"الملجأ" و"ذاكرة صفراء"و"المؤسسة" ثلاث مسرحيات تبحث عن الحرية

الواقع المضطرب يترك بصمته على أولى عروض مهرجان المسرح العربي في سلطنة عمان.
الاثنين 2025/01/13
البحث عن الحرية للخروج من العتمة

يؤثر الواقع العربي المضطرب في الثقافة العربية بشكل عميق، وهذا جلي في ما ينتجه العرب مثلا من أعمال إبداعية سواء في الأدب أو الفنون. من هذا الواقع كان للحروب وآثارها النفسية وبيئة القمع وضيق أفق الحريات انعكاس مباشر على أولى العروض المسرحية التي قدمت في الدورة الـ15 من مهرجان المسرح العربي في سلطنة عمان.

تتمحور فكرة العروض المسرحية “الملجأ” الأردني، و”ذاكرة صفراء” السعودي، و”المؤسسة” البحريني، على اختلاف نصوصها وطرائق تشكيلها ورؤاها ومعالجاتها الإخراجية والفنية على خشبة المسرح، حول فكرة البحث عن الحرية وكسر سلطة القمع سواء كانت سلطة أبوية أو استعمارية أو فكرية، فالمهم أننا أمام سلطة تمارس القهر على الروح والجسد، القلب والعقل، الزمان والمكان.

العروض الثلاثة قدمت في إطار مهرجان المسرح العربي في دورته الـ15 الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح، وتستضيفه عاصمة سلطنة عمان ـ مسقط.

زمن ليس ببعيد

بوكس

 تضعنا مسرحية “الملجأ” للمخرجين الأردنيين سوسن دروزة والحاكم مسعود وتأليف نجيب نصير وسوسن دروزة، في ساعات الرعب والفزع، قصف عنيف، قريب وبعيد، يحاصر الجميع، ليس من زمن حقيقي، القصف هو الوقت والساعة، خشبة مسرح أسفل بناية معروفة في المدينة، متروك بملابس وأثاث متنوع وإكسسوارات، هو مكان لفرقة مصرة على البقاء، المكان غني بوثائق مسرحية سيتم البحث والكشف عنها.

يبدأ العرض من زمن ليس ببعيد عن الحاضر الآني، حيث أصوات قصف المدافع والطائرات تصل إلى القابعين فيه يصارعون أفكارهم ورؤاهم حول مصيره انطلاقا من كونه ملجأ لأرواحهم وذواتهم وفنهم الباحث عن النجاة من أهوال ما يحيط بعالمه من قصف وهدم وقتل، هناك سلوى وجواد نجمان مسرحيان ولهما تاريخ مسرحي طويل، لهما جماهيرية، يرافقهما نوفل وهو حارس ومدير خشبة، لكن في ظل تدهور الأوضاع ينضم آخرون إلى سكان المكان، ومن بينهم الراقصة شهلا التي تدعي أنها أتت لتجربة أداء، والصحافي نبيل الذي جاء لعمل تقرير، وحيث صار المسرح ملجأ فعليا وعاطفيا لسكانه، ينشب النزاع وتطغى الشكوك بأن جواد قد أجر المسرح أو أبرم صفقة ما من أجل إنقاذ المسرح، ويبقى الخطر الخارجي قائما، فيحتدم الحوار والصراع الداخلي.

لكن هل كون مؤلفين اشتغلا على العرض وأيضا مخرجين أحدهما شريك في التأليف والآخر مخرج سينمائي ترك أثرا سلبيا على العرض؟ هل هذا الاضطراب رافق رؤيته نتيجة تداخل رؤيتين؟ حيث إنه ـ العرض ـ يطرح أكثر من تساؤل تأليفا وإخراجا تتمثل في الرسالة المستهدفه منه، هل هي حرية الفن ومن ثم حرية الإنسان؟ وهل ينتهي الأمر بالفن والإنسان إلى أن يكون ملجأهما ملجأ محاصرا بالقمع والعنف حيث تنهار فيه الأفكار والمفاهيم والتصورات حول الوجود الإنساني ككل؟ أيهما الاستعمار والحرب أم الاستثمار ما يهدد وجود الفن والإنسان معا أم ترى هناك قضايا أخرى ذات ارتباط وثيق بهما؟

هل الرسالة التي يسعى العرض إلى إرسالها لمتلقيه تستدعي فنيا وجماليا كل هذا الترهل في الرؤية والحركة الجسدية المتشنجة والصوت العالي الصاخب؟ أيضا هل الديكور الذي تجسد على فضاء الخشبة يحمل ملامح مسرح أم ملجأ أم أن الأمر كما قالت المخرجة والمؤلفة مسرح الملجأ وملجأ المسرح؟

الجروح النفسية

بوكس

مسرحية “ذاكرة صفراء” التي قدمتها فرقة نورس المسرحية السعودية، وهي من تأليف عباس الحايك، وإخراج حسن العلي، جاءت حافلة بالبساطة والعمق معا، عرض دقيق نصا وأداء وسينوغرافيا، فالفضاء المسرحي تشكلت عليه صالة شقة كانت عبارة عن لوحة تشكيلية سواء من خلال اللوحات التي تطل على الجدارن وجميعها تحمل ملامح فتاة واحدة أو الباب الذي يفتح عليها، أو المربع الذي يطل عليها بكرسي يجلس عليه رجل نعرف أنه الأب حين يغادره، والمربع والرجل يشكلان ما يشبه صورة على الجدار، أو موقع الفنان للرسم وبجواره المانيكان.

كافة هذه التفاصيل سوف ترتبط ارتباطا عضويا مع حالة بطل العرض الذي يعاني من تشوه في الوجه جراء إصابته في الحرب، ومن ثم اضطراب نفسي نتيجة هروبه من بلد إلى آخر محملا بكم من الذكريات المؤلمة، عن والده وقسوته، عن حبيبته الأولى التي خانته، وأمه التي فقدها.

الحرب ليست وحدها التي تركت أثرها على جسد البطل “أنسي” وروحه، ولكن حالة الفقد التي أصابته برحيل أمه وصديقه عمره حسام، وقمع والده له وتهديده بالتبرؤ منه في حالة تجرأ وأحب امرأة، وتنمر مديره في العمل عليه، كل ذلك دفع به إلى وحدة ألقت بظلالها على حياته، فصار يتحدث إلى المانيكان باعتبارها حبيبته الأولى والتي لا ينفك يرسمها، ويتوهم وجود أشخاص يعيشون معه في شقته، يتخيل حارس العمارة الذي يأتي إليه لينظف له الشقة، وأمل الفتاة التي طرقت عليه باب شقته لسؤاله عن أخيها، ويتوهم حضور والده لكي يطمئن إلى التزامه بوصاياه التي تشدد على عدم الاقتراب من أي امرأة، حتى يكتشف في النهاية أنه لا أحد هناك معه.

وإذا كانت المسرحية تحمل أبعادا نفسية وتحاول الغوص في تلك الاضطرابات التي تظهر على ضحايا الحروب، وضحايا المجتمع أيضا، لكنها تكشف إلى أي مدى يمكن أن يصل رعب القمع بالإنسان، حيث يسجنه داخل عالم مظلم بكل ما يؤلم.

الأداء التمثيلي لأبطال العرض لم يكن موفقا فقط ولكنه كان متفردا، فعلى الرغم من عمق الفكرة في مختلف تفاصيلها، إلا أن الطاقات التعبيرية للممثلين كانت بارعة ومنسجمة مع التعبيرات الجسدية.

يناقش عرض “المؤسسة” لفرقة مسرح الصواري البحريني، والمأخوذة عن نص الروائي الإسباني أنطونيو باييخو، إعداد عيسى الصنديد، وإخراج عيسى الصنديد، فكرة حرية الإنسان وكرامته من منظور البطل المصاب بانفصام في الشخصية، حيث تبدو الأحداث في البدايات وكأننا في مصحة عقلية، لكن ما إن تتكشف يظهر أن مكان العرض هو زنزانة داخل السجن يتقاسمها سجناء ينتظرون موعد إعدامهم.

السجن/ المؤسسة يحمل داخله كل أشكال القمع والاحتقار للإنسان، لا ماء، لا طعام، لا دواء، لا حوار، ولا تواصل مع عالم خارجي حتى بين الحين والآخر، لا نظافة، تفوح فيه رائحة العفن، فقط أوامر السجان التي تخلخل القوى العقلية لمن بداخله، وتجعلهم مجرد أدوات ربما لتعميق ماسأة ذاكرتهم، فتوماس الذي يعيش وهم وجود حبيبة له وأنها تزوره وتتحدث معه ويطلب منها أن تظهر لكي يراها زملاؤه في السجن، يدفع جميع من معه إلى تصور وجودها.

 

اقرأ أيضا:

         • عبدالكريم جواد: المسرح الوطني العماني يواكب تطور المسارح العالمية

13