تدابير ليبية لمواجهة خطاب الكراهية في البرامج الرمضانية

اتخذت حكومتا غرب وشرق ليبيا إجراءات وتدابير استثنائية لمواجهة أي إمكانية لتسرب خطاب الكراهية من خلال البرامج الإذاعية والتلفزيونية والأعمال الدرامية التي تم إنتاجها للبث خلال شهر الصيام، والتي عادة ما تجد إقبالا واسعا من المشاهدين.
وحذرت الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا من انتشار خطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام المحلية خلال شهر رمضان، وقالت إنه “يجب على كتّاب السيناريو والمخرجين الابتعاد عن أي خطاب يحرض على الكراهية، أو الطائفية أو العنف، وأن يعملوا على نشر قيم التسامح والتعايش السلمي.”
وأكدت الهيئة أنها تحرص في ظل ارتفاع وتيرة الإنتاج التلفزيوني خلال شهر رمضان، والذي يشهد إقبالاً كبيرًا من الجمهور، على الارتقاء بالعمل الإعلامي وتلبية تطلعات المشاهد، داعية كافة القنوات التلفزيونية إلى الالتزام بمعايير الجودة والمهنية، واحترام المشاهد، وتجنب كل ما من شأنه الإخلال بالقيم والمبادئ السائدة في المجتمع الليبي.
وطالبت القائمين على الإنتاج التلفزيوني بالالتزام بمدونة السلوك المهني الإعلامي، وتجنب ارتكاب أي أخطاء مهنية قد تؤثر سلبًا على رسالة الإعلام الهادف، وأشارت إلى وجوب إخضاع كل محتوى تلفزيوني للقوانين واللوائح الناظمة للإعلام في ليبيا، وكذلك المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
كما دعت أصحاب البرامج التي تستهدف المعوزين أو المحتاجين إلى توخي الدقة والموضوعية، والابتعاد عن أي استغلال لهذه الفئة، وإلى ضرورة إخضاع برامج الكاميرا الخفية لرقابة مشددة، بما يضمن عدم الإساءة إلى كرامة المشاركين أو نشر ثقافة العنف.
وسبق للهيئة أن أشارت إلى أنها تلقت شكاوى من مواطنين ليبيين، تتعلق ببرامج تلفزيونية احتوت خطاب كراهية وتمييز ضد مكون ثقافي ليبي. كما تم بث هذه الحلقات بشكل متواصل ولم يتم الالتزام فيها بمبادئ مدونة قواعد السلوك المهني الإعلامي، فاحتوت على معلومات مضللة حول المكون الثقافي الليبي، وبعض نخبه السياسية، واستضافت شخصيات مثلت طرفًا من أطراف الصراع، ما يعني غياب الحياد والموضوعية، وتم توجيه تهم بلا أدلة ما يعني ارتكاب جرائم التشهير والافتراء والتحريض.
وقالت “غالبا ما تلحق خطابَ الكراهية جرائم كراهية وعنفٌ. ويمكن أيضًا أن يمهد خطاب الكراهية السبيل أمام تجريد الأقليات من إنسانيتهم، وإلقاء اللوم عليهم وتطبيع الكراهية.”
ويرى مراقبون أن الحديث عن خطاب الكراهية عاد بقوة إلى المشهد الليبي العام ليمثل أحد أهم العراقيل التي تحول دون تجاوز الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، لاسيما وأن هناك محاولات تقوم بها أطراف بعينها لزعزعة الاستقرار وتهديد السلم الاجتماعي بالعمل على المساس ببعض المكونات الاجتماعية أو الثقافية في البلاد.
ومن جانبها أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ضرورة وضع حدّ لجميع أشكال التحريض عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، محذرة من محاولات تعميق الانقسامات بين أبناء الشعب الليبي، والتي تهدد الوحدة الوطنية القائمة على التنوع الثقافي الغني.
◙ خطاب الكراهية لا يزال منتشرا بقوة في ليبيا وهو يشكل خلفية للصراع السياسي القائم بين الفرقاء المتنافسين على السلطة والثروة في البلاد
وأوصى المشاركون في اجتماعات الهيئة بتفعيل اللجنة الفرعية لمراقبة خطاب الكراهية، وفقاً للمادة الخامسة من اتفاق وقف إطلاق النار، وإنشاء آلية تنسيق مع البعثة الأممية وشركات التواصل الاجتماعي ومنصات الرصد الوطنية والمؤسسات الإعلامية الرسمية، وطالبوا بدعم المبادرات المحلية ومنصات رصد خطاب الكراهية، وتعزيز دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام في نشر الوعي العام بأهمية اتفاق وقف إطلاق النار في تحقيق الاستقرار، وتهيئة الأجواء لعملية سياسية شاملة تمهّد لإجراء الانتخابات الوطنية.
وترى أوساط ليبية أن خطاب الكراهية لا يزال منتشرا بقوة في ليبيا وهو يشكل خلفية للصراع السياسي القائم بين الفرقاء المتنافسين على السلطة والثروة في البلاد، وتضيف أن هناك حالة انفلات لغوي لدى بعض الأطراف الفاعلة على الأرض والتي تعمل على تكريس حالة الانقسام وشيطنة خصومها السياسيين.
وتضيف الأوساط ذاتها أن خطاب الكراهية في ليبيا يعد من مظاهر المعركة السياسية، وكذلك من علامات تصدع وحدة المجتمع التي برزت بالخصوص خلال السنوات الماضية، ووجدت المواقف التي تغذيها وخاصة تلك الصادرة عن الجماعات الإرهابية والتكفيرية والإقصائية والإقليمية والجهوية والقبلية.
وتتابع أن ما يصدر عن بعض رجال الدين، وفي مقدمتهم رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني، يعتبر شكلا من أشكال التحريض على الفتنة والدفع بالبلاد إلى الحرب الأهلية من جديد. وحذرت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5” من تنامي وتصعيد خطاب الكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي وتهديد الأمن القومي عبر إثارة الفتن بين مدن ومناطق البلاد.
وقالت بعد اجتماعات عقدتها في تونس تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة وبمشاركة المراقبين المحليين لوقف إطلاق النار وأعضاء من اللجنة الفرعية للترتيبات الأمنية إنها تحذر من أن “هذا ما يسعى له المتربصون بأمن وحدة ليبيا وتقسيمها وضرب أمنها واستقرارها،” داعية من وصفتهم بعقلاء الوطن إلى تغليب مصالح الوطن وتحكيم لغة العقل.
ووجهت اللجنة دعوة عاجلة إلى كل المسؤولين والجهات الأمنية والقيادة السياسية لـ”متابعة ومحاسبة كل من تسبب في تلك الأحداث، وإلى كل من يسعى إلى تعميق الخلاف ونسف الصف الليبي.”
وكان ناشطون ليبيون اندمجوا في ورشة عمل نظمتها الأمم المتحدة، قد حذروا مؤخرا من تصاعد خطاب الكراهية في بلادهم، وقالت البعثة الأممية إنهم سلّطوا الضوء على “مدى كون خطاب الكراهية عاملاً من العوامل المساهمة في النزاع الاجتماعي، مع وجود خلط واسع النطاق بين ما يعدّ انتقادا مشروعا وبين ما يمكن وصفه بـخطاب كراهية،” ورأوا أن “الاستقطاب الحاد في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لعب دورا كبيرا في تفاقم خطاب الكراهية وانتشار المعلومات المضللة في البلاد.”