"تأملات" حيدر شنين مشاهد فلكلورية من البيئة العراقية

لوحات زاخرة بالرموز التعبيرية والألوان والقضايا.
الاثنين 2025/03/03
تأثر بالتشكيل العراقي

يستكمل الفنان التشكيلي حيدر شنين تجربته الفنية المعاصرة بالغوص في عوالم الحضارة العراقية الضاربة في القدم، يستعيد رموزها وألوانها إلى جانب تأملاته وذكرياته الخاصة مع شخوص وأحداث من الواقع الراهن. كل هذه الأفكار يجمعها الفنان في أحدث معارضه الذي يؤكد به مجددا على عراقيته إنسانيا وفنيا.

بغداد - في قاعة المعهد الثقافي الفرنسي بالعراق يقدم الفنان التشكيلي العراقي حيدر شنين اللامي معرضه الشخصي الجديد تحت عنوان “تأملات”، الذي يضم 25 لوحة جاءت لتروي مشاهد فلكلورية من واقع البيئة العراقية، الزاخرة بالرموز الجمالية والتعبيرية منذ القدم.

حيدر شنين فنان حاول الاستفادة القصوى من بعض الأساليب الفنية السابقة في المشهد التشكيلي العراقي، وبلورتها في بوتقة أسلوبه الفني المتميز به، والذي يحاول جادا أن يستقر عليه، كونه أسلوبا متوازنا مع أفكاره التعبيرية التي يستلهمها من واقع المجتمع العراقي المغمس منذ القدم بأجمل الصور الشعبية اليومية والشاخصة حتى يومنا هذا، حيث الاختزال والألوان الشفافة والمعالجات التكوينية في المنظور الأفقي.

ومن أجمل ما قرأت عن تجربة شنين هذه، ما كتبه الناقد التشكيلي مهدي حسن، حين قال “يصر حيدر شنين على طبع منجزه التشكيلي بطابع عراقي خالص، وشكلت البيئة المحلية العراقية موضوعات ومفردات أساسية في أعماله وتجربته الفنية ومدى تأثيرها على أسلوبه وألوانه وأشكاله.”

المظاهر البصرية داخل اللوحة تتجلى في علاقة بين البصري والجمالي بوصفهما وسيلتين يستخدمهما الإنسان لإعادة بناء عالمه

ويوضح أن “الفنان عمل على استلهام المورث الشعبي والتراث والفلكلور العراقي مع حضور كبير للمرآة في أعماله. وعمل الفنان على المزج بين الواقعية مع مقاربات تكعيبية وتعبيرية واستلهام واضح لحركات وشخوص الواسطي والمدرسة البغدادية في الرسم، أي نوع في الأساليب، فالشخوص والأشكال رسمت بطريقة الخطوط الدقيقة والمرنة التي أخذت شكلا فنيا وجماليا مبنيا على أساس التوزيع اللوني المبهر والتوازن بين العناصر. وكذلك تميزت أعماله بقوة الشكل واللون من ناحية الانسجام أو التباين اللوني، فنان يستوحي موضوعاته من محيطه ضمن المعالجة الأسلوبية الفنية وبأشكال زخرفية وتنقيطية متناغمة ومتفاعلة بصريا وأسلوب واضح في الإنشاء من حيث البناء الفني المحكم والشكل والتكوين الرصين.”

حيدر شنين اللامي فنان يشتغل على أفكار متنوعة ضمن تجربة فنية معاصرة تتناول القضايا الإنسانية التي ميزت تجربته بخطابها التشكيلي التعبيري ذي القيمة اللونية والجمالية التي تثير الدهشة لدى المتلقي.

كما كتب الناقد مهند الداوود عن تجربة اللامي، فقال “تأخذ الفنون وضعها الخاص في حياة الإنسان، إذ تشكّل طرائقه المتفرّدة والمختلفة من حيث طبيعة وسائطها وبنائها واشتغالها الدلالي. فهي أنماط تعبيرية تقدّم تصوراته عن ذاته وعالمه، ما يجعلها صياغة للتجربة الإنسانية، بوسائط متعددة بصرية أو لفظية أو سمعية، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار التداخل الأجناسي الذي يشهده الإنتاج الإبداعي المعاصر، من خلال التجريب بابتكار بعض الأجناس الفنية أو استدعاء تقنيات بصرية داخل العمل كما يظهر ذلك في استخدام التقنيات السينمائية داخل الشعر والرواية.”

لا تخرج اللوحة عن ذلك حيث تستند إلى اللون لتعيد تشكيل عالم بديل عن العالم الواقعي، أو بعبارة أخرى ينسج اللامي واقعا خاصا وفق منظور هيئة مدركة وساردة للعالم الحكائي. ومهما اختلفت الوضعيات التي تتخذها هذه الهيئة فإن طبيعتها التخيّلية لا تكسر الرابط الذي ينشأ بينها وبين الأشياء والمرئيات؛ لأن استعمال الإنسان للون يجعله يستبدل عالم الأشياء بالعلامات، فيقع داخلها ويبني عليها تصوراته.

تكوينات فنية رصينة
تكوينات فنية رصينة

لا تملك الرواية الطبيعة التصويرية التي يمتلكها الرسم، لكنها تقوم على الازدواجية التي يصنعها تداخل السرد واللون معا في صناعة عناصر العمل، الأمر الذي يجعل تتبع نقل المرئيات وتصويرها متاحا في هذه المدونات وإن كان ذلك يمر من التشكيل الجزئي إلى اللوحة العامة تبعا لطبيعة أسلوب حيدر. كما يتيح البحث في العلاقات التي تقوم بين اللون والتعبير وفاعليتها في إثارة العواطف أو تكثيفها.

يجعلنا هذا الأمر نعود إلى العلاقة القائمة بين العالم المرئي والذات المدركة من جهة، وعلاقة العالم المرئي والإدراك باللون من جهة أخرى، من أجل فهم الطريقة التي تتجلى بها المظاهر البصرية داخل لوحة حيدر شنين، في علاقة متفردة بين البصري والجمالي بوصفهما وسيلتين يستخدمهما الإنسان لإعادة بناء وترتيب عالمه، وهي مباحث أولتها الفلسفات أهمية خاصة، والفلسفة الظاهراتية (فلسفة الظواهر) على وجه التحديد، فقد لا يظهر الواقع المادي في هذه الحالة إلا عندما يكون واقعا في حيز إدراك الإنسان ووعيه به.

الفنان حيدر شنين (حيدر علي اللامي) ولد في عام 1976، وهو رئيس مجموعة ريشة ولون العالمية، وعضو نقابة الفنانين العراقيين، وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، أقام سبعة معارض شخصية فضلا عن مشاركاته العديدة في المعارض والمهرجانات داخل العراق وخارجه، ويعمل مدرب رسم في وزارة الشباب، كما سبق أن عمل مدرس رسم في لبنان، وهو حاصل على لقب أفضل فنان عربي في بريطانيا.

15