقام.

ويغلب على الفيلم طابع الميلودراما الذي يبالغ في تصوير التضحيات الشخصية مقابل التركيز على العدالة المفقودة، خاصة في المشهد الذي تعرض له بابي جون عندما تم قتل زوجته وأمه ويطلق النار عليه لكنه لا يموت فيعيش مع شعور بالذنب والضعف، وهذا يدفعه إلى البحث عن الانتقام، لكن طريقة تنفيذ ذلك تفتقر إلى التوازن ليقلل من تأثير المشهد الدرامي على المشاهد، إذ يشعر المتابع بأن الفيلم يركز على الإثارة أكثر من إظهار حقيقة المعاناة النفسية لشخصية البطل، لأن الحبكة أساسا تستند إلى تصعيد العنف والعلاقات العائلية المعقدة، ولكنها تنحرف نحو الحلول السطحية لتطوير الشخصيات، خاصة عندما يستخدم بابي جون الأسلوب التقليدي الهندي الكلاسيكي، أي يظهر البطل كضحية ثم يتحول إلى شخصية قوية تحارب من أجل العدالة، ومع أن هذا التطور لا يخلو من الجاذبية، فهو هنا يعجز عن تقديم دافع أعمق لشخصية ساتيا التي تظل محكومة بعواطفه الانتقامية.

الفيلم يغلب عليه طابع الميلودراما الذي يبالغ في تصوير التضحيات الشخصية مقابل التركيز على العدالة المفقودة

ويتنقل تكوين اللقطات بين الحاضر والماضي بشكل غير متوازن، ما يفقد الفيلم بعض الدقة الدرامية في السرد مثل مشهد دخوله قسم الشرطة بأسلوب متخف رغم أنه ضابط ممتاز، ثم بعدها بدأ المخرج بخلق صراع درامي تشويقي من خلال تقنية الفلاش باك الذي يكشف عن الماضي المأساوي للبطل، لكن طريقة الانتقال بين الأزمنة المختلفة تبدو مفاجئة في بعض الأحيان وتفتقر إلى البناء التدريجي، فهذه القفزات بين الحاضر والماضي لا تتيح للمشاهد فرصة للاندماج الكامل في القصة لأنها مربكة وغامضة.

ويتعرض تسلسل الأحداث إلى العديد من القضايا الاجتماعية مثل الفساد والجريمة، ولكن يظل في إطار القصص المألوفة دون تناول حقيقي لهذه  القضايا، مثل الاعتداءات الجنسية على النساء والفساد في الأجهزة الحكومية، لكن مشكلة العديد من الأفلام الهندية هي غياب معالجة هذه القضايا بطرق نقدية أو فلسفية، لذلك تظل أغلب الأفلام سطحية وموجهة نحو الإثارة والاكتفاء بعرض مشاهد عنف دون تحليل حقيقي.

ويجسد فارون داوان شخصية ساتيا فيرما الذي كان ضابط شرطة، وأداؤه في هذا الفيلم يفتقر إلى الجدية اللازمة لتجسيد هذه الشخصية القوية والصارمة، ففي مشاهد عدة يظهر فارون وهو يتعامل مع المجرمين بفكاهة وسخرية لا تتناسب مع طبيعته كضابط شرطة سابق، وهو ما يجعل الشخصية تبدو غير صادقة وغير متماسكة، وهذا النوع من الفكاهة غير المبرر يزعزع من مصداقية الشخصية ويحولها إلى شخصية سطحية، وهو أمر لا يتناسب مع الموضوع الجاد للفيلم والذي يعتمد على الانتقام والعنف، بينما يتطلب فيلم من هذا النوع أن يكون البطل محاطا بهالة من القوة والصرامة، فنجد أن فارون فشل في نقل تلك الطاقة القوية التي تليق بشخصية ضابط شرطة سابق يسعى للانتقام، فيتصرف وكأن هناك حالة من التراخي واللامبالاة تجعل شخصيته تبدو غير متسقة مع الأحداث المأساوية التي يواجهها.

ك

وكان أداء جاكي شروف في دور المجرم المنتقم والقاتل السياسي مقنعا كما هو معتاد منه، إذ استطاع أن يقدم شخصية بابار بإتقان، ونجح في تجسيد هذه الشخصية المتناقضة المليئة بالغضب والحقد، مع خلفية سياسية معقدة، وكان حضوره على الشاشة قويا ومؤثرا، إذ برع في نقل عقلية السياسي المجرم وأظهر أبعاد شخصيته التي تجمع بين السلطة والقسوة، وقدرة على إظهار تفاعل معقد بين دوافعه الشخصية وأهدافه السياسية، فمنذ اللقطات الأولى على الشاشة جعل الجمهور يشعر بنوايا بابار المظلمة، سواء في مشاهد انتقامه أو في طريقة تعامله مع خصومه، كشخصية مليئة بالغضب الأبوي والرغبة في الانتقام من قاتل ابنه، وهي مشاعر كانت متقلبة بين الرغبة في تحقيق العدالة والشراسة المفرطة.

وجاءت نهاية الفيلم كإعلان تسويقي فج أكثر من كونها تتويجا للأحداث الدرامية للقصة، فظهور سلمان خان في المشهد الختامي لم تكن له أي إضافة أو قيمة فنية حقيقية بل بدا وكأنه مجرد حيلة لخلق عنصر تشويق مصطنع أو تمهيد لإطلاق أجزاء جديدة من الفيلم، بينما كان من الممكن منح القصة نهاية مقنعة ومنطقية، لكن المخرج لجأ إلى هذا الأسلوب الذي بات يتكرر في العديد من الأفلام الهندية الحديثة، عندما يتم إدخال نجم كبير بشكل غير مبرر فقط لإثارة الضجة الإعلامية وجذب جمهور أكبر.

والغريب حقا هو أن هذا النمط بات ظاهرة متكررة في بوليوود، إذ يظهر كبار النجوم مثل سلمان خان وأكشاي كومار في أفلام الشباب، وكأنهم يحاولون فرض سيطرتهم على الساحة السينمائية الجديدة. ويتكرر الأمر سواء من خلال الظهور المفاجئ في مشاهد غير ضرورية أو من خلال الإشادة الدائمة بجيل الشباب كنوع من الاحتواء الإستراتيجي. فأكشاي كومار على سبيل المثال دأب على الترويج للممثل الشاب رانفير سينغ، مدعيا أنه يذكّره بنفسه في شبابه مثل رقصة رانفير سينغ في فيلم “بيفكري” للمخرج أديتيا شوبرا، بينما نجد سلمان خان يتبنى فارون داوان بالطريقة نفسها، ففارون داوان أعاد أجزاء من أفلام سلمان خان القديمة مثل فيلم “جودوا 2” لوالده المخرج دافيد داوان، وكأنهم يريدون تشكيل الجيل الجديد وفقا لرؤيتهم الخاصة، أو لضمان استمرار نفوذهم في الصناعة حتى وهم خارج أدوار البطولة المطلقة.

وليس من الغريب أن يمتد هذا النمط إلى شاروخان أيضا، الذي ظهر بالأسلوب ذاته إلى جانب رانبير كابور وإيشواريا راي في فيلم “إنه لقلب مشتبك” للمخرج كاران جوهار.

ويبدو أن كبار النجوم يدركون أن عصرهم الذهبي قد بدأ بالتراجع، لذلك يلجأون إلى هذا التكتيك للحفاظ على بريقهم أمام الجمهور، حتى لو كان ذلك على حساب توازن الأفلام نفسها، فالمشكلة في الطريقة التي يتم بها تقديمهم كرموز لا غنى عنها، وهذا يفقد الأفلام مصداقيتها ويجعلها أشبه بإعلانات طويلة لأسماء النجوم الكبار بدلا من كونها أعمالا سينمائية متكاملة، بينما كان بالإمكان إنهاء قصة الفيلم بشكل أكثر احتراما لجمهوره، ودون استغلال ظهور سلمان خان كمجرد عنصر جذب تسويقي، الفيلم يعاني بالفعل من حبكة تقليدية مكررة، وإضافة مثل هذه المشاهد في النهاية جعلته يبدو أكثر ضعفا وافتقارا للابتكار.

14