الإقبال على دراسة التعليق الصوتي في مصر قد لا يحقق أهدافه

على غرار بقية البلدان العربية بات التعليق الصوتي مجالا مزدهرا في مصر، وإن كان مؤهلا للتطور أكثر فإنه يواجه نقصا في المعلقين الصوتيين المتمكنين، وهذا ما تسبب في الإقبال على ورشات تعلم فن التعليق الصوتي، لكن بعض هذه الورشات لا تقدم للمقبلين عليها إلا الوهم، بينما يبقى عالم التعليق محتاجا إلى المواهب الجديدة.
القاهرة - انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة ورش التدريب على التعليق الصوتي، وهناك كثيرون يقبلون على دراستها بشكل مثير للاهتمام، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار استخدام هذا الفن إلى حد الهوس به.
وسهلت المنصات المتعددة الأمر لكل من يرغب في استخدام صوته، باعتبار أنه لا يحتاج سوى إلى ميكروفون ومنصة إلكترونية، لكن في حقيقة الأمر هناك صعوبات تواجه العاملين في هذا المجال، وفي النهاية البقاء للمحتوى الجيد.
ورشات التدريب
يختلف التعليق الصوتي عن فن الدوبلاج، فالأول يتم تسجيل الصوت أولًا ثم صناعة المشهد، والثاني يتم تصوير المشهد ثم تسجيل الصوت وتركيبه على المشهد بأي لغة.
ويسمى التعليق الصوتي بأكثر من اسم مثل “التعليق بعيدًا عن الكاميرا” أو “بعيدًا عن المسرح”، ويُستخدم في أمور عدة، منها الإنتاج التلفزيوني والإذاعي ومقابلات كرة القدم والأفلام الوثائقية والكرتون والفيديو والتقارير الإخبارية والإعلانات.
ويتميز المعلق الصوتي بحبال صوتية قوية، يستطيع بها أن يشكل نبرة صوته كيفما يشاء، وتزداد مهارته كلما ازدادت خبرته، ويحرص بعض المعلقين على تناول وجبات خفيفة من الفاكهة والابتعاد عن الوجبات الدسمة قبل التعليق الصوتي حتى يتم تقليل الأًصوات الغريبة التي تصدر عند الكلام.
يقول المخرج الإذاعي ومدرب الفويس أوفر عمرو دياب لـ”العرب” إن الشباب بدأوا يقبلون بشكل لافت على الورش التدريبية لتعليم التعليق الصوتي أو “الفويس أوفر” مؤخرا، بهدف الشهرة والرغبة في الانتشار، ولديهم الكثير من الأحلام، ويتخيلون أنه بمجرد إنهاء الورشة التدريبية ستُفتح أمامهم أبواب الفرص على الفور.
ويضيف أنه مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ذاع صيت المحتوى المسموع، وكان في السابق لا يتعدى المحتوى الإذاعي، والآن تعددت أنواعه، من قنوات على اليوتيوب وتطبيقات تقدم محتوى مسموعا على المنصات، وغالبًا ما يكون مسموعا ومرئيا في نفس الوقت، مثل “البودكاست” الذي تغلب عليه الصبغة الشخصية في تقديم محتواه، وأصبح الجمهور سريع الملل لكثرة ما يُقدم له، فمن السهل أن يشتري أحدهم ميكروفونا ويستخدم كاميرا هاتفه ليبدأ في تقديم محتوى.
ويؤكد دياب أن المحتوى الجيد والمتنوع الذي يصر صاحبه على استمراره بجدية ينتشر وينجح، ويمكن أن تحقق المحتويات الساذجة والتافهة رواجًا، لكن تكرارها يؤدي إلى ملل الجمهور منها وتركها.
وتكتظ وسائل التواصل الاجتماعي بالدعاية لورش التدريب على التعليق الصوتي، وتتراوح أسعارها بين مئة ومئتي دولار، وبعض الفئات غير قادرة على تحمّل تكاليفها.
توضح نداء حمدي، وهي إحدى الحالمات بأن تكون قارئة نشرة ومعلقة صوتية في قنوات مثل ناشونال جيوغرافيك، أن البعض قد يستغل ورش التدريب على التعليق الصوتي كوسيلة للاحتيال أو النصب واستقطاب الشباب والفتيات، واصطيادهم من مواقع التواصل الاجتماعي بالدعاية الجاذبة، واستخدام التشويق واللعب على سهولة إيجاد فرصة عمل بمجرد الانتهاء من الدورة، وقد يكون الأمر دعاية كاذبة، وينخدع المشترك ويخرج بخُفي حنين من دون تعلم أو تدريب حقيقي.
وتقول لـ”العرب” إنها التحقت مرة بورشة تدريبية على يد مذيع مشهور، كلفتها نحو 300 دولار كقيمة للاشتراك فيها، و”وعدنا بأن المتميزين سيعملون معه في برنامج على إحدى المحطات الإذاعية الشهيرة، لكن انتهت الورشة ولم يمنح أي شخص فرصة كما وعد،” وربما يكون التعلم عن بُعد ناجحًا للغاية، من خلال يوتيوب وبشكل مجاني، فهي استمعت وشاهدت الكثير من المقاطع الصوتية لمعلقين عرب وأجانب وكانت الاستفادة منها كبيرة.
ويذكر خالد الناجي أنه انضم إلى ورشة تدريبية مع المذيع أسامة منير واستفاد منه كثيرًا، وتم تدريبه على يد الإذاعية الكبيرة إيناس جوهر، ووقع أيضا في فخ ورش النصب والاحتيال، لكنه كان واعيًا ولم يكن يدفع كل التكاليف مرة واحدة.
ويشير لـ”العرب” إلى أنه بعد عامين من التدريب استطاع أن يحصل على فرص في الإذاعات التي تُبث على الإنترنت، ثم اشترك في التعليق الصوتي لبعض الفيديوهات على يوتيوب، ولا يعتمد على دخل التعليق الصوتي فقط، إذ يعمل مدرسًا للغة العربية.
وهناك معلقو صوت كثيرون نجحوا رغم صغر سنهم، واستطاعوا تقديم محتوى جيد والمشاركة في أعمال فنية تعتمد على الموهبة في التعليق الصوتي.
تقول مقدمة التعليق الصوتي الممثلة الإذاعية مروة رباني، وتشارك في مسلسل إذاعي سيتم تقديمه في رمضان المقبل، إنها اكتشفت موهبتها بالصدفة حينما كانت طفلة، ووجدت نفسها تحب تقليد الأصوات، وكان الاكتشاف الحقيقي حينما سمعها شخص ما وقال لها إن صوتك يصلح للتعليق الصوتي، فأخذت الأمر بجدية وطورت موهبتها بالاستماع إلى تسجيلات لمحترفين وتقليدها، ثم التحقت بورش تدريبية.
وتلفت في حديثها لـ”العرب” إلى أنها كانت تعتقد أن الأمر لا يحتاج سوى صوت جيد لتدخل هذا العالم، وواجهتها تحديات مثل تعلم الإحساس مع أداء النص، وفي البداية وجدت صعوبة في الحصول على فرصة عمل، ومع الوقت والتدريب وتطوير قدراتها باتت محط أنظار البعض في هذا المجال، ومطلوبة لمشاريع عدة للتعليق الصوتي.
مجال مزدهر
تقول معلقة الصوت لمياء نجيب، وهي تمارس هذا العمل منذ أربع سنوات، إنها بدأت بتعليم نفسها عن طريق يوتيوب وبعض الورش المجانية، ثم التحقت بدورات تدريبية، وهناك عدد لا بأس به يلتحق بها أملا في الشهرة والمال، بعد أن ذاع صيت البودكاست والفيديوهات التي تحتاج إلى تعليق صوتي وتدر ربحا ماديا جيدا.
وتكشف لـ”العرب” أن الكثيرين ممن يبدأون في عمل بودكاست بعد فترة يبيعون أدواتهم عقب فشلهم، لأنهم بلا موهبة، ومحتواهم فقير، ويكتشفون أن مسألة الربح المادي بالشكل الذي توقعوه غير حقيقية، فينسحبون، ومن يستمر بالفعل ربما يحقق مكسبًا أدبيًا وماديًا ويقدم محتوي جيدا وذا منفعة للناس.
ولم تحصر لمياء نفسها في لون معين من التعليق الصوتي بل اشتغلت في التعليق الصوتي لروايات وفيديوهات والدعاية على السوشيال ميديا وقدمت مشورة إلى كثيرين.
ويشدد المخرج عمرو دياب في حديثه لـ”العرب” على أنه كلما زاد عدد المقبلين على ورش التعليق الصوتي زاد عدد المحتالين الذين يتاجرون بأحلام الشباب، وهو كمدرب للتعليق الصوتي صريح للغاية مع الشباب فيما يخص توفير فرص عمل لهم عقب انتهاء الورشة، ويمنحهم نصائح في ما يخص موهبتهم وتطويرها ونقاط ضعفهم وكيفية العمل على تجنبها.
ويؤكد أن كثيرين لا يكتفون بورش التدريب على التعليق الصوتي، وهو يعرف شبابا يصقلون موهبتهم بشكل جيد، فمع تلقي التدريب على التعليق الصوتي يقومون بدراسة اللغة العربية بشكل متقن لتعلم النطق الصحيح، لأن المحتوى المبذول فيه جهد ينجح، بينما الساذج والمبتذل لو نجح لفترة فلن يستمر طويلا.
ويزداد عدد الراغبين في العمل كمعلقي صوت بشكل يصل إلى حد الهوس، وتقف وراء ذلك عوامل نفسية، تقول عنها المعالجة النفسية سارة حجازي “كانت في الماضي أصوات قليلة، ولم يكن الجميع يستطيعون التعبير عن أنفسهم عن طريق الصوت، ومع ظهور المنصات أصبحت الأصوات كثيرة، لأن الناس يريدون التعبير عن أنفسهم، ووجدوا فرصة في القنوات التي تسمح بذلك، وهذا لم يكن متاحا من قبل، فالأشخاص الذين يعانون من الخجل والتوتر ينجحون في استخدام الصوت لأن وجوههم لا تظهر.”
وتضيف حجازي لـ”العرب”: “رغم تعدد الأصوات إلا أنه لا يُفرض علينا الاستماع إلى الكم الكبير منها وعلينا الاهتمام بالصوت الذي يعبر عنه الشخص ويلمسه من الداخل، فالأصوات التي تستخدم محتواها في العلاج النفسي هي الأكثر رواجًا على السوشيال ميديا، لأن الناس يحتاجون إلى ذلك لكثرة الضغوط التي يواجهونها، وبالتالي يلجأون إلى سماع تعليق صوتي مريح وجذاب وصادق.”