السعودية بوابة سوريا للانفتاح على العالم.. إنما بشروط!

الإعلان المفاجئ الذي لم يتم التمهيد له مسبقاً عن تسمية أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية ولمرحلة انتقالية مدتها غير محددة، لم يحل دون انتشار مظاهر الفرح في شوارع المدن السورية.
وبدا الوضع وكأن السوريين أجمعوا على أن الشرع هو الرجل المناسب لإنقاذ البلاد وإخراجهم من جحيم دام أكثر من ستين عاماً، شبعوا خلاله من شعارات تتحدث عن وحدة عزلتهم عن الحضن العربي، ورمت بهم في الجوف الإيراني والقبضة الروسية، وعن حرية انتهت بهم إما إلى السجون أو إلى الغربة أو إلى مخيمات اللجوء، وعن اشتراكية لم تترجم كما هو مأمول منها إلى تقاسم ثروات، وإنما انتهت بهم إلى تقاسم الفقر والخصاصة.
لم يكترث السوريون ولو للحظة للتوقف والتساؤل عن شرعية إسناد منصب الرئيس إلى الشرع. الشرعية اكتسبت منذ اللحظة التي أصبح فيها بوسع السوريين المنفيين خارج بلدهم، والذين يخشون العودة إليه، العبور عبر بوابات المطارات والحدود، بمجرد الاستظهار بجواز سفر يحمل اسمهم وصورتهم، دون أن يتعرضوا لسيل من الأسئلة مرفوق بالابتزاز والتهديد. وحل محل الخوف الذي ساد في عهد الرئيس المخلوع عبارة ترحيب تقول: “أهلاً بكم في بلدكم سوريا.”
◄ لم يخف الشرع والوفد السوري المرافق له الإعجاب بالرؤية الاقتصادية للمملكة ولكن القائد الجديد لسوريا يعلم جيداً أن المملكة لن تضع يديها حيث لا تستطيع أن تضع استثماراتها
أما السوريون الذين لم يجدوا وسيلة للخروج من سوريا، فقد شعروا بحجم التغيير الحاصل خلال شهرين فقط من سقوط النظام، بدءاً بسعر الدولار الذي انخفض من 15000 ليرة سورية إلى 8000 ليرة سورية خلال أسبوعين فقط، وتوفر الوقود والغاز في الأسواق، والتحسن التدريجي، وإن كان بطيئاً، في وصول التيار الكهربائي إلى المنازل. ورغم ضعف القدرة الشرائية، إلا أن السلع تملأ الأسواق.
بالنسبة إلى الشعب عرف عنه حب التجارة، فإن تحرير الاقتصاد وحرية التعامل بالعملات الأجنبية يعتبران هدية لا تقدر بثمن.
سينسى السوريون قريباً مشاهد الدمار والسجون والمقابر الجماعية التي نقلتها العدسات بعد تكتم إعلامي طويل، وسينسون الذل الذي شعروا به وهم ينتظرون كل شهر أجراً لا يكفي لشراء نصف كيلوغرام من اللحم، ومعاناة الحصول على ربطة خبز، وانقطاع التيار الكهربائي عنهم 23 ساعة يومياً. سينسون كل هذا، وستبقى صور الشرع، وهو يستقبل وفودا عربية ودولية يؤكد لها أن سوريا ستكون لكل السوريين، عالقة بأذهانهم.
أكثر من مرة، وقف الشرع على جبل قاسيون مع ضيوفه مطلاً على دمشق، في رسالة ترجمتها: هذه دمشق، أقدم مدينة في التاريخ، وقد تحررت أخيراً من ظلمة ستين عاماً، ومن حقها علينا أن نعيد إليها مجدها من جديد. العالم تغير، لا جدوى من صناعة الحروب. علينا أن نتعلم كيف نصنع السلم والأمن والرخاء.
ولا يشك السوريون اليوم في نوايا الشرع ونوايا الحكومة الانتقالية التي وعدت بالانتقال بالبلد نحو الديمقراطية وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان.
الحوادث المتفرقة والتجاوزات التي تقوم بها بعض الأطراف لن تشوش على التغيير. هي جزء من مخاطر الولادة الجديدة التي تشهدها سوريا. ما يهم هو أن يكتمل المشوار، وهو لن يكتمل إلا بوقوف دول الجوار ودول العالم مع سوريا وشعبها.
◄ إذا كانت عين الرياض ومعها دول الخليج على الوضع الأمني في سوريا، فإن عين الشرع ورفاقه على الاقتصاد
منذ الأيام الأولى، أشار الشرع إلى أن للمملكة العربية السعودية هوى خاصاً في قلبه، فالرياض هي مسقط رأسه. ولكن ليس الهوى وحده ما حمله في أول زيارة بعد ترسيمه رئيساً لسوريا على التوجه إلى المملكة.
أكثر ما تحتاجه سوريا اليوم هو الجهد الدبلوماسي لإقناع العالم بجدية التغيرات الحاصلة في البلاد، وأن الشرع هو الشخص الذي يمكن منحه الثقة ليقود المرحلة الانتقالية. ومن أفضل للقيام بهذه المهمة من المملكة العربية السعودية، الدولة ذات المكانة السياسية والاقتصادية والروحية الكبيرة؟
السعودية، طالما كانت مستعدة لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع سوريا، ولكنها، مثلها مثل بقية الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لن تكتفي بالأقوال، وستظل عينها مفتوحة على الأفعال، وهي الأفعال نفسها التي تنتظرها باقي دول العالم. ومن أهمها مكافحة الإرهاب والتطرف، وحل الفصائل المسلحة، وحصر السلاح بيد الدولة، وتشكيل حكومة تكنوقراط لا يُقصى فيها أي طرف أو طائفة، بما فيها الطائفة العلوية، تمهد لحكومة حوار وطني تكرس فكرة عروبة سوريا.
لا يكفي أن تحل هيئة تحرير الشام وباقي الفصائل المسلحة على الورق. الحل يجب أن يكون على الأرض، والمخاوف السعودية وباقي دول العالم من ورائها مشروعة، طالما لم تترجم الأقوال إلى أفعال. وقد كان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال زيارته إلى دمشق واضحاً عندما قال إن السعودية تريد أن ترى خطوات عملية.
وللإنصاف، لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه أحمد الشرع حتى الآن، خاصة في إبعاد إيران عن المشهد في سوريا، وإضعاف تأثيرها على المنطقة.
◄الشرعية اكتسبت منذ اللحظة التي أصبح فيها بوسع السوريين المنفيين خارج بلدهم، والذين يخشون العودة إليها، العبور عبر بوابات المطارات والحدود، بمجرد الاستظهار بجواز سفر يحمل اسمهم وصورتهم
سقوط الأسد المفاجئ والسريع شكّل خسارة إستراتيجية كبيرة لملالي إيران، يصعب أن يعودوا بعدها لسابق عهدهم. وهناك اليوم أمل كبير في أن يضعف ذلك تأثيرهم في اليمن ويضعف موقف الحوثيين الذين يهددون الملاحة في البحر الأحمر.
أيضاً، كان لسقوط النظام السابق في سوريا دور في وقف تهريب المخدرات إلى دول الخليج، وهي نقطة إيجابية أخرى تحسب للحكومة السورية الانتقالية وللشرع.
ولكن سيبقى التفاؤل مشوباً بالحذر إلى أن يتأكد الجميع من أن ما تمر به سوريا اليوم ليس مجرد مرحلة انتقالية للتمكن من الحكم والانقلاب بعد ذلك على كل الوعود.
وإذا كانت عين الرياض ومعها دول الخليج على الوضع الأمني في سوريا، فإن عين الشرع ورفاقه على الاقتصاد.
لم يخف الشرع والوفد السوري المرافق له الإعجاب بالرؤية الاقتصادية للمملكة التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولكن القائد الجديد لسوريا يعلم جيداً أن المملكة لن تضع يديها حيث لا تستطيع أن تضع استثماراتها. ولن تتخذ أي خطوات في هذا الاتجاه ما لم ترَ جهوداً تبذل من القيادة السورية الجديدة. وستكتفي بدعم السوريين بالمساعدات التي لم ولن تبخل بها عليهم. أما إعادة الإعمار والمساهمة في إنقاذ الاقتصاد المنهار، فهما مشروطتان بجدية التحول داخل سوريا.
لا يستطيع الشرع الرهان على غنى سوريا بالموارد الطبيعية وموقعها الإستراتيجي الذي جعل منها نقطة وصل بين قارات ثلاث، لأن هذه العوامل نفسها كانت موجودة في السابق، وكانت موجودة خلال حكم عائلة الأسد، وستظل موجودة مستقبلاً. ورغم ذلك لم تجلب للمنطقة وسكانها إلا الحروب.
الطريق لشفاء سوريا تلخصه شروط ثلاثة: الديمقراطية، وحقوق الإنسان ودستور تتفق عليه جميع الأطراف. وإلى أن يتحقق ذلك ستبقى عيون العالم أجمع مسلطة على القراءة السعودية للوضع في سوريا وكيف تسير الأمور فيها، وما إذا كان بالإمكان الثقة بوعودها.