عمر الضنايا لـ"العرب": الفيلم القصير قادر على تبليغ رسائل حساسة داخل المجتمعات

يوظف المخرج السينمائي المغربي عمر الضنايا شغفه بالأفلام القصيرة لتوجيه رسائل مهمة في المجتمع المغربي، ومنها رسالته الأخيرة عبر فيلمه "مريم" الذي ينتصر للفتيات من ضحايا الاعتداءات الجنسية، حيث يصور بالكثير من الواقعية آثار مثل هذه الاعتداءات المشينة على حياة الضحايا وكيف تدمر حياتهن.
الرباط - تتمتع الأفلام القصيرة بقوة كبيرة في معالجة القضايا الاجتماعية الهامة التي قد يصعب أو يتجنب التلفزيون تناولها بشكل مباشر، مثل قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي، فبفضل زمنها المحدود تتمكن هذه الأفلام من تقديم رسائل مكثفة دون الحاجة إلى الاستغراق في التفاصيل الطويلة والكثيرة التي تؤثر على غاية القصة، وتسمح بحرية أكبر في التعبير الفني، وهذا يمكن أن يحد من قدرتها على التطرق إلى تلك القضايا الحساسة.
وهذا ما يجعل الأفلام القصيرة قادرة على المشاركة في رفع الوعي وتغيير النظرة المجتمعية تجاه هذه المواضيع الحساسة من خلال تقديمها بطريقة مباشرة ومختصرة وواقعية، بعيدا عن القيود التي قد تفرضها الرقابة أو الإعلانات التجارية المفروضة على عروض الأفلام التلفزيونية.
ومن هذه الأفلام فيلم "مريم" للمخرج المغربي الشاب عمر الضنايا الذي يروي قصة فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا تنتمي إلى عائلة محافظة، تركز على دراستها وتعيش حياة هادئة تحت سلطة والد صارم، إلى أن تتعرض حياتها لنكسة مروعة عندما تواجه اعتداء يقلب موازين حياتها وحياة أفراد عائلتها، ويضعهم أمام تحديات مجتمعية وأسرية قاسية.
حصد هذا الفيلم القصير الجائزة الكبرى لأفضل فيلم قصير عربي في مهرجان الإمارات السينمائي بدبي، ويواصل تألقه بعد مشاركته في 19 مهرجانا وفوزه بـ9 جوائز، من بينها ثلاث جوائز حديثة في فرنسا، والولايات المتحدة، ودولة موريشيوس.
ويقول مخرج الفيلم عمر الضنايا لصحيفة "العرب" إن الفكرة الأساسية التي دفعته لاختيار موضوع الاغتصاب في فيلمه “مريم” جاءت بعد طرح الموضوع عليه من قبل إحدى جمعيات المساواة وحماية القاصرات، ويوضح “بصراحة، عندما قرأت السيناريو لأول مرة، تأثرت كثيرا بالفكرة والقصة، لأنها كانت تحمل بعدا إنسانيا واجتماعيا عميقا، فقررت أن أعمل عليها وأعالجها سينمائيًا، بينما كان السيناريو مكتوبا بطريقة تتيح للصورة السينمائية أن تكون الراوي الأساسي للقصة. حرصت على تعديل بعض الأحداث والمشاهد لتكون أكثر تركيزا، وتجنب أي مشهد لا يخدم الحدث الدرامي أو لا يحمل مغزى، وكان الهدف هو تقديم الموضوع بشكل حساس ومؤثر دون التورط في المبالغة أو الخطابية.”
وعن تجربته في عرض الفيلم في أكثر من 20 مهرجانا والجوائز المهمة التي حصل عليها، يشير المخرج إلى أن “هناك بعض الانتقادات البسيطة التي تلقاها، لاسيما في ما يتعلق بأداء بعض الممثلين، لكنه يؤكد أن الآراء العامة كانت إيجابية للغاية، فرغم بعض الملاحظات التي كانت تقتصر غالبًا على الأداء، أثنى غالبية الجمهور والنقاد على العمل بصفة عامة، والتوازن بين الجانب الدرامي والواقعي في عرض معاناة شخصية مريم.”
ويضيف “اعتمدت بشكل كبير على الواقع المعيشي للمجتمع المغربي، سواء من حيث الجوانب المادية أو المعنوية، وأردت أن أُظهر طريقة الحياة اليومية للشخصيات في الفيلم، ثم أضفت إلى ذلك العنصر الدرامي من خلال الديكورات التي تعكس البيئة التي يعيشون فيها وما يواجهونه من معاناة.”
ويوضح عمر الضنايا لـ”العرب” أنه قد اكتشف الممثلة الصاعدة رميساء عبر منصة إنستغرام، كونها ممثلة موهوبة ولديها قدرة كبيرة على التشخيص، مشيرا إلى أنه “عندما بدأت أبحث عن ممثلين للفيلم، وجدت أن وجهها الفني يناسب تمامًا شخصية مريم، فاقترحت عليها الدور وشاركتها الفكرة، وقد رحبت بها على الفور. كانت تعاملاتي مع الممثلة أثناء التصوير سهلة للغاية، حيث كنت أشعر بأنها تفهمني بسرعة وتتقن المشاهد دون الحاجة إلى الكثير من التوجيه، ولم أواجه أيّ صعوبة معها، وكأنني أتعامل مع ممثلة محترفة جدًا.”
وتطرق المخرج المغربي إلى العراقيل التي واجهها أثناء تصوير الفيلم، خاصة وأنه تولى العديد من الأدوار التقنية مثل التصوير والمونتاج، موضحا أن “أكبر التحديات التي واجهتها كانت في الجانب المادي، حيث لم أتمكن من الحصول على أيّ دعم مادي أو معنوي من أيّ جهة، وذلك جعلني أضطر لتصوير الفيلم بتمويل ذاتي بالكامل، وتحمّلت العديد من المهام بمفردي، بدءا من التمثيل والإخراج والتصوير وصولا إلى توجيه الممثلين والمونتاج وترويج الفيلم في المهرجانات السينمائية، لكن من حسن حظي أنني كنت أملك أدوات التصوير والإضاءة وحاسوبا للمونتاج، وهذا ساعدني على تنفيذ العمل بتكلفة منخفضة جدا، وكان لديّ طاقم فني وتقني يثق بالمشروع ومستعد للعمل معي دون تردد.”
ويوضح أن فكرة سيناريو الفيلم هي من تأليف الكاتب الشاب لطيف المتوكل، لكن “تجربتي كمخرج وكاتب سيناريو ساعدتني في معالجة السيناريو وتعديله، وقمت بتغيير بعض المشاهد وإعطائها رؤية إخراجية تتناسب مع إمكانياتي المادية والتقنية. أما في ما يتعلق بتنسيق الأدوار، فقد واجهت بعض الصعوبات البسيطة ولكنني تعاملت معها بفضل تجربتي المتواضعة، وأتمنى أن أكون قد نجحت في تحقيق التوازن المطلوب وإيصال العمل بالشكل الذي يليق به.”
ويتابع “أما بالنسبة إلى أهمية إتقان نهاية الفيلم ودورها في تحفيز النقاش حول القضايا المطروحة، فأريد أن أوضح أنني من محبي الأفلام ذات النهايات البائسة والصادمة لأنها تحمل رسائل أكثر صرامة وواقعية مقارنة بالنهايات السعيدة، لذلك اخترت أن تكون نهاية الفيلم صادمة كصفعة توجه إلى من يهمهم الأمر، وكأنني أقول لهم هذا ما سيحدث إذا لم تعالجوا المشكلة. لم أرغب في تقديم نهاية سعيدة وهمية كما هو الحال في أغلب الأفلام، بل فضلت أن تكون النهاية انعكاسا حقيقيا للواقع.”
ويتبنى المخرج المغربي الشاب الرأي القائل بأن السينما تلعب دورًا أساسيًا في تغيير المجتمعات ومعالجة العديد من المواضيع التي يصعب تغييرها، خاصة تلك المتعلقة بتقاليد المجتمع، كما يشدد على أن السينما يمكن أن تكون وسيلة فعّالة لطرح القضايا الإنسانية حتى لو كان ذلك بشكل تدريجي، على الأقل من خلال إثارة النقاش وتوعية الجمهور.
ويطالب المخرج الشاب عمر الضنايا المسؤولين بضرورة الالتفات إلى المواهب الشابة في مجال صناعة الأفلام القصيرة، خاصة أولئك الذين يحققون إنجازات كبيرة ويحصدون جوائز عربية وعالمية دون أيّ دعم يذكر من المركز السينمائي، ويرى الضنايا أن هذه الطاقات الإبداعية تمثل وجها مشرقا للسينما المغربية على الصعيد الدولي، وهذا يستوجب توفير الدعم المادي والمعنوي لها لضمان استمرارها في تقديم أعمال ترفع من مكانة الفن السابع في المغرب”، وأكد أن غياب هذا الدعم قد يؤدي إلى إجهاض أحلام العديد من المواهب الواعدة التي تعاني من غياب الإمكانيات رغم قدرتها على المنافسة والتألق في المهرجانات العالمية.
ويرى المخرج أنه “ينبغي التوقف عن أسلوب التطبيل والتهليل بعد الحصول على الجوائز العالمية، لأن هذا النهج يعكس عدم تقدير حقيقي للكفاءات الوطنية، حيث لا يتم الالتفات إليها إلا عندما تحقق اعترافا من الخارج أو تنال جوائز من دول أجنبية، وهذا الأسلوب يعكس تجاهلا لإمكانيات الشباب المغربي في بداياتهم، وهو ما يحرمهم من الدعم اللازم لتطوير أعمالهم وصقل مواهبهم، فيجب على صناع القرار والمسؤولين في قطاع السينما المغربية أن يوجهوا الدعم للفنانين الشباب في مراحلهم الأولى، لأنه يتيح لهم فرصة الظهور والإبداع داخل بلدهم قبل أن يشيد بهم العالم الخارجي، وبالتالي تعزيز مكانة السينما الوطنية من خلال الاستثمار في الطاقات المحلية من البداية.”