"القانون لا يحمي الأغبياء"

لا تخلو قصص المحتالين وضحاياهم من الطرافة، وكثيرا ما تروى قصصهم بهدف الإضحاك والتندر، ولهذا تنتاب ضحايا المحتالين عادة مشاعر خجل تصل حدّ الإحساس بالذنب والعار، فتراهم يحرصون على التكتم، لا يشكون أمرهم سوى لله.
المرأة الفرنسية "آن" لم تستعن على خيبتها بالكتمان بعد أن وقعت ضحية محتال ادعى أنه النجم العالمي براد بيت مستخدما صورا مزيفة تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأقنعها (المحتال) بأنه في حاجة ماسة إلى المال لدفع تكاليف علاج الكلى، وأن حساباته المصرفية مجمّدة بسبب إجراءات الطلاق مع زوجته السابقة أنجلينا جولي.
واستطاع براد بيت المزيف أن يسلب من آن مبلغا قدره 850 ألف دولار. وقد يكون هذا المبلغ الضخم السبب في أنها لم تعض على شفتها، وصرحت بخيبتها على الملأ. وهي إن وجدت الإنصاف من القضاء، لن تجد من يتعاطف معها بين البشر الذين سيحولون قصتها إلى مادة للتندر.
شعور الشماتة من الضحية، يقابله غالبا إعجاب بشخصية المحتال، رغم تصرفه الخارج عن القانون.
هل يوجد بيننا من لم يعجب بشخصية ليوناردو دي كابريو في فيلم “كاتش مي إف يو كان” لمحتال بارع في التزوير والاحتيال على البنوك، استطاع الهروب من السلطات لفترة طويلة. أو شخصية جورج كلوني في فيلم “أوشن إلفن”.
من منا لم يعد قراءة حكاية “أبا زيد” التي وردت ضمن كتاب “المقامة البغدادية” لبديع الزمان الهمذاني منذ ألف عام وأكثر، وقوله “ظفرنا والله بصيد وحياك الله أبا زيد، من أين أقبلت؟ وأين نزلت؟ ومتى وافيت؟ وهلم إلى البيت”، ليرد الضحية “لست بأبي زيد، ولكني أبوعبيد”.
هكذا هم المحتالون يخرجون من بيوتهم مبكرين بحثا عن صيد (ضحية) يوقعون به في شراكهم. كان هذا في الماضي. اليوم يعمل المحتالون من بيوتهم ضمن مجموعات منظمة عبر الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي، ويستعينون على ضحاياهم باستخدام تقنيات التزييف.
خلال السنوات الأولى لتواجدي في لندن سمعت الكثير عن قصص احتيال، كان أبطالها، دائما، من أبناء الجالية النيجيرية، أما الضحايا فكانوا من مختلف الجنسيات. استخدم هؤلاء المحتالون “الظرفاء” خدعا يقومون بتطويرها وتعديلها بعد كل مرّة يكتشف فيها أمرهم. وكان هناك اتفاق غير معلن بين الناس على الإعجاب مهاراتهم الاستثنائية في الإيقاع بالضحية.
اليوم يعود اسم نيجيريا، وهي دولة في غرب أفريقيا، إلى الأضواء مع تداول قصة آن في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وغالبا ما يؤتى على ذكر هذه الدولة بوصفها ملاذا لمرتكبي عمليات النصب عبر الإنترنت، تخصص مرتكبوها بعمليات “الاحتيال العاطفي”، حيث يقوم المحتالون بتصيد نساء في عقدهم السادس والسابع، ويُعرف هؤلاء المحتالون الإلكترونيون بين الناس باسم Yahoo Boys “صبيان ياهو”.
وقد زادت شعبية المحتالين عبر الإنترنت بين الناس منذ أن أصدر نجم موسيقى الأفروبيت أولو ماينتاين أغنية “ياهوز” (Yahooze) في عام 2007، وهي أغنية تمدح المحتالين الافتراضيين.
وبدلا من وقوف الشارع في نيجيريا ضد المحتالين، يتابعون أخبارهم باهتمام ويناصرونهم، وعندما يذكر اسم ضحية أمامهم، يهزون أكتافهم تعبيرا عن عدم الاكتراث، ويكتفون بالقول “القانون لا يحمي الأغبياء.”