الحكومة المصرية تتلافى تكرار أزمة الكهرباء تجنبا لاستفزاز الشارع

وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يقول إن الحكومة أمنت احتياجاتها من الوقود لفصل الصيف.
السبت 2025/01/18
الحكومة تريد أن تتفادى منغصات الصيف الماضي

القاهرة - تسعى الحكومة المصرية من الآن لتلافي مشكلات واجهتها الصيف الماضي، الذي تخلله إدخال تعديل وزاري موسع طال غالبية الوزارات الخدمية مع الإعلان عن تأمين كميات الوقود المطلوبة لتشغيل المحطات الكهربائية بكامل طاقتها، في خطوة تمهد لصيف هادئ يسبق انتخابات مجلس النواب المزمع إجراؤها في أكتوبر المقبل، ووسط تسخين سياسي يقوم به معارضون توظيفا لتطورات سوريا.

وقال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمود عصمت إن الحكومة المصرية أمنت احتياجاتها من الوقود لفصل الصيف وسترفع كميات الغاز الطبيعي الموردة لمحطات الكهرباء حوالي 9 في المئة عن العام الماضي، لتصل إلى 4.9 مليار قدم مكعب يوميا، تجنبا لتكرار انقطاعات الكهرباء.

وعانت مصر من أزمة متكررة في انقطاع التيار الكهربائي، ولجأت الحكومة إلى تطبيق خطة لتخفيف الأحمال، ووصلت الأزمة إلى ذروتها الصيف الماضي واضطرت الحكومة إلى فصل التيار الكهربائي أحيانا نحو أربع ساعات يومياً.

محمد سامي: التفكير في التعامل مع الأزمات بشكل استباقي مرحب به
محمد سامي: التفكير في التعامل مع الأزمات بشكل استباقي مرحب به

وكانت أزمة انقطاع الكهرباء من أبرز عوامل السخط الشعبي على الحكومة في الصيف الماضي، ما دفعها إلى استيراد ما قيمته 1.18 مليار دولار من زيت الوقود والغاز الطبيعي لتخفيف حدة الأزمة، رغم معاناتها في ذلك الوقت من شح العملة الصعبة، ما يشي بأن توظيف مشكلات الكهرباء يشكل هاجسا تسعى الحكومة للتعامل معه مبكرا، خاصة أن ارتفاع أسعار العديد من السلع الرئيسية منذ بداية هذا العام بدا مؤشرا سلبيا على ما يمكن أن تكون عليه الأوضاع الاقتصادية خلال الأشهر المقبلة.

كما أن حالة التحريض التي يخلقها محسوبون على جماعة الإخوان في الخارج عبر دعوات للتظاهر في مصر، جعلت الحكومة تتحسب لها، بعد أن اتخذت منحى تصاعديا منذ التطورات الأخيرة في سوريا.

ورصدت معلومات استخباراتية تلك المخططات، وعلى أساسها جرى منع دخول السوريين إلى الأراضي المصرية من أي دولة في العالم إلا بعد موافقة أمنية مسبقة.

وترتبط مسألة توفير احتياجات الوقود بتجميد مسار رفع أسعاره وفقا لآلية التسعير التلقائي التي تنعقد كل ثلاثة أشهر، ومع حديث الحكومة عن عدم المساس بأسعار الوقود حتى منتصف العام الجاري وإمكانية تمديد هذه الفترة.

ويبرهن ذلك على أن التعامل مع القرارات المرتبطة بالوقود يرتبط بردود أفعال المواطنين، ويأخذ حيزا واسعا من اهتمامات الحكومة التي تهدف إلى مرور هذا العام بلا أزمات، مع الاستعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية، وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج تشير إلى وجود حركة إيجابية في مسار الحريات العامة.

ولا تنفصل رسائل التهدئة التي تكررها الحكومة مؤخرا من خلال تصريحاتها الموجهة إلى المواطنين عن إشارات تفيد بتأهب مؤسسات الدولة للتعامل مع أي طارئ يستند إلى توظيف الأوضاع المعيشية في تأليب المواطنين ضد السلطة، وأن التعامل مع تلك التهديدات يتم على مستويات مختلفة، من ضمنها تحسين الأداء الحكومي في الخدمات المقدمة للمصريين، مع توالي الانتقادات الموجهة إلى الحكومة.

وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي إن مجرد تفكير الحكومة في التعامل مع الأزمات بشكل استباقي أمر مرحب به، بعيدا عن أهدافه السياسية، وما إذا كان هذا التوجه يرتبط بالتجهيز للانتخابات أو التعامل مع محاولات التسخين الحالي للشارع، خاصة أن المواطنين، وفي القلب منهم طلاب شهادة البكالوريا، عانوا في العام الماضي مشكلات جمة نتيجة انقطاع الكهرباء.

علي الإدريسي: القضاء على أزمات شح الوقود يتطلب خطة طويلة الأجل
علي الإدريسي: القضاء على أزمات شح الوقود يتطلب خطة طويلة الأجل

وأضاف سامي في تصريح لـ”العرب” أن توقع ردود أفعال المصريين والتخفيف من حدة المشكلات التي يواجهونها هما توجه رئيسي للحكومة. وقدرتها على إقناع المواطنين بذلك ترتبط بعدم اتخاذها قرارات تثير الجدل، وإن كانت لديها أهداف إيجابية، وأن تحسين الأجواء السياسية يجب أن يكون مصاحبا لأي توجه يتعلق بجودة الخدمات.

وتزايد حجم الطلب على الكهرباء في مصر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع استهلاك المنشآت الصناعية والتجارية، بالإضافة إلى النمو السكاني، ما زاد الضغط على الشبكة القومية للكهرباء، وأدى إلى انقطاعات مستمرة في التيار الكهربائي.

ولا تسعى الحكومة لأن تكون في مواجهة ضغوط مزدوجة من المواطنين ورجال الأعمال بعد أن أبلغت العديد من الشركات عن تراجع الإنتاج وتوقف العمل في مصانعها إثر انقطاع التيار الكهربائي، وتدرك أن الوضع الاقتصادي الراهن بحاجة إلى التعامل بحنكة بحثا عن جذب الاستثمارات الأجنبية والتعامل مع تراجع عوائدها من العملة الصعبة جراء انخفاض عوائد قناة السويس، ما يساهم في الحفاظ على استقرار سعر الصرف الذي له أيضا تأثير مباشر على معنويات المواطنين وتقييمهم لأداء الحكومة.

وأكد أستاذ الاقتصاد المساعد في الأكاديمية العربية للنقل البحري علي الإدريسي أن ضمان القضاء على أزمات شح الوقود وتكرار انقطاعات الكهرباء يتطلبان خطة طويلة الأجل لمواجهة التغيرات المناخية، والتي تنتج عنها ارتفاعات في درجات الحرارة قد تكون الأعلى في الصيف المقبل، ووفقا لتلك الوضعية يمكن النظر إلى إجراءات الحكومة على أنها متأخرة، وكان يمكن أن يتم وضع خطط متوسطة الأجل للتعامل مع تنامي الحاجة إلى الكهرباء منذ سنوات وليس قبل أشهر قليلة على حلول فصل الصيف.

وأوضح الإدريسي في تصريح لـ”العرب” أن ما ساعد الحكومة على تأمين حاجة المواطنين إلى الوقود هذا العام حل مشكلات الشركات الأجنبية التي لها مديونيات ضخمة، مع سداد ما يقرب من 70 في المئة منها، وعودة تلك الشركات إلى التنقيب، ما قاد إلى زيادة الإنتاج مؤخرا.

وأشار علي الإدريسي إلى أن الحديث عن عدم تكرار مشكلات العام الماضي قد يرتبط بالاتجاه نحو زيادة أسعار المحروقات في النصف الثاني من العام الجاري، وبالتالي ترشيد استهلاك المواطنين اضطراريا.

كما أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية يواجه بغضب من المواطنين، وعلى الجانب الآخر هناك صبر وتحمل من قبل المواطنين في خضم أوضاع مضطربة في المنطقة، وتدرك الحكومة أن استمرار الضغوط أمر غير مطمئن وقد لا تكون لدى المواطنين قدرة على تحمله، ولذلك من مصلحتها سد الثغرات وتهدئة الأوضاع.

2