"الملك آرثر" مغامرة سينمائية تجمع بين وفاء الكلب وإنسانية الإنسان

إخراج سينمائي بنكهة وثائقية مقتبس من رواية واقعية.
الجمعة 2025/01/10
من كلب مشرد إلى بطل

يحظى الكلب بصفته رمزا للوفاء والتضحية باهتمام كبير من السينما العالمية، حيث أنتجت العديد من الأفلام التي تركز على مميزات الكلاب وعلاقتها بالبشر، ومن هذه الأفلام "الملك آرثر" الذي يروي بطولات الكلب آرثر في حمايته وتوجيهه فريقا للعدو.

قدم فيلم “الملك آرثر” للمخرج البريطاني سيمون سيلان جونز حكاية العدّاء ميكائيل لينندورد الذي يواجه لقاء غير متوقع مع كلب مشرد ويصطحبه في مغامرة ملحمية للمشاركة في سباق كبير، فقد استوحاه المخرج من أحداث حقيقية وثقها المتسابق السويدي ميكائيل لينندورد في مذكراته الصادرة عام 2016. الفيلم من سيناريو ميكائيل لينندورد وبطولة كل من مارك ويلبرغ، وناتلي إيمانويل، وسيمو لو، ومايكل لاندز، وبول جيلفويل، وروب كولينز.

يركز السيناريو على تقديم خلفية درامية متكاملة تعيشها شخصية رئيسية تدعى مايكل، يبدأ الفيلم بمشهد استرجاعي يوضح هزيمة فريق مايكل في سباق مشحون، وهو ما يبرز شخصيته كقائد متغطرس يرفض الاعتراف بالهزيمة لكنه يفتقد القدرة على معالجة أخطائه، ويتمثل هذا التمهيد في بناء أرضية سينمائية قوية لشد انتباه المشاهد إلى أبعاد الشخصية ودوافعها المعقدة. يرسخ هذا المشهد طبيعة مايكل كرجل يسعى دائما لتحقيق المجد، لكنه في الوقت نفسه يعاني من أزمة هوية وشعور بالذنب جراء الفشل، وهذا الأساس يمهد الطريق لصراع طويل الأمد بين رغبته في تحقيق ذاته وبين التحديات التي تواجهه سواء على المستوى النفسي أو العملي.

تتناول الأحداث الشخصيات بأسلوب يوازن بين دورها في خلق حبكة مقنعة وبين تجسيد قصة حقيقية، فشخصية مايكل تحتل المركز الأساسي من خلال رحلته النفسية التي مر خلالها من قائد مهووس بالبطولة إلى شخص قادر على التضحية والتواصل الإنساني، ويظهر هذا التحول تدريجيا من خلال قراراته الإنسانية في علاقته مع الكلب وأفعاله في تحقيق النجاح كمتسابق لا يستسلم، ويبرز الكلب آرثر كعنصر رمزي، لكنه يتطور ليصبح شخصية رئيسية ذات دور فعال في تشكيل الأحداث. في لقطات ومشاهد الكلب الأولى نظن أنه مجرد كلب ضال يتبع الفريق، لكن مع تقدم الأحداث نكتشف أنه يمثل قيما مهمة مثل الإصرار والوفاء، وهذا الطرح يجعل الجمهور يشعر بأن هذا الحيوان هو المحرك الخفي للشخصيات.

◙ الفيلم يختتم برسالة قوية تؤكد أهمية العلاقات وقيم التضحية والوفاء خاصة عندما يصبح الكلب جزءا من عائلة مايكل
◙ الفيلم يختتم برسالة قوية تؤكد أهمية العلاقات وقيم التضحية والوفاء خاصة عندما يصبح الكلب جزءا من عائلة مايكل

وتأتي البيئة التي تدور فيها الأحداث كإطار بصري جميل وعنصر درامي نشط يساهم في خلق عقبات جد واقعية للمتسابقين، إذ إن المناظر الطبيعية لجمهورية الدومينيكان توحي بتحديات وعقبات واقعية للقصة، يصبح من خلالها عبور الجبال والمنحدرات والغابات المطيرة رمزا للعقد النفسية والجسدية التي تواجه الفريق، ويحتم جوهر السيناريو استخدام هذه البيئة لإبراز  قوة التحول العاطفي للشخصيات، خاصة مشهد الكلب آرثر وهو يمنع الفريق من التقدم نحو المنحدر، وهو مشهد قوي يوضح التفاعل بين الشخصيات والطبيعة بطريقة تشدد على أهمية الروابط الإنسانية مع البيئة المحيط بهم.

ويحافظ الإيقاع الزمني للأحداث على وتيرة تصاعدية تبقي المشاهدين في حالة تفاعل دائم مع الأحداث، وتتشابك مشاهد الحركة مثل تسلق الجبال والانزلاق بين المنحدرات مع لحظات إنسانية متوازية، مثل مشهد قرار مايكل إنقاذ الكلب آرثر رغم المخاطر، وهذا التوازن يمنح القصة الكثير من الواقعية التي تصبح من خلالها مشاهد الحركة أكثر تأثيرا بفضل العلاقة المتينة التي تنشأ بين حيوان أليف وإنسان، فالقصة تعتمد على الإثارة البصرية وتوظيفها لإبراز المعاني الإنسانية مثل التضحية والتعاون والإصرار.

يشكل وجود الكلب آرثر عنصرا رمزيا  للقيم التي تسعى قصة الفيلم إلى إبرازها، فوجوده ينقذ الفريق في لحظات الخطر ويتجاوز ذلك ليصبح رمزا للوفاء والصداقة، هنا نشاهد العلاقة المفاجئة بين آرثر ومايكل كقصة مصغرة داخل الحبكة الأكبر لأحداث السباق، واللحظة التي يقرر فيها مايكل إدماج آرثر في الفريق تمثل نقطة تحول درامية يتحول من خلالها الكلب من مجرد ضيف غير متوقع إلى عنصر أساسي يساهم في نجاح الفريق وتجاوز العقبات.

ويختتم الفيلم برسالة قوية تؤكد أهمية العلاقات الإنسانية وقيم التضحية والوفاء، خاصة عندما يصبح الكلب آرثر جزءا من عائلة مايكل، كنهاية إيجابية ومؤثرة والتحول الذي عاشه الفريق بأكمله، كرحلة إنسانية تعلمت شخصيات الفيلم فيها قيما أعمق من مجرد الفوز. نهاية تمنح المشاهد شعورا بالرضا والأمل وتذكره بأن العلاقات الإنسانية هي التي تمنح الحياة معناها الحقيقي.

واعتمد المخرج على أسلوب يشبه الفيلم الوثائقي في لغته، فتظهر الأحداث بواقعية صرفة على القصة السينمائية، ويتجلى هذا الأسلوب من خلال الاعتماد على تصوير المشاهد بطريقة تنقل تفاصيل الحياة اليومية بعقباتها التي يواجهها فريق السباق، فاستخدام الكاميرا المحمولة بحركة ديناميكية تخلق إحساسا بالمغامرة وتجعل المشاهد يشعر وكأنه جزء من الرحلة التي يخوضها الفريق، وهذا الأسلوب يتيح للمخرج طرح الجوانب الإنسانية للحكاية مثل التعب، الأمل والاندماج مع الطبيعة.

◙ المخرج استوحى الفيلم من أحداث وثقها المتسابق السويدي ميكائيل لينندورد في مذكراته الصادرة عام 2016
◙ المخرج استوحى الفيلم من أحداث وثقها المتسابق السويدي ميكائيل لينندورد في مذكراته الصادرة عام 2016

ويتقن المخرج البريطاني سيمون سيلان جونز ترتيب اللقطات والمشاهد ليبرز تطور الأحداث الطويلة التي عاشها فريق المغامرة، إذ يتنقل بين اللقطات القريبة جدا للبطل مايكل والتي تركز على تعبيرات وجهه وانفعالاته الشخصية، واللقطات المقربة للكلب آرثر التي تظهر مشاعره وتفاعلاته مع الفريق، واللقطات البعيدة التي تلتقط للمجموعة بأكملها وهي تواجه التحديات في الطبيعة الوعرة، وهذه التداخلات بين الأحجام المختلفة للقطات تساعد في إبراز التوازن بين الحكاية الفردية لكل شخصية وبين السياق الأوسع للسباق الجماعي، كما يبين المخرج مهارته في جعل الانتقالات بين هذه اللقطات سلسة ومنسجمة مع نسق السرد الواقعي للفيلم.

ويستخدم المخرج زوايا تصوير مدروسة لخلق تأثير بصري ومعنوي على الأحداث، مثل زاوية مستوى العين لتصوير الكلب آرثر، لجعل المشاهد يشعر بالقرب من هذا الحيوان الذي يمثل رمزا للقوة والوفاء، فهذه الزاوية تبين الكلب كعنصر متكافئ مع الشخصيات البشرية، بينما تلتقط الزاوية العلوية للتصوير مشاهد السباق بغرض تقديم رؤية شاملة عن الفريق والمكان، أما الزاوية المنخفضة فتبرز خلال لقطات البحر لتجعل المشاهد يشعر بضخامة الأمواج وقوة الطبيعة وتخلف إحساسا بالعجز البشري أمام قوى الطبيعة.

ويتجلى ذكاء المخرج في كيفية استغلال البيئة المحيطة كعنصر درامي بصري، حيث تبرز الطبيعة كأحد المؤثرات الفاعلة في الفيلم، لأن تلك المناظر الطبيعية توحي بصعوبة الرحلة خاصة في المشاهد التي تصور سقوط المطر، بينما تنجح مشاهد السباق في تحقيق تأثير درامي قوي بفضل التنسيق المحكم بين التصوير والإضاءة و الطبيعة، فمثلا اللقطات البعيدة للفريق المغامر وهو يسير بين التضاريس الصعبة تأتي كلوحة فنية تبرز جمال الطبيعة وقسوتها.

وسيمون سيلان جونز مخرج بريطاني بارز في مجالي السينما والتلفزيون، بدأ مسيرته المهنية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي كمساعد إنتاج في بعض المسلسلات ثم تدرج ليصبح مخرجا في أواخر الثمانينات. عمل على مجموعة من أبرز الأعمال التلفزيونية البريطانية في التسعينات، وأخرج العديد من الحلقات الناجحة التي نالت استحسان الجمهور والنقاد، كما حصل على ترشيح لجوائز مرموقة عن أول أفلامه الروائية الطويلة، وتميزت مسيرته بأعمال بارزة مثل فيلم “قضية الجورب الحريري” وأفلام أخرى تناولت موضوعات اجتماعية وسياسية هامة. على الصعيد الشخصي، ينتمي سيلان إلى عائلة فنية، فوالده كان مخرجا معروفا وأخوه غير الشقيق صحافيا بارزا.

15