إنها فرصة محمد بن سلمان.. فهل سيستغلها

المملكة العربية السعودية دخلت على خطّ التغيير الحاصل في سوريا ولبنان بعد سقوط نظام بشار الأسد ووصول الفصائل المعارضة إلى السلطة ومع انتخاب مرشحها العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية.
الثلاثاء 2025/01/28
الاهتمام بعودة المملكة يرسم معالم جديدة في المنطقة

في حديث للصحافيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية “إير فورس وان” في رحلة من لاس فيغاس إلى ميامي ليل السبت 25 يناير الجاري، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن وجهته الخارجية الأولى “قد تكون السعودية”، على الرغم من التقليد المتبع للرؤساء الأميركيين بزيارة بريطانيا أولا.

حرف “قد” أتى قبل فعل المضارع، مما يفيد التشكيك في حديث ترامب أن تكون فعلا زيارته الأولى إلى المملكة، إلا أن هذا لا يعني أن الرجل لا يولي أهمية خاصة لتعبيد طريق “كوينسي” مع الرياض لما يمثله هذا البلد في منطقة الشرق الأوسط، من اهتمام في سياسة إدارته الخارجية للمرحلة القادمة.

اتفاق “كوينسي”، تمّ التوصل إليه في 14 فبراير 1945، على متن طراد يو أس أس كوينسي الراسي في البحيرة المرّة الكبرى، بين الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت العائد من مؤتمر يالطا.

◄ محمد بن سلمان يدرك دور بلاده في مشاريع ترامب، وإن الفرصة مواتية جدا لطرح الرياض كبوابة رئيسية للدخول إلى المنطقة، وهو الذي عرف كيف يمسك العصا من الوسط مع الانقسام الدولي العمودي، بين الشرق والغرب

حاجة ترامب إلى إعادة العلاقة مع الرياض تدخل ضمن رغبات كثيرة لإدارته، منها الدفع بالمملكة لزيادة إنتاجها من النفط الخام، علّ ذلك يخفّض سعر برميل النفط عالميا، بعدما كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رفض طلب الرئيس الأسبق جو بايدن خلال زيارته إلى الرياض في يوليو من عام 2022.

بات الجميع يدرك أن لا “كيمياء” كانت تجمع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس بايدن، الأمر الذي جعل من “الكيدية” السياسية تطغى على العلاقة بين واشنطن والرياض، حيث استفاد بن سلمان من الانقسام العالمي مع الصعود الروسي – الصيني، وطلب انضمام بلاده إلى مجموعة “بريكس”. بات المراقب يعتبر أن الرياض ذهبت بعيدا في خياراتها، فمع عودة ترامب إلى البيت الأبيض هل ستعود الطريق سالكة بين البلدين؟

عودة ترامب إلى البيت الأبيض أعادت خلط الأوراق في العلاقة السعودية – الأميركية، فهو يؤمن أن المملكة تشكل حليفا إستراتيجيا لبلاده في المنطقة. لا بل هو من المنظرين الرئيسيين حول “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وهي اتفاقيات سلام تحتاجها الولايات المتحدة لتوقيع السلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

أكد محمد بن سلمان، في اتصال أجراه الأربعاء 22 يناير الجاري، للرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغبة المملكة بتوسيع الشراكة الاستثمارية مع الولايات المتحدة. كما ناقشا تعزيز التعاون لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والجهود الثنائية لمكافحة الإرهاب.

لا يهمّ ما اتفق عليه الزعيمان لجهة مكافحة الإرهاب، لأنّ صفة “الإرهاب” هي بمثابة الشماعة التي يتمّ استغلالها لتمرير سياساتهما في المنطقة. فما أعلنه الرئيس الأميركي ترامب من إعادة إدراج جماعة الحوثي اليمنية على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، قد يأتي من ضمن سياق التنسيق بين الزعيمين، لاسيما بعدما أشار محمد بن سلمان إلى أن السعودية تتطلع لتوسيع شراكاتها الاستثمارية والتجارية مع الولايات المتحدة، مؤكدا أن السعودية تخطط لاستثمارات تبلغ 600 مليار دولار خلال السنوات الأربع.

دخلت المملكة العربية على خطّ التغيير الحاصل في سوريا ولبنان، بعد سقوط نظام بشار الأسد، ووصول الفصائل المعارضة إلى السلطة، ومع انتخاب مرشحها العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، بعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي. لم يكتفِ وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بزيارة لبنان بعد قطيعة دبلوماسية بدأت عام 2015، لكنّ زيارته استكملها إلى دمشق الجمعة 24 يناير للقاء أحمد الشرع، قائد الإدارة الانتقالية في دمشق، متعهدا أن بلاده ستعمل مع الشعب السوري لوضع آلية للدعم والنهوض بسوريا، وتعهد بفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين.

◄ عودة ترامب إلى البيت الأبيض أعادت خلط الأوراق في العلاقة السعودية – الأميركية، فهو يؤمن أن المملكة تشكل حليفا إستراتيجيا لبلاده في المنطقة

يضع البعض الزيارة إلى دمشق في خانة إيصال الرسالة إلى رفض سيطرة الجماعات الإسلامية على النظام في سوريا، بل ضرورة أن يكون النظام منفتحا على الأقليات ومنخرطا في عمقه العربي. يحتاج محمد بن سلمان إلى العودة السعودية إلى المنطقة، بعدما تصدّع المحور الذي بنته طهران لسنوات في العراق واليمن وسوريا ولبنان.

ملء الفراغ الذي خلّفه تراجع الحضور الإيراني في المنطقة، أوحى إلى محمد بن سلمان للاستثمار فيها دون الدخول في صدام مع اللاعب التركي الذي يعتبر نفسه عرّاب الجماعات المعارضة التي وصلت إلى الحكم في دمشق. فسوريا كما لبنان يحتاجان إلى الاستثمار الخليجي والسعودي تحديدا، ووجدا بالعودة الخليجية بابا نحو الاستقرار، وهذا ما دفع بالرئيس عون للتعبير بعبارة “وأخيرا” خلال لقائه الأمير فيصل بن فرحان في قصر بعبدا.

الاهتمام بعودة المملكة يرسم معالم جديدة في المنطقة منها الجهود التي تقودها إسرائيل لتمتين تحالف دولي لتنشيط “ممر الحجاز” الذي دشنته الهند وإسرائيل برعاية أميركية، حيث المطلوب لترميمه إقناع السعودية بالمشاركة رسميا في هذا الممر، ليصبح ممرا دوليا، منافسا لممر الحزام والطريق الصيني الذي يتخذ من قناة السويس نقطة ارتكاز للتواصل بين الشرق والغرب.

يدرك محمد بن سلمان دور بلاده في مشاريع ترامب، وإن الفرصة مواتية جدا لطرح الرياض كبوابة رئيسية للدخول إلى المنطقة، وهو الذي عرف كيف يمسك العصا من الوسط مع الانقسام الدولي العمودي، بين الشرق والغرب. لكن للأمير محمد بن سلمان رؤية إسلامية وعربية، تمثلت في طرحه معادلة “الدولة الفلسطينية” مقابل التطبيع، فهل سيفعلها ترامب ويدفع بإسرائيل للاعتراف بالدولة الفلسطينية ليجعل من كوينسي تعيش مئة عام جديدة؟

8