مشاهد تعذيب السجناء تعيد فتح ملف الانتهاكات في شرق ليبيا

البعثة الأممية تدعو إلى تحقيق فوري ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
الخميس 2025/01/16
وضع مأساوي في سجون ليبيا

أعادت مشاهد تعذيب السجناء والمحتجزين القادمة من سجن قرنادة شرق ليبيا فتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، وسط إدانات لهذه الأفعال التي تشكل خرقا جسيما للقانون الدولي ولحقوق الإنسان ومطالب بالتحقيق الفوري فيها ومحاسبة مرتكبيها.

اهتز الشارع الليبي لمشاهد مروعة تم تسريبها من أحد سجون المنطقة الشرقية، وهي تصور عمليات التعذيب الممنهج والتنكيل بالسجناء والدوس المتعمد على جميع قيم ومبادئ حقوق الإنسان. وأعلنت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها أنها تدين ممارسات التعذيب في سجن قرنادة سيء السمعة الخاضع للقيادة العامة للجيش الوطني بقيادة الجنرال خليفة حفتر، مطالبة النائب العام بالتحقيق فيها ومحاسبة كل المتورطين في هذه الجريمة دون استثناء.

ووصفت حكومة الوحدة الوطنية التعذيب بأنه وسيلة أحد الأطراف للسيطرة على حساب كرامة المواطن، داعية المنظمات الدولية إلى متابعة هذه القضية ومساءلة المجرمين، وفق ما ورد في بيان صادر عنها.

وقالت أوساط ليبية إن سلطات شرق البلاد اعتقلت سبعة عناصر من الشرطة العسكرية وحرس السجون ممن كشفت عنهم المقاطع المصوّرة المسربة، لكن مراقبين محليين يرون أن ظاهرة التعذيب والتنكيل والإخفاء السري باتت جزءا من المشهد السياسي والاجتماعي العام في مناطق عدة من ليبيا بسبب اتساع دائرة الاضطهاد وقمع الحريات وتكريس الدكتاتوريات الناشئة عبر فرض سلطة الأمر الواقع.

وبحسب المراقبين، فإن سجن قرنادة في بنغازي وبعض السجون الأخرى في ليبيا لا تختلف كثيرا عمّا تم تسجيله في سجن صيدنايا السوري أو سجن أبوغريب العراقي، وما يجري من تعذيب ممنهج وتنكيل بالموقوفين يكشف عن عدوانية راسخة وكراهية غير محدودة لمن يقعون بين أيدي القائمين على تلك السجون ممن يتلذذون بانتهاك حقوق الإنسان والاعتداء على حرمات أجساد السجناء.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن انزعاجها البالغ إزاء مقاطع الفيديو الفظيعة المسربة، ودعت إلى تحقيق فوري وشفاف في هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها. وقالت في بيان إن هذه الفيديوهات تظهر العديد من المحتجزين، سواء من الليبيين أو الأجانب، وهم يتعرضون للضرب المبرح، ويجبرون على اتخاذ أوضاع مجهدة على يد الحراس الذين يرتدون الزي الرسمي، وإن ‏هذه المقاطع تتسق مع الأنماط المُوثَّقة لانتهاكات حقوق الإنسان في مرافق الاحتجاز في مختلف مناطق ليبيا.

◙ تقارير أممية أكدت جرائم التعذيب في ليبيا، بما في ذلك سجن قرنادة مشيرة إلى سجون بشرق البلاد وغربها وجنوبها

وأدانت البعثة بشدة هذه الأفعال التي تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك حظر التعذيب، وأوضحت أنها تنسق مع القيادة العامة لتأمين وصول موظفي حقوق الإنسان التابعين للبعثة ومراقبين مستقلين آخرين إلى سجن قرنادة بشكل مستمر، وكذلك إلى مراكز الاحتجاز الأخرى. وطالبت منظمة “الكرامة” غير الحكومية بإجراء تحقيق فوري في هذه الجرائم، معتبرة إياها انتهاكا صارخًا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها ليبيا في مايو 1989.

وكشفت التسريبات مشاهد لتعذيب سجناء، يقول ناشطون إنها تعود لعام 2020 إبان الحرب التي شنتها قوات المشير المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، وإن الضحايا معارضون لحفتر. وأظهرت المقاطع المسربة أساليب تعذيب متنوعة، حيث يتعرض السجناء للضرب المبرح باستخدام العصي والأسواط والأيدي، مما يرجح وقوع إصابات بالغة، وكدمات، وكسور.

ونقلت “الكرامة” عن سجناء سابقين في سجن “قرنادة”، أن المعتقلين يتعرضون لحالات صعق بالكهرباء لأجزاء مختلفة من أجسادهم، علاوة على حرمانهم بشكل متكرر من النوم لفترات طويلة، ومن الطعام ومياه الشرب النظيفة، مما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية.

وقالت المنظمة إن ناشطين ليبيين تحدثوا إليها بأن العديد من الجلادين الذين ظهروا في الفيديو معروفون لكنهم ما زالوا طلقاء ورغم طلب الحكومة المعترف بها في طرابلس بفتح تحقيق، لكن لم تفتح سلطات الشرق الليبي أي تحقيق في القضية. وكانت تقارير أممية سابقة أكدت جرائم التعذيب في ليبيا، بما في ذلك سجن قرنادة وأشارت إلى سجون كثيرة بشرق ليبيا وغربها وجنوبها، من بينها معيتيقة والهضبة وصرمان.

وأشارت “الكرامة” إلى أنها تولي اهتمامًا كبيرًا بملف حقوق الإنسان في ليبيا، وقدمت العديد من الشكاوى أمام الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة نيابة عن ضحايا الانتهاكات، كما سلطت الضوء على جرائم ارتكبتها قوات الجنرال حفتر، وأكدت أنه يتوجب على ليبيا الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب المتعلق بإنشاء آليات وطنية وقائية لضمان المساءلة ومكافحة جرائم التعذيب.

من جانبها، قالت منظمة رصد الجرائم في ليبيا، في بيان، إنها تأكدت من صحة مقاطع الفيديو المتداولة، مشيرة إلى أن مكان وقوع التعذيب تم تحديده في الطابق الأرضي من سجن قرنادة الذي يعرف بـ”عنبر إدارة السجن”، فيما  اعتبرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن هذه الواقعة تشكل “جريمة يعاقب عليها القانون، ومخالفة جسيمة لصلاحيات ومهام واختصاصات الأجهزة الأمنية، وإساءة لاستعمال السلطة،” وطالبت في بيان مكتب النائب العام ومكتب المدعي العام العسكري بفتح تحقيق شامل في ملابسات واقعة التعذيب المبرح للسجناء والمعتقلين بسجن قرنادة، وإنزال أشد العقوبات على المتهمين فيها.

4