أين الجمهور من خطط تطوير محتوى الإعلام المصري

القاهرة – دشن مجلس الإعلام المصري اجتماعات للتعرف على رؤى المهتمين بالمنظومة الإعلامية بحثا عن الوصول إلى أفكار جديدة تقود إلى تحسين جودة المحتوى، واستمع إلى آراء مقدمي برامج وأكاديميين، ويعتزم الاستماع لآراء أطراف أخرى، وسط انتقادات لغياب المعايير التي على أساسها يتم تقييم وضع الإعلام في ظل عدم وجود دراسات بحثية تقيّم أوجه القصور التي تحتاج إلى معالجة، والإيجابيات التي يمكن تطويرها.
وبعد أن لاقت بعض القرارات التي أصدرها المجلس المسؤول عن تنظيم الإعلام، عقب تعيينه منذ شهر ونصف الشهر، اعتراضات ارتبطت بضوابط البرامج الدينية والرياضية، بدا أنه أكثر اهتماما للاستماع إلى أصوات لديها خبرات في التعامل مع المشهد الراهن.
وجاء ذلك وسط تزايد المطالب بضرورة أن يضع المجلس سياسة تحريرية تسير عليها وسائل الإعلام غابت في سنوات ماضية وغلب عليها التوعية والتعبئة.
ولم تعد قرارات ضبط المنظومة وتقنين أوضاع المؤسسات والهيئات الإعلامية داخل مصر وهي توجهات أولى المجلس السابق اهتماما بها، تحظى بنفس القدر من الأهمية في الوقت الحالي، بعد أن أحكمت جهات حكومية قبضتها على الجزء الأكبر من وسائل الإعلام وباتت الأولوية لتطوير المحتوى وجذب الجمهور.
والتقى مجلس الإعلام المصري الاثنين بعدد من الإعلاميين أبرزهم منى الشاذلي مقدمة برنامج “معكم” على فضائية “سي.بي.سي” وشريف عامر مقدم برنامج “يحدث في مصر” على فضائية “أم.بي.سي مصر”، وبعدد من مقدمي برامج التلفزيون المصري سابقا، منهم نجوى إبراهيم وصفاء أبوالسعود وفريدة الزمر وسوزان حسن، وشافكي المنيري، والإعلامية جاسمين طه زكي والإعلامي عمرو الشناوي.
وتطرق اللقاء إلى تطوير المحتوى الذي تقدمه وسائل الإعلام المحلية، وطالب بضرورة أن يكون هناك تواصل دائم بين الوزراء والمسؤولين مع وسائل الإعلام لتوضيح الحقائق بشفافية كاملة وشرح التحديات، وتدريب المتحدثين الرسميين في الوزارات والهيئات حول كيفية التعامل والتواصل الإعلامي.
وسبق اللقاء اجتماع آخر عقده المجلس بهدف تطوير المحتوى المقدم في وسائل الإعلام ليتماشى مع التطور الإعلامي الكبير، وتطرق إلى تقديم دورات وبرامج تدريبية لتطوير وتعزيز مهارات الكوادر الإعلامية العاملة بالمؤسسات الإعلامية.
ويتفق خبراء الإعلام على أن الإعلام المصري في اختبار حقيقي بعد أن فقد الكثير من تأثيره، وأن البحث عن أفكار جديدة للتطوير يجب أن يحظى بمشاركة واسعة من المتخصصين وأن يشمل الجمهور الذي يتم توجيه الرسالة الإعلامية إليه، وأن تتوفر الإرادة السياسية لتحويل هذه الأفكار إلى محتويات إعلامية تخلق تغييرا شاملا.
علاوة على قياس اتجاهات الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإحداث المزج المطلوب بما يتماشى مع اهتمامات الأجيال الصاعدة وهو مقدمة لاستقطابها. والارتكان إلى الفضائيات الموجودة دون أن يتم تدشين منصات رقمية يتم من خلالها تقديم برامج ومحتويات خاصة تختلف عن التلفزيون والاستفادة من تجارب الفضائيات العربية التي حققت منصاتها الرقمية نجاحات مهمة أمر مطلوب لمواكبة التطورات الحاصلة في سوق الإعلام شريطة أن يكون ذلك مصحوبا بمساحة أوسع من الحرية.
وقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة مسعد صالح إن تطوير الإعلام المصري لن يكون بحاجة إلى المزيد من النقاشات والاجتماعات مع بعض الإعلاميين القدامى والأكاديميين ممن ليس لهم ارتباط مباشر باحتياجات السوق وتطوراته في الوقت الحالي، إنما التطوير يجب أن يكون وفقا لما يحتاجه الجمهور وما يفضله الناس، وفي حال تم التعرف على هذه الاحتياجات بدقة فإن نجاح الإعلام سيكون مضمونا.
الفضائيات المصرية تقدم منتجات متنوعة وهذه السلعة بحاجة إلى دراسة كي يتم تقديمها للجمهور في الإطار السليم، ويمكن الاستغناء عن أنماط محددة من الإعلام
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الإعلام المصري بحاجة ليبحث عنه الجمهور، والحديث هنا عن فضائيات يشاهدها الجمهور مجانا بعكس المنصات المدفوعة، والمجلس عليه أن يستمع لأصوات الجمهور والشباب وهناك عزوف كبير من جانب طلاب كليات الإعلام ممن لديهم اهتمام بهذا المجال عن قراءة الصحف ومشاهدة القنوات المصرية، وهم يشاهدون المحتوى على الهواتف المحمولة ويفضلون المنصات الرقمية، وبالتالي فإن العمل في إطار تقليدي بالاستماع لرؤى خبراء قد لا يعكسون اهتمامات الجمهور المستهدف ليس مفيدا بالقدر الكافي.
وأشار إلى أن البداية الصحيحة يجب أن تكون عبر التعاقد مع شركات بحوث إعلام مستقلة، والأفضل أن تكون دولية ولديها خبرات في هذا المجال، تقدم تقارير يومية وشهرية لمجلس الإعلام عن نسب المشاهدات وأرقام قراءة الصحف ومتابعة القنوات الإخبارية المصرية وأوقات الذروة بالنسبة للمشاهدات ونوعية المحتويات التي ينجذب إليها الجمهور، وعلى أساسها يتم اتخاذ قرارات تطوير محتوى الإعلام، ودون ذلك من الصعب الحديث عن تحقيق التطور المنشود.
وشدد في حديثه لـ”العرب” على أن الفضائيات المصرية تقدم منتجات متنوعة وهذه السلعة بحاجة إلى دراسة كي يتم تقديمها للجمهور في الإطار السليم، ويمكن الاستغناء عن أنماط محددة من الإعلام، حال أثبتت الدراسة أن الجمهور هجرها بشكل كامل أو تبنى خطط تطوير شاملة لها يمكن أن تُعيد إنعاشها، كما أن مجلس الإعلام يمكن أن ينفذ “سوفت ووير” خاصا به يتعرف من خلاله على اتجاهات الجمهور وانجذابها نحو الفضائيات ومحطات الراديو والصحف والمنصات الرقمية، ثم تكون النتائج مقدمة لوضع سياسة تحريرية جديدة.
ويعد الترفيه عنصر الجذب الأول للجمهور ومن خلفه المحتويات التعليمية التي تتعلق بتطوير مهارات الجمهور، وهو أيضا ما تعززه أرقام المشاهدات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وأي تطوير يجب أن يضع في اعتباره هذه المحتويات التي يمكن أن تشكل طُعما ينجح الإعلام من خلاله في جذب الجمهور، شريطة أن يتماشى ذلك مع قدرة الإعلام على عكس متاعب ومشكلات المواطنين أيضا، والاتجاه لزيادة الجرعة السياسية في وقت يتماشى مع اتجاه بعض المواطنين للمنصات المعادية.
ولفت مسعد صالح، والذي عمل من قبل خبيرا بشركة “أبسوس” للأبحاث التسويقية، إلى أن توظيف أدوات البحث بشكل إيجابي على عينات من الجمهور يمكن أن يأتي بنتائج سريعة إيجابية، وتطوير عمل المؤسسات الإعلامية يرتبط بالتفاصيل التي تشكل أدوات مهمة لجذب الجمهور، مع أهمية الاستعانة بأدوات “غوغل تريندز” وغيرها من أدوات التعريف باهتمامات الجمهور.
ويمكن أن يصبح الإعلام المصري مؤثرا، حال تعرف على احتياجات فئات المثقفين أو من يطلق عليهم النخبة أو “إي كلاس”، وهؤلاء يمكن التأثير فيهم ليقوموا بدورهم في تعزيز أفكار ورؤى الإعلام لدى الجمهور العادي. والاتجاه نحو تطوير المحتوى لا يجب أن ينفصل عن مسألة استعادة التأثير التي تراجعت أيضا لصالح منصات التواصل الاجتماعي.