تغيير أبطال الدراما المصرية في رمضان المقبل يتماشى مع الإنتاج

طرأت على الدراما المصرية تغيرات كبيرة فرضتها الضوابط الجديدة للسوق التي تتحكم فيها المنافسة الكبيرة والأزمة الاقتصادية الراهنة، حيث تبدي شركات الإنتاج توجها نحو الاعتماد على المسلسلات القصيرة وفسح المجال أمام نجوم الصف الثاني والمواهب الشابة للعب أدوار البطولة في مسلسلات ناجحة، بحثا عن تحقيق أرباح أكبر والقطع مع مسلسلات النجم الأوحد.
القاهرة- دخلت على موسم رمضان الدرامي المقبل تغيرات، أغلبها بسبب تراجع ميزانيات الإنتاج التي كانت مسيطرة على ما تم تقديمه من أعمال درامية عبر شركات تابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر، بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث تواترت معلومات عن عدم تحقيق المسلسلات المعروضة في السنوات الماضية العوائد المنتظرة منها ماديا، في حين أن بعض الوجوه الشابة التي لعبت بطولة مسلسلات العام الماضي حققت نجاحات جماهيرية مهمة واتسمت بجودة فنية عالية.
وعرضت الشركة المتحدة على قنواتها العام الماضي 20 مسلسلا، تنوعت بين الأعمال ذات الحلقات الطويلة (30 حلقة) وعددها تسعة أعمال، و11 عملا من المسلسلات ذات الـ15 حلقة.
وسوف يتم عرض 18 مسلسلا في موسم رمضان المقبل، بينها ثلاثة أعمال طويلة فقط، و15 عملا من أصحاب الحلقات القصيرة، ما يكشف عن تراجع حجم الحلقات التي ستتم إذاعتها هذا العام، وسط توقعات بأن تقوم لجنة الدراما التي جرى تشكيلها مؤخرا بمجلس تنظيم الإعلام بمراجعة جودة المحتوى المعروض.
وتشير الإحصائيات المعلنة إلى تراجع عدد المسلسلات المصرية المعروضة في الموسم المقبل، ما يعني وجود مراجعة للتوجهات العامة التي قامت على تعظيم فاتورة الميزانيات بغرض تقديم أعمال لها جودة مرتفعة، مع التركيز على الأعمال التاريخية، إذ حظي المسلسل المصري “الحشاشين” العام الماضي بميزانية بلغت 5 ملايين دولار، من بين 60 مليون دولار هي إجمالي ميزانيات الأعمال المصرية.
وتواجه الدراما المصرية بعض الانتقادات لعدم قدرتها على تقديم أعمال تشكل علامات فارقة في تاريخها، أسوة بما قدمته في تسعينات القرن الماضي، وهناك قناعة بأن توالي إنتاج الأعمال الدرامية على مدار العام بفعل انتشار المنصات الرقمية ساهم في تقليص الموازنات الموجهة إلى موسم رمضان، بغرض ضمان تحقيق عناصر الجذب الجماهيري المستمر طوال العام.
ويرتبط الأمر بحاجة المنصات الرقمية إلى تقديم أعمال تخدم خططها التسويقية بشكل مستمر، فلم تعد الفضائيات المتحكم الأول في نوعية الأعمال المعروضة وعددها.
ويغيب هذا العام عدد من نجوم الصف الأول البارزين، بينهم محمد رمضان وكريم عبدالعزيز وأحمد عز ويحيى الفخراني وأمير كرارة ويسرا، وهؤلاء جاؤوا في صدارة أصحاب الأجور المرتفعة.
وفي المقابل، فإن نجوم الصف الثاني يشاركون في عدد من الأعمال، أبرزهم أحمد داوود ومي كساب وأحمد غزي وصابرين وأسماء أبواليزيد وريهام عبدالغفور، مع عودة عدد من الفنانين الذين غابوا عن دراما رمضان ولا يشكلون رقما إنتاجيا ضخما، وهو ما يعكس عدم ارتباط الجمهور بهم بصورة كبيرة، بينهم محمد هنيدي ومحمد رجب وإيمي سمير غانم وظافر العابدين.
وتشارك الفنانة صابرين في بطولة مسلسل “خانة فاضية” وهي أولى بطولاتها المطلقة في موسم رمضان، ويشاركها حسين فهمي في البطولة، كما تقوم الفنانة مي كساب ببطولة مسلسل “نون النسوة”، ويشارك الفنان أحمد داوود في بطولة مسلسل “الشرنقة”، ويقوم الشاب أحمد غزي ببطولة مسلسل “قهوة المحطة” بمشاركة هالة صدقي وبيومي فؤاد، وتشارك ريهام عبدالغفور في بطولة مسلسل “ظلم المصطبة” الذي يواجه مشكلة مع اعتذار مؤلفه محمد رجاء عن استكمال كتابة السيناريو.
قال الناقد الفني أحمد سعدالدين إن الاعتماد على كثرة الأعمال المقدمة دون اهتمام بجودتها أثبت فشله خلال السنوات الماضية، لأن المشاهدين ليست لديهم القدرة على متابعة كل هذا الكم من الأعمال، وترشيد النفقات الإنتاجية يمكن أن يصبح أمرا إيجابيا حال وجدنا أعمالا جيدة فنيا، ويبقى الحكم النهائي عقب عرض الأعمال، لكن تغيير الوجوه تطور جيد يبرهن على وجود أجيال جديدة قادرة على أن تبقى في الصدارة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن قدرة قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري خلال عقود سابقة على تقديم نجوم أثروا الحياة الفنية جاءت عبر منح فرص عديدة للوجوه الصاعدة قبل أن يتم ترسيخ قواعد تسويق الأعمال الدرامية اعتمادا على النجم الأوحد، وكان ذلك بداية انحدار مستوى الأعمال المقدمة.
وأضاف أن أشكال الكتابة الحالية التي تعتمد على ورش العمل تتماشى مع تقديم أعمال البطولة الجماعية التي تحقق نجاحا في بعض الأحيان وتفشل في أحيان أخرى.
وشدد سعدالدين على أن دراما رمضان تغير من جلدها بشكل مستمر، ومشاركة الوجوه الشبابية في العديد من الأعمال المعروضة على المنصات ساهمت في تسريع حركة التغيير، وتبقى جودة قصة المسلسل وتطور أحداثه هما القاعدة الرئيسية للنجاح، وتتمثل سلبيات تقليص الميزانيات والاعتماد على وجوه شبابية في عدم وجود اهتمام بمنح المزيد من الوقت لإعداد المسلسلات، وضيق الوقت الذي يصاحب عملية كتابة الحلقات وتسليمها ثم البدء في تصويرها مباشرة، وهو أسلوب تنتهجه غالبية ورش كتابة مضمونها بحاجة إلى مراجعة أعمق من جانب المشرفين عليها.
وتعد تجارب مسلسلات مثل “مسار إجباري” بطولة عصام عمر وأحمد داش، و”أعلى نسبة مشاهدة” بطولة سلمى أبوضيف وليلى زاهر، حاضرة في أذهان جهات الإنتاج المحلية هذا العام، والتي تراهن على جودة العمل دون النظر إلى الأسماء اللامعة التي قرر بعضها انتظار تطورات السوق بعد نهاية موسم رمضان المقبل، أو من ذهب إلى شركات الإنتاج التي تعمل في دول عربية مختلفة.
ومعروف أن تزايد الإنتاج الخارجي داعم لوجود رؤية أكثر وضوحا بشأن الاستعانة بوجوه الصف الثاني في أعمال تدخل في سباق صعب للغاية لجذب الجمهور مع تخمة المسلسلات المعروضة في توقيت واحد، والاعتماد على تقديم حبكة درامية قوية والخوض في قضايا حياتية لا تتطرق إليها غالبية المسلسلات التي تركز على الدراما الاجتماعية والأعمال الكوميدية، وفي تلك الحالة يمكن أن تبقى المنافسة مضمونة بلا حاجة إلى الاعتماد على نجوم الشباك الأول.
أكدت الناقدة الفنية فايزة الهنداوي أن أي تجديد تشهده الدراما المصرية مسألة إيجابية، لأنه من غير المقبول استمرار نفس الوجوه في صدارة المشهد لسنوات طويلة، لأن ذلك يؤدي إلى تكرار القضايا، كما أن اختيارات نجوم الصف الأول باتت متكررة بشكل مستمر لضمان جذب الجمهور والقدرة على تسويق أعمالهم بمبالغ تضاهي ما جرى صرفه من ميزانيات إنتاجية.
وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن تغيير موازنة التسويق كي توافق جودة العمل يتطلب التخلي عن بعض الوجوه القديمة والاستعانة بأخرى صاعدة تقدم قضايا مهمة بميزانيات منخفضة، ويمكن أن تترسخ بشكل تدريجي فكرة أن الانتشار يعتمد على أساس جودة العمل وليس اسم الفنان أو الفنانة، وحال مضت الشركة المتحدة في هذا المسار سيكون مقدمة للارتقاء بالدراما مع استحواذ النجوم على الجزء الأكبر من الموازنات المالية المقررة للمسلسلات، وذلك على حساب باقي العناصر.
وأشارت هنداوي إلى أن هذه التغييرات تواكب اتجاهات الجمهور الذي لم يعد مرتبطا بالنجم بقدر بحثه عن جودة العمل، وهناك استثناءات لذلك، لكن الوضع لم يعد كما كان في السابق، وحال انجذب الجمهور لفنان بعينه سوف يتابع الحلقات الأولى فقط دون أن يستكمل مشاهدته، وهو ما يتطلب دراسات مستفيضة لمعدلات مشاهدة المسلسلات المعروضة على القنوات والمنصات في السنوات الماضية.