خلافات بين وزير العدل والمحامين في المغرب تنذر بسحب قانون المحاماة

الرباط - هدد وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي بسحب مشروع قانون مهنة المحاماة، نظرا إلى استمرار الخلاف حول عدد من مضامينه بين جمعية المحامين وجهات أخرى لم يسمّها، مضيفا، أنه “بكل صراحة، لا أعتقد أن قانون المهنة سيرى النور، وإذا استمر الخلل، فسأسحبه، لأن لدي قضايا أخرى يجب حلها.”
وقال وهبي، خلال يوم دراسي نظمته لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، حول مشروع القانون المدني، إن المحامي يجب أن يحصل على حقوقه كاملة، لكن بالمقابل، يجب التشدد معه، لأنه لا يستحق ظروف التخفيف، بل ينبغي أن تكون هناك ظروف تشديد في مواجهته، باعتباره رجل قانون يعرف التشريعات ولا يجوز له الإخلال بها.
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن “هناك أمور يريدها المحامون، لكن هناك جهات أخرى ترفضها، دون أن يسمي تلك الجهات، وأنا لن أقضي وقتي في التوفيق بينهم، إذا تبين لي أن الخلل سيستمر، فسأسحب قانون المهنة، لأن لديّ قضايا أخرى أكثر إلحاحا، وإذا لم يتفاهموا، فلن يتفاهموا، وسأتخذ قراري وفق ذلك.”
ويبدو أن هناك اختلافات في وجهات النظر بين هيئات المحامين أنفسهم، جعلتهم لم يعلقوا على تصريحات الوزير التي جاءت في وقت يثير فيه مشروع قانون المحاماة جدلًا واسعًا بين مختلف العاملين في قطاع المحاماة، وسط مخاوف من أن يؤدي تطبيقه إلى تقليص حقوق المحامين أو المساس بممارستهم المهنية. ورغم محاولات وزارة العدل لتقديم مبررات قانونية وسياسية لدعم المشروع، إلا أن الانقسامات داخل الوسط المهني قد تظل عقبة أمام التوافق النهائي.
وناقش الطرفان خلال الأسابيع الماضية بخصوص مشروع قانون المهنة المقترحات التي تهم نقاطا خلافية بالدرجة الأولى، بما فيها استقلالية المهنة وعلاقة المحامين بالقضاة، فضلا عن تمثيلية النساء داخل هيئات المحامين، الأمر الذي يتطلع المحامون إلى “ترجمته بشكل واضح خلال صياغة مشروع هذا القانون،” مستبعدين في السياق نفسه “تكرار النقاش الذي كان مسبقا حول مشروع المسطرة المدنية.”
وكان عبداللطيف وهبي، وزير العدل، قد أكد في وقت سابق داخل مجلس النواب توصّله إلى اتفاق مع المحامين بخصوص مسودة قانون المهنة، في وقت لفت فيه إلى “انتظار رأي جهات أخرى،” كما أشار وقتها إلى قرب إحالة مجموعة من مشاريع القوانين على البرلمان، غالبيتها تهم المهن القانونية.
وكانت جمعية هيئات المحامين قد اتخذت قرارا مفتوحا في نوفمبر الماضي بالتوقف التام عن مهام الدفاع، وذلك بسبب المقتضيات التي تضمّنها مشروع القانون المدني والجنائي، والقانون المنظم لمهنة المحاماة والتي اعتبرها المحامون “ردة تشريعية وخرقا للمقتضيات الدستورية.”
وقال رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب الحسين الزياني إن “المطالب التي يرفعها المحامون، في تحسين الظروف المهنية للمحامي المغربي، وضمان ممارسة مهنية سليمة تعتمد على قوانين حديثة تتماشى مع تطورات البلاد، ما تتضمن الاهتمام بالجوانب الاجتماعية للمحامين، بالإضافة إلى الالتزامات المالية تجاه الخزينة العامة للدولة، والحل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة هو التجاوب معنا وفتح حوار حقيقي وجاد من طرف الجهات المعنية.”
ولفت الزياني في تصريح لـ”العرب” إلى “ضرورة تجسيد كل ما تم التوافق بخصوصه على مستوى النصوص القانونية التي تهم عمل المحامين، خصوصا قانون المهنة الذي أمددنا الوزارة الوصية بمقترحاتنا وتناقشنا حولها، إذ تهم نصا قانونيا يهمنا كمحامين، في وقت توجد مؤسسة برلمانية من اختصاصها التشريع، وسيكون لها دور في هذه العملية كذلك.”
وشدد الوزير على أنه لا قيمة لمشروع القانون الجنائي إذا لم يكن للمحامي دور رئيسي فيه، كما أن القانون الجنائي لا يمكن أن يكون ذا جدوى إذا لم يكن مرتبطا به، مشددا بالقول “إنني أؤمن بأن للمحامي دورا مهما، لكن يجب أن نكون صارمين في مواجهة أيّ إخلالات”.
وفي سياق متصل، أوضح وزير العدل أنه “لا يوجد أيّ طرف يتمتع بحصانة مطلقة، باستثناء من يتمتع بالامتياز القضائي وفق القانون فمن لا يمتلك هذا الامتياز، لا يحق له المطالبة بأيّ حصانة.”
وفي ما يتعلق باعتقال المحامي أو متابعته في قضايا عادية، أكد وزير العدل أنه “لا يمكنه المطالبة بحضور النقيب، إلا إذا كانت الجريمة مرتبطة بممارسته المهنية، ففي هذه الحالة، من حقه أن يحضر النقيب، لأن ذلك يدخل ضمن ضبط الممارسة المهنية. أما إذا كانت الجريمة خارج نطاق المهنة، فلا يمكنه الاستفادة من أيّ امتياز.”
ويعد تصريح وهبي مؤشرا على العودة إلى مربع الصفر في علاقات المحامين مع وزارة العدل بعدما تم في نوفمبر الماضي الاتفاق مع هيئة المحامين في المغرب، بمجلس النواب، على مأسسة الحوار بين الطرفين عبر تشكيل لجان لتدارس مشاريع القوانين المطروحة وفق جدول أعمال متفق عليه، حول باقي القضايا التي تعهد الوزير بمواكبتها مع الجهات المعنية.