مواقف متشنجة بين الدبيبة وصالح لعرقلة الجهود الأممية في ليبيا

اعتبرت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا أن تصريحات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الداعية إلى تشكيل سلطة جديدة تمهد لإجراء الانتخابات، تحمل طابعا جهويا وانفصاليا يفشل مساعي الوحدة والاستقرار في البلاد.
اتسعت دائرة المواجهة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبدالحميد الدبيبة ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح من خلال حرب مصطنعة عبر التصريحات المتشنجة والمواقف المتصلبة، بهدف عرقلة الجهود الأممية المبذولة حاليا للبحث عن منفذ لتمرير حل سياسي يخرج بالبلاد من نفق الصراعات الذي تم الدفع بها إليه منذ 14 عاما.
وسارعت حكومة الدبيبة بالرد على تصريحات أدلى بها صالح خلال مشاركته في اجتماع البرلمان العربي بالقاهرة السبت، ووصفتها بالجهوية، كما حملته مسؤولية عرقلة الانتخابات وتعطيل المسار الديمقراطي في البلاد.
وأعربت الحكومة عن رفضها الشديد لما اعتبرته مغالطات قانونية وسياسية، وردت في كلمة عقيلة صالح خلال اجتماع رؤساء مجالس النواب العربية في القاهرة، واعتبرت في بيان، أن تصريحاته لم تقتصر على الطابع الجهوي والانفصالي، بل أسهمت في تعزيز خطاب الكراهية، بما يتنافى مع مبادئ الوحدة الوطنية ومساعي الاستقرار في ليبيا.
وقالت الحكومة المنتهية ولايتها إن “من المؤسف أن يتحول أداء رئيس مجلس النواب إلى نهج أقرب إلى قيادة حزب سياسي فردي يحتكر قراراته، في حين أن العديد من أعضاء المجلس يتواصلون مع الحكومة ويبدون استياءهم وتبرؤهم من مواقف تعمّق الانقسام ولا تخدم مصلحة الوطن”، وأكدت أن جميع المؤسسات الحالية، بما فيها مجلس النواب، قد انتهت مدتها الدستورية وتستمد شرعيتها فقط من الاتفاق السياسي، وهي متساوية في ذلك، مشيرة إلى أن استمرار رئيس المجلس في فرض قوانين انتخابية معيبة وغير قابلة للتنفيذ كان السبب الرئيسي في إفشال انتخابات 2021، فضلا عن تقديمه طلبا رسميا إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لتعليق العملية الانتخابية.
وحمّلت الحكومة عقيلة صالح مسؤولية تاريخية عن فرض قوانين انتخابية، خاصة اشتراط التزامن بدلا من التلازم بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما أدى إلى إطالة أمد الأزمة السياسية وتأخير الاستحقاقات الانتخابية التي ينتظرها الشعب الليبي، وجددت التزامها برفض أي خطاب تقسيمي أو محاولات لإعادة إنتاج أزمات الماضي، مؤكدة أن هذه المقترحات لا تعبر عن إرادة الشعب الليبي، بل تخدم أجندات خارجية لا تصب في المصلحة الوطنية.
وكان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح أوضح أن من مصلحة ليبيا “تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تتولى العمل على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية”، وقال في كلمته أمام المؤتمر السابع لرؤساء المجالس والبرلمانات العربية بمقر الجامعة العربية بالقاهرة، إن قوانين انتخاب رئيس الدولة والبرلمان صدرت عن طريق لجنة 6+6، المشتركة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، مشيرا إلى تأكيد مبعوث الأمم المتحدة ومجلس الأمن على أنها “صالحة لإجراء الانتخابات المؤجلة”.
وطالب صالح بمساندة مجلس النواب لممارسة مهامه التشريعية، داعيا إلى وقف التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، بوصفها سلطة تنفيذية انتهت المدة المحددة لها بالمرحلة التمهيدية، وسحبت منها الثقة وتفتقر للشرعية.
وأبرز صالح في كلمته أن 85 في المئة من الأراضي الواقعة تحت سلطة مجلس النواب، والحكومة المنبثقة عنه، وتحت حماية قوات الجيش الوطني، تشهد حالة تنموية نادرة مقارنة بالظروف التي مرت بها البلاد وخاصة بعد عاصفة دانيال في سبتمبر 2023.
ودعا عقيلة صالح إلى مساندة مجلس النواب في ممارسة مهامه التشريعية ومطالبة الحكومات بوقف التعامل مع حكومة الدبيبة، التي وصفها بـ”سلطة تنفيذية انتهت المدة المحددة لها.. وتفتقر للشرعية التي تتخذها الحكومة من الشعب عن طريق نوابه”، مردفا “فشلت هذه السلطة في المهمة التي جاءت من أجلها وإن من مصلحة ليبيا تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تتولى العمل على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لاسيما أن قوانين انتخاب رئيس الدولة والبرلمان قد صدرت عن طريق لجنة 6+6.”
ومن جانبها، أعربت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، عن تأييدها لتصريحات رئيس المجلس التي قالت إنها تستهدف الحفاظ على وحدة ليبيا واستقرارها تحقيقا للجهود الإقليمية والدولية في الوصول إلى حلول مبنية على أسس سليمة للأزمة الليبية، داعية إلى “إجراء انتخابات حقيقية ونزيهة تعبر عن إرادة الشعب.”
وشدد بيان حكومة حماد على “موقفها الثابت بشأن وحدة ليبيا، وتماسك نسيجها ومكوناتها الاجتماعية، وسعيها المستمر لإنهاء حالة الانقسام، وترسيخ الشرعية الدستورية.”
رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح يؤكد أن من مصلحة ليبيا تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تشرف على إجراء انتخابات
وتابع أن مجلس النواب “هو الأساس لأي حل سياسي باعتباره الممثل الشرعي المنتخب والمعبر عن إرادة الشعب”.
وأكدت حكومة الاستقرار التي تتخذ من بنغازي مقرا لها، دعمها التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، للوصول إلى حل ليبي – ليبي، داعية المجتمع الدولي إلى دعم تطلعات الشعب الليبي نحو دولة ديمقراطية.
وأعرب مراقبون عن استغرابهم من مسارعة الدبيبة إلى الرد على عقيلة صالح رغم أن الطرفين اعتادا على التصريحات النارية التي تحمل في طياتها معاني الإقصاء والإلغاء ومحاولة تهميش الطرف المقابل وترذيله ونزع الاعتراف عنه.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي عيسى عبدالقيوم أنه لا يوجد سبب قانوني أو سياسي لاعتراض حكومة الدبيبة على تصريح رئيس البرلمان، وقال “لم أجد سببا قانونيا أو سياسيا لاعتراض حكومة الدبيبة على تصريح رئيس مجلس النواب وإطلاق العنان لوسائل إعلامها لخلق أزمة حُشرت ضمن مفرداتها كلمتا جهوي وانفصالي بشكل تعسفي.”
وأضاف عبدالقيوم “خلاصة ما طالب به رئيس مجلس النواب هو وقف التعامل مع حكومة انتهت مدتها القانونية وسحبت منها الثقة.. وهذا حق أصيل له وفق الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، وطالب أيضا بحكومة جديد تقود انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة.. وهذا يعني تجديد الشرعية عبر الصندوق وإرجاع الأمانة إلى الشعب صاحب السيادة”، متسائلا “ما الذي أغضب حكومة الدبيبة يا ترى؟”
ويشير المراقبون إلى أن الخطر الحقيقي يتمثل في وجود رغبة واضحة لدى طرفي النزاع في طرابلس وبنغازي بعرقلة الجهود الأممية الحالية والعمل على تكريس حالة الانقسام السياسي والاجتماعي وتغليب المصالح الشخصية والفئوية والجهوية على المصالح الوطنية العامة.