تجربة المستقلين تمهد لسباق انتخابي ساخن في نقابة الصحافيين المصرية

القاهرة- تنتظر نقابة الصحافيين المصرية انتخابات ساخنة الشهر المقبل على مقعد النقيب ونصف أعضاء مجلس النقابة بعد التجربة الناجحة لتيار الاستقلال الذي قاد النقابة في الدورة الحالية التي بدأت قبل عامين، ما يدفع محسوبين على الحكومة للبحث عن استعادة المبادرة، خاصة أن قضايا الأجور وبدل التدريب والتكنولوجيا تتصدر اهتمامات الصحافيين، على عكس قضايا الحريات العامة واستعادة حضور النقابة سياسيا وإنعاش دورها الخدمي.
وبدأت نقابة الصحافيين المصرية، الأحد، تلقي طلبات الترشح لانتخابات التجديد النصفي على مقعد النقيب و6 من أعضاء المجلس وسط إقبال واسع من المستقلين الذين تغريهم تجربة النقيب خالد البلشي ومجلسه ويحتوي في أغلبه على ممثلين لتيار الاستقلال، ما يحمل أوجها عديدة لأن ذلك يقود إلى منافسة ساخنة، غير أن لعبة تفتيت الأصوات قد تكون حاضرة أيضا مع اكتمال المشهد الانتخابي.
ومن المقرر غلق باب الترشح، الخميس المقبل، وشهد اليوم الأول تقدم أربعة مترشحين على مقعد النقيب بينهم البلشي، مع توقعات بترشح آخر محسوب على الحكومة المصرية، ممثلا في رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق عبدالمحسن سلامة، كما ترشح على موقع العضوية 11 مترشحا أغلبهم من المستقلين، في ظل حظوظ أن يحافظ الجزء الأكبر من أعضاء المجلس الحالي على مقاعدهم بفعل ما تحقق في مجالات مختلفة خلال الدورة الحالية.
وقال سكرتير عام نقابة الصحافيين ورئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات جمال عبدالرحيم إن المجلس سيوجه الدعوة للجمعية العمومية للانعقاد في 7 مارس المقبل، للنظر في جدول الأعمال وإجراء الانتخابات، وفي حالة عدم اكتمال النصاب القانوني بحضور نصف الأعضاء على الأقل من إجمالي مَن يحق لهم التصويت يُؤجل اجتماع الجمعية العمومية إلى 21 مارس ويكون الانعقاد صحيحًا بحضور ربع عدد الأعضاء.
وتصدرت نقابة الصحافيين المشهد السياسي والمهني في العديد من المناسبات مؤخرا، وخاضت معركة ضد عدد من مواد قانون الإجراءات الجنائية ولم تربط الأمر بالمواد التي تتعلق بحريات الصحافيين لكنها شكلت جبهة داعمة للمحامين ونتج عن ذلك استجابة للجزء الأكبر من المطالب، كما أنها قدمت مساندة معنوية للفلسطينيين واستعادت زخم مبناها بوسط القاهرة في عدة فعاليات، إلى جانب دعم قضايا الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي.
وحافظت النقابة على مسافة جيدة مع الحكومة المصرية ومؤسساتها ولم تصل إلى مراحل الصدام التي كانت متوقعة مع فوز النقيب الحالي، ودشنت بعض الاتفاقيات الخدمية للأعضاء في مجالات الصحة والإسكان والتدريب، وعززت شراكتها مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المملوكة لجهات حكومية لرعاية مسابقة جوائز الصحافيين، وبدا أن النقابة تسير في مسار يتماشى مع أوضاع الحريات العامة وفي الوقت ذاته يجعلها أكثر فاعلية أمام أعضائها والمجتمع.
وأكد مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة بشير العدل أن عدد المترشحين لا يشكل المقياس الأوحد لشكل الانتخابات، وإن كان ذلك يعد أحد أوجه حسمها لصالح مترشحين بعينهم قد يستفيدون من مسألة تفتيت الأصوات، وسط توقعات بأن يتجاوز عدد المترشحين مع غلق باب الترشح أكثر من 60 مترشحا على مقعد النقيب وأعضاء المجلس، وهي نسبة تتجاوز الانتخابات السابقة التي وصلت إلى 51 مترشحا.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المؤشرات تسير باتجاه تقدم المزيد من المترشحين المحسوبين على تيار الاستقلال والمنتمين للصحف الحزبية والخاصة والمؤسسات القومية المملوكة للحكومة، وتراقب عن كثب ما يحدث على الأرض وقد تدفع أيضا بمترشحين من جانبها لإحداث التوازن المطلوب، مشيرا إلى أن وجود أربعة مترشحين على مقعد النقيب في اليوم الأول من الترشح مقدمة لتقديم مترشح قوي محسوب على الحكومة، وبالتالي فإن المنافسة على هذا المقعد لن تكون سهلة.
وأشار إلى أن الدورة المنتهية رسخت لمفهوم مهم مفاده بأن النقابة سيكون من الصعب عليها تحقيق مكاسب خدمية لأعضائها في حال لم تكن علاقتها جيدة بالمؤسسات الحكومية وأن تقديم خدمات يرضى عنها الصحافيون في حاجة إلى المزيد من التنسيق مع تلك المؤسسات، وهناك بعض الملفات التي لم ينجزها المجلس الحالي بسبب أنها لا تحظى بتوافق كامل بين النقابة والحكومة، وأن الصحافيين يقنعون بهذه المعادلة التي سيدور حولها فلك التنافس الانتخابي هذه المرة، وإذا كان التصويت العقابي هو من قاد البلشي إلى النجاح فإن ذلك قد لا يتحقق في الانتخابات المقبلة مع حاجة الأعضاء لزيادة بدل التدريب وتحسين الأجور.
وتلقي الأزمة الاقتصادية بظلالها على الانتخابات المقبلة والرغبة في تحسين أوضاع الصحافيين المعيشية قد تكون مسبّقة على قضايا الحريات العامة مع قناعة الصحافيين بأن النقيب الذي يكون على مقربة من الحكومة يستطيع أن يجلب لهم المزيد من المكاسب المادية، وهي نظرية لم تتغير مع توالي النداءات بضرورة زيادة بدل التدريب.
كما أن المحسوبين على تيار الاستقلال يعملون للتسويق على الأدوار الوطنية التي تلعبها نقابة الصحافيين على مر العصور ومكنتها من تحقيق مكاسب جيدة لأعضائها، وأن السبيل الأوحد لتحقيق المزيد من المكاسب يتمثل في تبنيها مواقف يمكن التفاوض من خلالها، والتأكيد على أن النقابة اختارت دوما ألا تكون مجرد مؤسسة تهتم بتقديم خدمات مادية أو مهنية وتدريبية لأعضائها، بل أضحت صوت الصحافيين وأصحاب الرأي في الدفاع عن قضايا حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.
وذكر نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن الجمعية العمومية بتركيبتها التي اختلفت في السنوات الماضية صاحبة القول الفصل وأن استعادة العقل الجمعي للصحافيين في لحظة تراجع النقابة التي سبقت الانتخابات الماضية كانت حاسمة في نجاح المجلس بتركيبته الحالية، إضافة إلى إعادة الاعتبار للعمل النقابي واستعادة البديهيات التي غابت لسنوات، وحضور النقابة في المجال العام، كذلك فالطفرات في التدريب والعلاج تؤكد على أن خيارات الصحافيين كانت صحيحة.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن ما تحقق في العامين الماضيين يمكن البناء عليه خلال الدورة المقبلة، وأن المؤشرات الأولية تشير إلى صعوبة تفريط الصحافيين في المكاسب التي تحققت على مستوى استعادة أدوار وأهمية نقابتهم وأن اختيار مترشحين لديهم رؤية جيدة لإصلاح النقابة وتعزيز حضورها سيكون حاضرا في الانتخابات المقبلة.
ولفت إلى أن وجود مجلس له نشاط ملموس من جانب الصحافيين دفع إلى تحسين أداء بعض أعضاء مجلس النقابة ممن لم يكونوا على المستوى الجيد قبل وصول البلشي إلى مقعد النقيب وأن وجود حياة تنبض بالحركة داخل النقابة جعل آخرين يقبلون التحدي وهو ما صب في صالح الصحافيين، فقد كنا أمام مجلس له رؤية ونقيب يتفرغ لمهمته، وأن ذلك انعكس على حالة الشهية المفتوحة للترشح إلى الانتخابات من جانب الصحافيين.
واختتم مجلس البلشي العام الماضي بعقد المؤتمر السادس للصحافيين، شارك فيه الآلاف من العاملين بالمهنة، وناقش قضايا الصحافة، وطرح حلولًا جديدة، غير أنها تبقى محل تساؤلات من جانب الصحافيين حول إمكانية تطبيقها على أرض الواقع خاصة في ما يتعلق بتعديل شروط القيد بجداول النقابة.