المغرب يقود جهود ترسيخ الزراعة التجديدية في أفريقيا

70 مليار دولار مقدار القيمة المضافة التي قد تزيدها تقنية الزراعة دون حرث في سلسلة إنتاجية القارة.
الخميس 2025/01/30
شاهدوا بأنفسكم ماذا سنفعل

اعتبر خبراء أن تطوير المغرب لأساليب الزراعة وتجديدها، يؤهل البلد لاقتناص الفرص المتاحة بالقطاع، في ظل إدراك المسؤولين لأهمية هذا المسار، ليس فقط لتحقيق الأمن الغذائي ودعم النمو الاقتصادي، وإنما لكونه منسجما مع البيئة في مناخ شديد التقلب.

الرباط - تتسارع خطوات المغرب نحو اعتماد طرق جديدة لإنتاج المحاصيل من أجل بلوغ أعلى درجات الاستدامة خاصة في أوقات الجفاف لتوفير الغذاء للسكان، وهو محور بارز بالنسبة إلى البلد من أجل ترسيخ الزراعة التجديدية (الزراعة دون حرث).

وفي تأكيد على أهمية هذا الاتجاه، أبرز تقرير حديث لمركز الدراسات الأفريقية بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، جهود المغرب في تعزيز الزراعة التجديدية، مشيرا إلى أن البلد حقق تقدمًا كبيرًا في تطبيق هذه التقنية.

وأكد التقرير تحت عنوان “المغرب كقوة دافعة للزراعة التجديدية في أفريقيا” أن الزراعة التجديدية قادرة على إحداث تحول كبير في القارة، حيث يمكنها زيادة القيمة المضافة للقطاع بما يصل إلى 70 مليار دولار.

وشدد معدو التقرير على الدور الذي يلعبه المغرب في دعم المزارعين الأفارقة لاعتماد ممارسات الزراعة التجديدية، خصوصا في ظل التحديات التي تواجه القارة بسبب النمو الديمغرافي المتسارع.

وأشار التقرير، الذي أعده الباحث والأستاذ في جامعة نافارا بإسبانيا مايكل تانشوم، إلى أن المغرب يُعتبر نموذجاً للتعاون مع الدول الأفريقية من خلال نقل تقنياته وحلوله المبتكرة.

فؤاد زهراني: الزراعة دون حرث ستكون أداة فعالة في التكيف مع المناخ
فؤاد زهراني: الزراعة دون حرث ستكون أداة فعالة في التكيف مع المناخ

وحقق المغرب تقدما كبيرا في تطبيق تقنية الزراعة دون حرث والتي أصبحت تغطي أكثر من 33 ألف هكتار، مما ساهم في زيادة متوسط غلة المحاصيل بنسبة 30 في المئة، مع تقليل التكاليف والحفاظ على جودة التربة ومخزونها المائي، وفق المركز.

وهذه النوعية من الزراعات هي عبارة عن نهج يهدف إلى إعادة تأهيل الأنظمة الغذائية والزراعة والحفاظ عليها عبر التركيز على تجديد التربة السطحية وتحسين دورة المياه وزيادة التنوع البيولوجي وتعزيز خدمات النظام البيئي.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يساعد هذا النهج كذلك على دعم الترابط الحيوي وزيادة المرونة في مواجهة تحدي الاحتباس الحراري.

وتشمل الممارسات المتبعة في الزراعة التجديدية إعادة تدوير أكبر قدر ممكن من نفايات المزارع، وأيضا إضافة القليل من الأسمدة الطبيعية، بما يسهم في تقليل الانبعاثات الدفيئة.

وأكد فؤاد زهراني الخبير في علوم البيئة والتنمية المستدامة، أنه نتيجة للتغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وضعف التساقطات المطرية، يبدو المغرب مطالب باعتماد أساليب زراعية مبتكرة ومستدامة.

وتطرق في تصريحات لـ”العرب” إلى نظام الزراعة دون حرث، بغية تعزيز الإنتاجية والحفاظ على الموارد الطبيعية، مشيرا إلى وجود تجارب ناجحة في البلاد حسّنت كفاءة المزارع من خلال هذه التقنية.

وقال زهراني إن “الزراعة دون حرث ستكون أداة فعالة في التكيف مع الظروف المناخية الصعبة وتقليل الاعتماد على الموارد المائية، حيث تعتمد على تقنيات تقوم على تقليل التدخل في التربة وعدم قلبها.”

وأضاف “هذا سيحافظ على البنية الطبيعية للتربة ويحمي الكائنات الدقيقة المفيدة فيها، والآليات التي تساعد على تعميم هذه الطريقة توفرها الدولة.”

وأوضح أنه يتم استبدال عملية الحرث بزرع البذور مباشرة باستخدام آلات خاصة تفتح قنوات صغيرة في التربة لتوفير البيئة المثالية لنمو النبات، وهذه الطريقة تسهم أيضا في تقليل فقدان المياه وتحسين الاحتفاظ بالرطوبة.

وبحسب معطيات رسمية، فقد استفاد من هذه التقنية، أكثر من 4 آلاف مزارع مغربي، فيما ساهمت في تحويل أكثر من 32.7 ألف هكتار معظمها مخصص للحبوب والبقوليات إلى الزراعة دون حرث.

ويشير تقرير مركز الدراسات الأفريقية إلى أن نجاح المغرب في الزراعة التجديدية بدأ على المستوى المحلي، حيث ركزت شركة تسمّى “المثمر” على تقديم خدمات إرشادية للفلاحين ومكّنتهم من اعتماد تقنية الزراعة دون حرث.

ودعا تانشوم الشركات الآسيوية للتعاون مع نظيراتها المغربية لتسويق هذه الحلول بما يتناسب مع احتياجات الزراعة في آسيا، ما يعزز التعاون الأفريقي – الآسيوي في هذا المجال.

وبناء على نجاح “المثمر”، أطلقت الشركة المغربية المتطلعة لتكون مزودا عالميا للحلول المستدامة، شركة زراعية باسم “توربة” تساعد المزارعين ومربي الماشية على تبني ممارسات المحافظة، مثل الزراعة دون حرث وحوكمة التسميد وتحسين إدارة الرعي، من خلال تحقيق الربح من الائتمانات الكربونية.

وفي إطار الزراعة الكربونية، وبالتعاون مع “المثمر”، حولت “توربة” ممارسات الزراعة عبر 25 ألف هكتار من الأراضي الزراعية المغربية.

مايكل تانشوم: المغرب نموذج للتعاون مع أفريقيا عبر نقل الحلول المبتكرة
مايكل تانشوم: المغرب نموذج للتعاون مع أفريقيا عبر نقل الحلول المبتكرة

وتعمل الشركة في نيجيريا وإثيوبيا، بالإضافة إلى المغرب، وتهدف إلى تحويل 6 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية والمراعي المتدهورة عبر أفريقيا وأميركا الجنوبية، من خلال نهج الزراعة الكربونية بحلول عام 2030.

وتطرق تقرير جامعة نانيانغ التكنولوجية إلى جهود المغرب في دعم المزارعين الأفارقة عبر إطلاق فرع شركة الفوسفات المغربية في القارة (أو.سي.بي أفريكا) برنامج “أغري بوستر” بهدف تعزيز الإنتاجية الزراعية في أفريقيا.

وأنشأت شركة الفوسفات فرعها الأفريقي للمساهمة في تطوير النظم البيئية الزراعية المتكاملة. ومع وجود فروع في 12 دولة وعمليات في 4 دول أخرى، للتركيز على تمكين صغار المزارعين من المشاركة بشكل أفضل وأكثر ربحية في سلاسل القيمة.

وفي عام 2018، أطلقت أو.سي.بي أفريكا برنامج “أغري بوستر” لتوفير “حلول شاملة ومخصصة من البداية إلى النهاية” للمزارعين الأفارقة، لزيادة غلاتهم ودخولهم وسبل عيشهم، على المدى الطويل.

وإلى جانب خدمات التعليم والتدريب المتخصصة، يسهل البرنامج إقامة علاقات مع موردي المدخلات، ومقدمي الخدمات المالية، ومشتري السلع لتحسين استخدام البذور والأسمدة والمدخلات الأخرى، والقروض والتأمينات والتخزين وآليات الشراء.

وخلال السنوات الخمس الأولى من إطلاق البرنامج، استفاد منه 630 ألف مزارع، مما أدى إلى زيادة إنتاجية الذرة بنسبة 48 في المئة في نيجيريا، والدخن بنسبة 63 في المئة في السنغال.

وتعمل أو.سي.بي أفريكا على تطوير حلول زراعية تتماشى مع احتياجات التربة المحلية للدول الأفريقية، حيث أنتجت الشركة صيغ الأسمدة المصممة خصيصا لإنتاج القمح والذرة في إثيوبيا.

وجاء ذلك بعدما خلصت إلى أن نقص الكبريت في التربة كان عائقا أمام نمو المحاصيل في هذا البلد، مما ساهم في زيادة حجم الإنتاج.

10