حماس تسوّق سردية الانتصار للاستمرار في حكم غزة

تسويق حماس للنصر يهدف إلى التغطية على محاسبتها بشأن تقديرها الخاطئ في خوض حرب غير متكافئة، ومنع الانشقاقات الداخلية.
الثلاثاء 2025/01/21
انتصارات لا وجود لها على أرض الواقع

القاهرة – سعت حركة حماس لتسويق انتصارها في الحرب، من خلال الاستعراض الذي قامت به عند تسليم ثلاث رهائن إسرائيليات لإظهار أن الحركة قوية وقادرة على حكم غزة بالرغم من الدمار الشامل الذي حل بالقطاع.

واعتبرت حماس اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل “إنجازا” جاء نتيجة “الصمود الأسطوري” للشعب الفلسطيني، وتعامل محسوبون على تنظيمات الإسلام السياسي مع الاتفاق على أنه انتصار يمنحهم المزيد من التواجد السياسي، والاستفادة من الصورة التي تسعى حماس لرسمها لمقاومين خاضوا القتال لفترة طويلة ضد إسرائيل، بما يعكس قدرات خارقة، وهنا قد يلعب الانتشاء بالهدنة دورا سياسيا.

وتسوّق حماس لانتصارها من منطلق أنها أرغمت إسرائيل على التوصل إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن الأسرى لديها، وعمدت إلى نشر عناصر أمنية من أتباعها والتقاط صور ونشرها بشكل واسع على المنصات لتشي بأنها قادرة على لعب الدور الأبرز في القطاع مستقبلا، بينما يشير الواقع إلى أن الحركة فقدت جزءا كبيرا من قدراتها العسكرية والكثير من كوادرها وقياداتها.

الجماعة تسعى إلى طرح نفسها في المشروع الإقليمي الذي يعاد تشكيله مع وجود تكهنات بأن تنظيمات الإسلام السياسي سيكون لها دور

واستبقت الحركة الغليان المتوقع داخل القطاع جراء الدمار الذي أصابه، إذ أن الكثير من المواطنين ضاقت بهم سبل الحياة الطبيعية، ووجهوا غضبهم إلى الحركة بفعل خطأ رؤيتها لعملية طوفان الأقصى، على عكس ما تحاول حماس ترويجه وهو أنها أرغمت إسرائيل على وقف إطلاق النار، لتظل صورتها كطرف قوي.

وتبني تنظيمات الإسلام السياسي رؤيتها للبقاء على أساس التهويل من مواقف تتخذها وتعزف على وتر الدين ودغدغة المشاعر الروحية، متجاهلة ما تتسبب فيه من كوارث وتلقي دائما على الأطراف الأخرى المسؤولية، بزعم أنها ساهمت في الأزمة.

حدث ذلك من قبل في حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل وتكرر في الحروب الخاطفة التي خاضتها إسرائيل ضد حماس، وصولاً إلى الحرب الأخيرة الطويلة التي حولت القطاع إلى ركام بفعل سوء حسابات قيادات حماس.

وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان إن ما جرى في السابع من أكتوبر العام الماضي “نصر تكتيكي وهزيمة إستراتيجية لحماس،” لأن الحركة تقول إن العملية لم تنته مثلما كانت تهدف إسرائيل، لكنها تدرك أن قوتها تم تقويضها بشكل كبير.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الألوية العسكرية التابعة لحماس تضررت بدرجات لا تقل عن 60 في المئة، وفقد لواء الشمال نحو 80 في المئة من قوته.

ويأتي ترويج سردية الانتصار لتحقيق غرض معنوي وتثبيت الوجود على الأرض في قطاع غزة، وتأكيد أن حماس لن تكون خارج ترتيبات السلطة، وتوصيل رسالة إلى الأطراف الدولية المنخرطة في جهود البحث عن حل تفيد بأن الحركة قادرة على التأثير، وهي إشارة إلى حواضنها الشعبية داخل غزة، خاصة أنها دفعت ثمنا باهظا.

oip

ويهدف تسويق حماس للنصر إلى التغطية على محاسبتها بشأن تقديرها الخاطئ في خوض حرب غير متكافئة، ومع تجاوز عملية طوفان الأقصى الأطر التنظيمية داخلها بفعل تبعية مكتب غزة إلى المكتب السياسي في الدوحة، وأن قرار الحرب كان يمكن أن يتسبب في انقسامات داخلية تحاول الحركة تطويقها، وسوف تستفيق على واقع صعب قد يجعل من الخلافات عنصرا مؤثرا في تحديد مستقبلها، لأن مسألة إصلاح القيادة أخذت حيزا واسعا من النقاشات قبل عملية السابع من أكتوبر.

وأكد أحمد سلطان في حديثه لـ”العرب” أن العائلات الكبيرة في غزة، والتي كان يمكن أن يصبح لها دور في إدارة القطاع عقب وقف إطلاق النار، جرى إضعافها من جانب الحركة، وقد كانت هذه العائلات تمتلك السلاح قبل تقويض قدرتها الرمزية.

كما أن لجنة الشؤون المدنية التي حاولت إسرائيل تدشينها في غزة ضمن خططها لاحتلال القطاع خلال الحرب لم تستطع تأدية مهمتها، وبات هناك فراغ تعمل حماس الآن على شغله، خاصة أن الجيش الإسرائيلي فشل في ترسيخ تواجده في القطاع.

ولا يرتبط الأمر بحركة حماس التي سعت لتوظيف وقف إطلاق النار سياسيا لصالحها بل إن تنظيم الإخوان في مصر هدف إلى التوظيف ذاته، ودخل محسوبون عليه في جدل مع آخرين يعارضون الإخوان حول ما حققته حماس من انتصارات وتكرر السجال الحالي قبل أسابيع مع وصول الإدارة السورية الحالية إلى السلطة، وبدت هناك محاولات لخلق سجالات تخدم في النهاية التسويق لجماعات محسوبة على الإسلام السياسي.

وعزف إعلام الإخوان على هذا الوتر، وأشار الإعلامي المصري محمد ناصر -مقدم برنامج “مصر النهاردة” على قناة “مكملين”- إلى أنه لا يمكن قياس المكسب والخسارة بالخسائر البشرية والمادية، وتجاهل واقع غزة ومصير القضية الفلسطينية، وعمد إلى حصر الأمر في تحقيق مكاسب لصالح حماس ومن يوالونها من جماعات، وسعى إلى خلق صورة ذهنية مشوشة عن مواقف مصر من حرب غزة.

pop

ولفت أحمد سلطان إلى أن جماعة الإخوان تحاول من خلال إثارة اللغط أن تثبت وجودها في ظل تراجعها على المستوى الداخلي، وأن الواقع يشير إلى أن الجماعة لم تقدم دعما لحماس خلال الحرب، وأن القيادي في حماس أسامة حمدان وجه إليها انتقادات لاذعة في جلسة مغلقة أثناء فعاليات منتدى كوالالمبور بنسخته السابعة في إسطنبول خلال شهر أكتوبر الماضي.

وتسعى الجماعة إلى طرح نفسها في المشروع الإقليمي الذي يعاد تشكيله مع وجود تكهنات بأن تنظيمات الإسلام السياسي سيكون لها دور، وهي تعتمد على حضور تركيا وقطر كداعمتين لجماعة الإخوان وحركة حماس.

 

اقرأ أيضا:

        • غزة أمام تحديات هائلة لإعادة الإعمار بالنظر إلى حجم الدمار

        • الترتيبات الأمنية في الضفة الغربية ورقة عباس الأخيرة للبقاء ضمن خيارات حكم غزة

        • ما يجري في غزة: حل دائم أم لعبة ليغو

1