عبود سلمان رسام المنمنمات الشرقية المعاصرة

المنمنمات واحدة من أبرز الفنون الشرقية التي تأثر بها الفنان السوري عبود سلمان وحملها معه في حله وترحاله، حيث يعيد تقديمها برؤية معاصرة تنطلق من نماذج فنية شرقية، محاولا الاقتراب أكثر ما يمكن من التفاصيل والقصص والحياة البشرية في سوريا والعراق، مستعيدا رموزا من مسقط رأسه حيث ولد وكبر في قرية واقعة على الحدود بين البلدين.
يسبح الفنان والناقد السوري عبود سلمان في محيطه الخاص، عبر بيئة محلية تتسم بالأصالة التي تعبر عنها تجربته التشكيلية بجماليات محلية شعبية من سوريا وبلدان عربية مجاورة لها، كرسام عارف بشروط الرسم وقوانينه، فقد كان معلما للرسم منذ عقود في وطنه سوريا وكذلك في المملكة العربية السعودية قبل أن يصبح رساما سوريا مهاجرا في كندا، وهو مدرك للجوانب المهمة في الفن التشكيلي كناقد وباحث جمالي تناول العديد من القضايا التشكيلية والتجارب العربية في مقالاته النقدية منذ أكثر من 30 عاما، والتي تنوعت بين مقالات ودراسات وبحوث نشرت في العديد من الصحف والمجلات السورية والعربية، إلى جانب العشرات من الكتب التي صدرت في الماضي وأضفت الكثير على مدونة النقد التشكيلي العربي.
الرسم عند سلمان كأنه منمنمات شرقية بروح معاصرة، زخارف وخطوط متقاطعة تصنع صورا تقترب من أنغام موسيقى البادية العربية، فهو يجنح إلى البساطة في الأداء والكثير من العمق في الطرح لروايته التشكيلية حيث اعتزازه الواضح بعروبته، فهو الفنان السوري الأصيل المولود شرق دير الزور سنة 1965. تلك المدينة التي تقع في صرة طريق القوافل بين بغداد وحلب، ولا تبعد إلا بضع كيلومترات عن الفرات، تقع على جغرافيا ضاربة في عمق التاريخ حيث توافدت العديد من الحضارات المشرقية وتنوعت ثقافتها وفنونها بمناخها الصحراوي.
تبدو الكثير من أعمال هذا الفنان السوري بنسيجها الدقيق من الخطوط المتشابكة والمتقنة في خلفيات البورتريهات التي يرسمها أو أعماله التعبيرية الأخرى بأقلام الخطاط، كأنها زخارف الحنة التي تصنعها النساء على أجسادهن أو تلك التي تقترب من فن الوشم الشرقي واستعماله الكثير من الملابس والأزياء النسائية باختلافها وتنوع تفصيلها وألوانها وكذلك ملابس الرجال بهوياتها الأصيلة في البادية والمدن العريقة من بلاد الشام.
إنه فنان شعبي يقترب دائما من التفاصيل ويهتم بالقصص الإنسانية وحياة البشر في أعماله الفنية، وهو أيضا مشرقي الثقافة وصاحب نزعة فنية عالمية، مخلص لبيئته وجمالياته المحلية التي يرصدها دائما في لوحاته ويؤكد دائما انحيازه إلى التفاصيل الدقيقة بالخطوط والزخرفة التي تنسج أعماله في صور غاية في الأناقة والجمال والتي غالبا ما تعبر عن آمال البسطاء من الناس العاديين في محيطه كالفلاح وعازف الناي والأرض وأشجار الزيتون والأم والزوجة وصانع القهوة وأباريق وسجاد ومدن حالمة وقرى متداخلة البيوت ومتعانقة مع الأفق بنكهة شرقية خالصة.
تجربة تواكب الفن المعاصر وذات طابع تعبيري رمزي في بعض الأحيان، فنان واسع الاطلاع وكثير الكتابة عن تجارب الفنانين السوريين والعرب، متطوع في خدمة الثقافة البصرية العربية منذ عقود مضت حيث كان له موقع “ميادين” وهو مجلة ثقافية تشكيلية ومدونته في النقد التي كان لها دور كبير في التعريف بالعديد من التجارب التشكيلية الجادة في البدايات الأولى للصحافة الإلكترونية.
هناك وشائج وملامح بين ما يرسمه الفنان عبود سلمان وبعض من نماذج الفن في بلاد الشام والعراق وخصوصا ما تبلور على يد الفنان الشعبي أبوصبحي التيناوي وقبله على يد الرسام والخطاط في العصر العباسي يحيى بن محمود الواسطي، غير أن الفنان سلمان كان مدركا لكل ما يفعل وكان دخوله إلى عالم الفن الشعبي من باب العارف والمتذوق والباحث في التراث والناقد الذي استهواه سحر هذه المناطق النضرة وخصوبة إنتاجها الجمالي، وأراد تقديمها في قالب معاصر حسب موضوعاته التي كان يعالجها في أعماله الفنية. وقد استلهم أعماله من مناطق صباه القريبة من مسقط رأسه والمجاورة لحدود العراق في الجغرافيا والتاريخ بكل ما فيها من منتج فني وثقافي مشترك وخاص بسمات وملامح حضارة نهر الفرات.
يكتب الفنان النقد التشكيلي والدراسات والقراءات وينشرها في العديد من الصحف والمجلات العربية المتخصصة بالفن التشكيلي العربي. وصدر له العديد من الكتب منذ عام 1998 إلى 2008 في العديد من دور النشر العربية عن تجارب تشكيلية مختلفة.
يتقن فن الرسم الكاريكاتير ورسم الوجوه وقد اشتغل في مجال رسم الكاريكاتير منذ عام 1980 وأقام معرضه الشخصي الأول بفن الكاريكاتير السياسي والاجتماعي بعنوان “وجوه”، وله العديد من المشاركات في معارض جماعية.
كتب الفنان عبود سلمان حول فنه، فقال “هو نتاج أنموذج الفنان التشكيلي الشعبي المعاصر والحديث. ينهل من جماليات البيئة العربية السورية الشعبية، وفق أفكار رسم أجواء الفنون المنمنمة الشرقية، والتي تميز تاريخ الحركة التشكيلية العربية والسورية الشرق أوسطية، حيث يمثل بأسلوبه ومدرسته الفنية، خصوصية الفنان التشكيلي المخلص لبيئته وعالمه. هو الذي يرسم ويلون ويحاور الطبيعة والإنسانيات، وكل الجماليات المحلية المغرقة في التفاصيل الحميمة التي تدور حول حضارة تاريخ الإنسان في أرض الفرات، وتاريخ بلدته الميادين التي ولد فيها والتي تقع شرق سوريا وبالقرب من العراق. وهي بلدة قديمة في حضارات الشرق، وبلاد الشام والبادية السورية، ومنها يستلهم خصوصية عالمه الفني وإبداعاته. ترعرع على ضفاف نهر الفرات الذي يظهر لديه جليا في العديد من أعماله وألوانه وعالمه المدهش”.
والفنان عبود سلمان هو فنان تشكيلي سوري، يعيش في كندا. من مواليد عام 1965 بسوريا وتحديدا في الميادين الواقعة شرق دير الزور، ويعمل كفنان تشكيلي متفرغ للرسم وقد أقام العديد من المعارض التشكيلية من رسم وتصوير تشكيلي وفن مفاهيمي (فنون تطبيقية). منح العديد من شهادات التقدير من عدة وزارات عربية ومؤسسات ثقافية وتربوية ومهنية، ومعارض تشكيلية وملتقيات عربية ومهرجانات عن مساهماته في كافة مجالاته الفنية.
