تحسن مؤشرات التضخم لا يعكس واقع الاقتصاد المتعثر في تونس

الحكومة أمام حتمية إعادة النظر في الإنفاق لتخفيف الاعتماد على الاقتراض.
الثلاثاء 2025/03/04
الأسواق هي مرآة الوضع الاقتصادي

يثير التحسن الملحوظ في مؤشرات التضخم في تونس تساؤلات لدى الخبراء كونه لا يعكس بوضوح واقع الاقتصاد المتعثر حتى رغم إطلاق الحكومة مبادرات ضمن سياسة الإصلاح لإنعاشه نتيجة الضغوط المالية، التي لا تزال تتسبب في آثار سلبية على الجميع.

تونس - يستبعد خبراء تونسيون اعتبار انخفاض التضخم رغم وجود ما يوحي بعودته إلى الارتفاع خلال شهر رمضان، دليلا كافيا على تحسن نمو الناتج المحلي الإجمالي بالنظر إلى استمرار تأثيراته الواضحة على النشاط الكلي.

ورغم إشادته بتراجع أسعار الاستهلاك إلى 6 في المئة خلال يناير الماضي، قلل أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية آرام بلحاج من تأثير ذلك على استعادة الاقتصاد عافيته.

وقال في مقابلة مع وكالة الأناضول “في المطلق، انخفاض التضخم من أكثر من 10 إلى 6 في المئة إيجابي جدا، ولكن هناك فرق بين التضخم المعلن والتضخم المحسوس.”

وأوضح أن التضخم المعلن هو ما يتم إعلانه رسميا استنادا إلى حسابات تقنية، ولكن المحسوس لدى المستهلك فهو مختلف تماما.

ووفق إحصائيات معهد للإحصاء الحكومي، انخفض معدل التضخم من 10.4 في المئة خلال فبراير 2023 إلى 7.4 في المئة خلال فبراير 2024 ثم إلى 6 في المئة خلال يناير 2025.

آرام بلحاج: إلى الآن لم نر بدائل جدية تجعلنا نخرج من الأزمة الراهنة
آرام بلحاج: إلى الآن لم نر بدائل جدية تجعلنا نخرج من الأزمة الراهنة

وقال بلحاج إن التفسير للفرق بين التضخم المعلن والمحسوس هو أن “السلة التي من منطلقها يتم احتساب التضخم لا تعكس بالضرورة استهلاك المواطن، وقد تكون التقنيات التي يستعملها المعهد لاعتماد حاجيات المواطن لا تعكس الواقع.”

وتابع “التضخم المحسوس يبقى دائما برقمين، وهذا يحسه المستهلك الذي يريد أن يملأ سلته فلا يجد أسعارا بنسبة 6 أو 7 في المئة، بل يجدها بين 14 و15 في المئة، وهنا يكمن الخلل.”

كما أشار إلى أن المسح التقني مختلف عن الواقع، وبعض الخبراء نصحوا معهد الإحصاء بتغيير السلة عن طريق مسح استهلاك جديد.

وبحسب بلحاج، فإن المتعارف عليه أن التضخم يجب ألا يتجاوز اثنين أو 3 في المئة، ولكن المعدل الحالي بالمقارنة مع المطلوب تبقى مهمة، لأن النسب المنخفضة تجعل هناك اطمئنانا وثقة من المستهلكين والمستثمرين.

ويقول إن المستثمرين يمكنهم في هذه الوضعية إنجاز خططهم دون ارتفاع كبير في الكلفة. ولكن ورغم الانخفاض المسجل في نسبة التضخم الرسمية، إلا أن نسب الاستثمار والاستهلاك لم تتجاوب إيجابيا مع ذلك.

وأوضح الخبير أن تحقيق نسب نمو ضعيفة جدا تكاد تكون صفرية في 2023 و1.4 في المئة خلال 2024، هو دليل على أن التضخم لم يساعد في إرجاع الاستثمار إلى مستوياته السابقة، ولا إرجاع الاستهلاك إلى وتيرة تجعله يولد نموا حقيقيا يدفع لحلحلة الأزمة.

ولكن بخصوص نجاح تونس في سداد ديونها الخارجية، آخرها 1.1 مليار دولار نهاية يناير الماضي، قال بلحاج إن تونس “دأبت دائما” على ذلك، ولكنه طرح مجموعة من التساؤلات.

وقال “السؤال الأهم هو كيف تمّ ذلك؟ هل تمّ من خلال الموارد الضخمة للدولة أو من خلال الاحتياطي من العملة الصعبة أو من خلال احتياطي النقدي الذي تملك الدولة جزءا منه أو من خلال آليات أخرى؟”

6

في المئة معدل التضخم في فبراير، لكن الاستثمار والاستهلاك لم يتجاوبا إيجابيا مع انخفاضه

وتابع “سداد الديون سواء خلال 2024 أو 2025 يأتي أساسا من الاحتياطي النقدي الذي هو في الحقيقة ملك الفاعلين الاقتصاديين وجزء منه ملك الدولة.” ويرى أنه من الأفضل عدم اعتماد السلطات هذا الأسلوب.

وخلال 2024 تم اللجوء إلى البنك المركزي لاقتراض 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار) لتمويل الميزانية، إذ ذهب جزء منها لسداد الديون، وهذه السنة تتكرر العملية نفسها.

وأوضح بلحاج أن الرجوع إلى التمويل المباشر من المركزي فيه عدد من المخاطر، أولها تداخل السلطتين التنفيذية والنقدية، وفيه انعكاسات سيئة وخطيرة وأولها التضخم.

وثاني المخاطر، هو الانعكاسات السلبية على سعر الصرف، الذي إذا انحدر أو انهار تكون المساوئ كبيرة، بما فيها استيراد التضخم، وخدمة الدين التي تصبح كبيرة جدا، لذا جاء اللجوء إلى حماية قيادة السياسة النقدية عبر قوانين استقلالية المركزي.

وتساءل بلحاج “إلى أين توجّه الديون؟ هل للاستهلاك اليومي للدولة وللفاعلين الاقتصاديين أم للاستثمار، إذا كانت الديون سواء الداخلية أو الخارجية توجّه إلى توليد الثروة والاستثمار، فهذا شيء إيجابي جدا.”

أما إذا كانت الديون “تذهب إلى الاستهلاك والأجور والدعم وسداد الديون، فهذا غير سليم،” وفق بلحاج.

وتابع “للأسف، في ظل ميزانية ثلثها للأجور وثلث لسداد الديون، وجزء ضئيل للاستثمار، فإن التداين ليس عملية سليمة ولا تفضي إلى أي شيء.”

ومع أن 7 في المئة من الميزانية مخصصة للاستثمار، لكن حجم الديون كبير جدا، وهذا أمر لا يستقيم وستكون له تداعيات سلبية جدا.

وقال “رأينا ميزانية 2024، إذ تضمنت 11 مليار دينار (3.7 مليار دولار)، ولكن وجدنا أنفسنا عند 23 مليار دينار (7.6 مليار دولار) كاقتراض داخلي لهذا العام، وهذا رقم قياسي قد تنتج عنه مخاطر.”

Thumbnail

وبشأن استمرار الاقتراض الخارجي رغم عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يعتقد بلحاج أن إغلاق الباب أمام المؤسسة المانحة كان خيارا سياديا وإستراتيجيا، والاستغناء عنه أمر إيجابي من حيث المبدأ.

ولكنه تساءل حول نجاح الخطوة قائلا “إلى الآن لم نر بدائل جدية تجعلنا نخرج من الأزمة، بما فيها أزمة الديون. وعندما أغلقنا الباب أمام صندوق النقد كان علينا إيجاد التمويلات اللازمة، وإلى حد الآن لم نتوقف عن الاقتراض من الخارج.”

وتابع “لا زلنا نقترض من الخارج بنسبة فائدة عالية للأسف، وعندما نعود للأرقام نجد خدمة الدين زادت.. صحيح أن حجم الدين نقص قليلا، لكن بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي فإنه زاد من 79 إلى 81 في المئة.”

واعتبر أنه ليس من السليم غلق الباب أمام الصندوق والاستمرار في الوقت نفسه بالحصول على قروض خارجية بنسب فائدة عالية.

وكرر الخبير كلام العديد من خبراء الاقتصاد بأن السلطات اتخذت خيار إغلاق الباب أمام صندوق لكنه لم يرفق ببدائل تسهل الخروج من الأزمة الراهنة.

وشدد على أن البدائل دائما موجودة، لكن تقتضي “الجرأة والشجاعة،” وهي تتمثل في إصلاح المؤسسات العمومية والنظام الجبائي والصناديق الاجتماعية وإصلاح الاقتصاد الذي ينخره الاقتصاد الموازي والتهرب الجبائي.

11