وزير الداخلية الكويتي يهدد الفاسدين بـ"ريتز" على الطريقة المحلية

حَسْمُ المعركة ضدّ ظاهرة الفساد التي استشرت في الكويت خلال سنوات الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وما تسببت فيه من تقييد لجهود الإصلاح ومنع لإحكام عمل المؤسسات ورفع كفاءة القوانين، أصبح بندا رئيسيا على أجندة السلطات القائمة حاليا والمستفيدة من غياب البرلمان وما كان يثيره من صراعات جانبية استفاد منها الفاسدون وناهبو المال العام.
الكويت- تعهّد وزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد اليوسف بانتهاج أقصى درجات الصرامة في محاربة ظاهرة الفساد ومحاسبة المتورّطين فيها محيلا على التجربة السعودية في هذا المجال.
وقال الوزير خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني إنّ لدى بلاده “ريتز” على طريقتها الخاصّة وذلك في إشارة إلى فندق بالعاصمة السعودية الرياض كان قد تحوّل سنة 2017 إلى مركز لاحتجاز العشرات من الأثرياء المتهمين بالفساد والإثراء غير المشروع بينهم أعضاء في الأسرة الحاكمة ومسؤولون كبار في الدولة تمهيدا لمحاسبتهم وإجراء تسويات مالية مع عدد منهم تمّ بفعلها استرجاع مبالغ كبيرة إلى خزينة الدولة.
وعانت الكويت بدورها خلال سنوات سابقة من استشراء ظاهرة الفساد ونهب المال العام وظلت تشهد تفجّر قضايا كبيرة تورّط فيها موظفون عامون ومسؤولون حكوميون بينهم أعضاء في الأسرة الحاكمة.
الشيخ فهد اليوسف: هناك أخبارا مفرحة لأهل الكويت تتعلق بمكافحة الفساد معلنا عن قيام السلطات خلال الأيام الأخيرة باستدعاء مسؤولين وحجزهم في المباحث الجنائية
واكتست الظاهرة في الكويت طابعا استثنائيا حيث تعاظمت في ظلّ وضع سياسي استثنائي تميّز بكثرة التوترات والصراعات بين الحكومات والبرلمانات المتعاقبة وذلك بسبب تضخّم سلطات أعضاء مجلس الأمّة التي كثيرا ما كانوا يستخدمونها في غير موضعها الصحيح ويحوّلونها إلى وسيلة لمنع الإصلاح وإحكام تنظيم مؤسسات الدولة وقوانينها وذلك حفاظا على امتيازات لهم وللجهات التي يمثلونها ويعملون لمصلحتها.
وأصبح باب الإصلاح مشرعا على مصراعيه في الكويت منذ قيام أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في مايو الماضي بحلّ البرلمان وتعليق العمل بمواد في الدستور لفترة محدّدة زمنيا بأربع سنوات بدا أن السلطات قد انطلقت خلالها في ما يشبه سباقا ضدّ الساعة لفتح أعقد الملفات الإصلاحية وحسمها بشكل جذري وحاسم.
وبدا أن وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف بما عرف عنه من حرص وصرامة، شخصية محورية في عملية الإصلاح المنشودة وهو ما انعكس في توليه أحد الملفات المعقّدة والحساسة والتي تعذّر فتحها خلال سنوات الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويتعلّق الأمر بملف الجنسية الكويتية التي تقول السلطات إنّ الآلاف من حملتها حصلوا عليها بغير وجه حق، ولذلك بادرت بسحبها منهم.
وقال الشيخ فهد إن الملاحقة القانونية جارية للعديد من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم فساد مشيرا إلى توقيف الكثيرين من أعلى المناصب بينهم وزراء ونواب وقضاة سابقون، ومعلنا في نفس الوقت عن توجّه نحو فتح ملف مشاهير السوشيال ميديا مجدَّدا للتأكد من سلامة وقانونية المبالغ المالية الكبيرة التي اكتسبوها.
وكان الوزير الذي يشغل أيضا منصب النائب الأول لرئيس الحكومة يتحدّث لبرنامج على تلفزيون الرأي ومنصة رود، مشبها الحملة الكويتية على الفساد بما كان قد حدث في السعودية ومشيرا إلى أنّ الكويت لديها أيضا ريتز لكنه بنوعية مختلفة ومشدداً على أنه “لا أحد معفي من دخول الريتز“.
وسبق للكويت أن أخضعت بالفعل مسؤولين كبارا بينهم وزراء من الأسرة الحاكمة للمحاسبة القضائية في ملفات فساد واتخذت بشأنهم قرارات ردعية وإجراءات عقابية.
وفي يناير الماضي قررت محكمة الوزراء حبس وزير الداخلية السابق الشيخ طلال الخالد أربعة عشر سنة بعد إدانته بتهمة اختلاس مبالغ من أموال وزارتي الدفاع والداخلية مع إلزامه برد المبالغ المختلسة وما ترتب عنها من غرامة.
◄ ملفات أثرياء السوشيال ميديا المغلقة أعيد فتحها من جديد لمعرفة كيف حصلوا على الملايين بكل تلك السرعة
ولم تكن تلك المرّة الأولى التي يمثل فيها شيوخ من الأسرة الحاكمة في الكويت أمام القضاء بتهم فساد إذ سبق لرئيس الوزراء الأسبق الشيخ جابر المبارك الصباح أن حوكم في قضية عرفت بقضية صندوق الجيش التي حوكم فيها أيضا وزير الدفاع الأسبق الشيخ خالد الجراح الصباح وحكم عليه بالسجن.
وقال الشيخ اليوسف إنّ هناك أخبارا مفرحة لأهل الكويت تتعلق بمكافحة الفساد معلنا عن قيام السلطات خلال الأيام الأخيرة باستدعاء مسؤولين وحجزهم في المباحث الجنائية بوزارة الداخلية والتحقيق معهم في قضية فساد وستتم إحالتهم إلى النيابة العامة ثم إلى القضاء. وأضاف قوله إنّ القانون يطبق على الجميع وإن السجن يضم حاليا عددا ممّن كانوا يتقلدون أعلى المناصب في البلاد، بينهم وزراء ونواب وقضاة سابقون ومديرون ومن كل فئات المجتمع، ومتوعدا بأن يأتي الدور على جميع المنخرطين في الفساد إذ “لا أحد اليوم معفى من المساءلة.. وكل منصب وكل مسؤول تلوث بقضية فساد سيأتيه الدور“. كما توعّد بالمضي في مسار المحاسبة ومواجهة الظاهرة وأصحابها دون التقيد بمدة زمنية، موضّحا “كل يوم لدينا قضية غسيل أموال كبيرة أو صغيرة يتم تحويلها إلى النيابة، بينما ترسل لنا وحدة التحريات المالية أشخاصا ومجموعات متهمين في قضية غسيل أموال.”
وبشأن شمول مشاهير السوشيال ميديا بالمحاسبة على الثراء غير المشروع، أوضح الشيخ فهد الوسف “هذا الموضوع فتحناه من جديد وكل واحد من هؤلاء معرض للمساءلة اليوم، ويتم حاليا استدعاء مشاهير للتحقيق معهم، ليس فقط لفترة من الفترات، بل حتى المسائل التي أغلقت سابقا، فأنا أريد فتح ملف كل واحد منهم من يوم مولده وإلى اليوم الذي أصبحت عنده ملايين وكيف أصبحت عنده تلك الملايين بهذه السرعة وهذا الأسلوب.”
وتطرّق وزير الداخلية الكويت إلى ملف الجنسية الذي يتولّى شخصيا قيادة عملية واسعة النطاق لحسمه بشكل نهائي مؤكّدا أن قرار فتح الملف مرده إلى أن الكويت كانت مختطفة وأن هناك جنسيات مختلفة دخيلة على المجتمع الكويتي في حياتها ولغتها وطبعها وعلاقاتها الاجتماعية، فضلا عن الاختلاط في الأنساب، مشددا على أن الكثير من المزورين حصلوا على جنسيات مقابل مبالغ مالية دفعوها لأشخاص كويتيين.
وأشار إلى أنه بعد الانتهاء من ملفات “المادة 8” الخاصة بالأجنبيات المتزوجات من كويتيين تم الانتقال إلى ملفات “الأعمال الجليلة” حيث يجري التدقيق في كل ملف منها، كما سيتواصل العمل مع ملفات المزورين والمزدوجين.
الشيخ فهد اليوسف: الملاحقة القانونية جارية للعديد من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم فساد مشيرا إلى توقيف الكثيرين من أعلى المناصب بينهم وزراء ونواب وقضاة سابقون
ويشار بعبارة “الأعمال الجليلة” إلى الأشخاص الذين حصلوا على جنسية البلاد على أساس أنهم قدّموا خدمات استثنائية للبلد، لكن السلطات عادت مؤخّرا للتثبت في حقيقة ما قدموه وما أنجزوه بالفعل في ظل شبهات كثيرة على أن هذا العنوان لم يكن سوى غطاء وهمي استخدمه بعض المتنفذين لإسناد الجنسية لعدد من معارفهم وأصدقائهم حتى يستفيدوا من الامتيازات الكبيرة المتوفرة لحَمَلة الجنسية الكويتية.
وأوضح الشيخ اليوسف أنّه لن يتمّ إلغاء بند الأعمال الجليلة من مسوّغات منح الجنسية الكويتية، موضحا أن ما يجري هو تدقيق المقاييس وضبط المفاهيم، فمن عمل بالبلد مهما كانت كفاءته واختصاصه وتقاضى أجرا على عمله لا ينطبق عليه هذا البند.
وبشأن ما يثار من محاذير وتبعات اجتماعية قد تنجم عن حملة سحب الجنسية شدّد الوزير على أن القرارات المُتخذة في هذا المجال مدروسة بعناية، وأنه يتم النظر حتى في التداعيات اللاحقة لتنفيذها وتوفير الحلول اللازمة لذلك، موضحا أن المتزوجة من كويتي التي سحبت منها الجنسية ستأخذ امتيازات بشرط أن يكون ملفها الأمني نظيفا.
واستدرك الوزير بالإشارة إلى أنه في انتظار الفرز بين من ملفاتهن نظيفة وغير ذلك تقرّر منح جميع من سحبت منهم الجنسية مجموعة من الامتيازات.
وفي موضوع لصيق بإحكام مؤسسات الدولة وقوانينها كشف الشيخ فهد اليوسف عن أن العمل جار لإنشاء هيئة مستقلة للجنسية مبينا أنها ستكون كيانا مستقلا وذا صلاحيات وأن التصور حول هذه الهيئة بين يدي إدارة الفتوى والتشريع (تابعة للحكومة) لبحث الشكل الذي يجب أن تكون عليه والصلاحيات التي تتمتع بها.