اسأل مجرّبا ولا تسأل طبيبا

أستعير المثل الشعبي “اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا” المنتشر في أغلب الدول العربية إن لم يكن كلها، لأصف حال التونسيين بعد سماعهم الزيادة في تعريفات استشارة الأطباء في القطاعين الخاص والعام مع بداية هذه السنة الجديدة التي تنذرهم بزيادات قادمة.
في بلد لا يتعدى الأجر الأدنى للعمال فيه 700 دينار (حوالي 220 دولارا)، قررت نقابة الأطباء الترفيع في تعريفة الاستشارة الطبية المختصة بين 55 دينارا و80 دينارا (حوالي 18 و25 دولارا)، سواء في عياداتهم أو عن بعد. وتشمل الزيادات تعريفة الأطباء المختصين في الأعصاب والطب النفسي، والتي أصبحت تتراوح بين 60 دينارا و85 دينارا (حوالي 19 و25 دولارا).
الترفيع يشمل كذلك خدمات الولادة، حيث تتراوح تسعيرة الولادة العادية بين 550 و850 دينارا (171 و165 دولارا)، في حين تتراوح تسعيرة الولادة المتعددة (ولادة التوأم) بين 650 دينارا و950 دينارا (حوالي 203 و297 دولارا).
في بلد أضر التضخم المالي والركود الاقتصادي بشعبه وهاجر معظم أدمغته إلى الخليج وأوروبا وكندا بحثا عن فرص عمل تضمن لهم حياة أفضل، استقبل أبناؤه الإعلان عن هذه الزيادات بالكثير من التندر والفكاهة، وبعضهم غضب وثار وكتب تدوينات تنفس عن غضبه.
سنعود إلى الطب “الرعواني”، أي المداواة بالأعشاب، هكذا سخر البعض من الخبر، بينما رأى آخرون أن الدولة تريد قتلهم بتعجيزهم عن الذهاب إلى الأطباء، مستنكرين صمتها تجاه قرار النقابة.
أما النساء فتهكم بعضهن على الخبر؛ “سنعود إلى القصعة والماء الساخن والقابلة” (إناء الماء الساخن والداية أو المولدة)، هكذا ردد بعضهن وهن يستعدن ذكرى الجدات اللواتي كن يلدن في المنازل وخلال العمل في الحقول. أما غير المتزوجين فسخروا من الأمر بأن “الدولة لا تريدنا أن نمرض أو نتزوج وننجب المزيد من الأطفال.”
البعض الآخر اختار أن يحسب الأرباح التي يكسبها جيرانه ومعارفه من الأطباء، مستنكرا كيف تتحجج النقابة بتراجع القدرة الشرائية لهم وهم يكسبون آلاف الدينارات شهريا ولا يدفعون سوى 500 دينار ضرائب سنوية (155 دولارا). والطبيب الخاص في تونس يحسب على النخبة والطبقة المرفهة.
والمعلوم عند أغلب التونسيين أن تعريفة الأطباء الجديدة هي في الأساس تعريفة العديد من الأطباء منذ السابق، فليست هناك رقابة على الأسعار، الطبيب النفسي مثلا كانت تعريفته 100 دينار (31 دولارا) قبل الزيادة فكيف ستصبح اليوم؟
حتى الزيادات في تعريفة أطباء القطاع العام لا تبدو منطقية، فالمستشفيات العمومية تعيش حالة تدهور كبيرة، إذ تفتقر إلى أطباء الاختصاص والآلات الطبية اللازمة، ويهجرها أغلب التونسيين مفضلين العلاج في القطاع الخاص حتى وإن اقترضوا ثمن الاستشارة.
وبالعودة إلى المثل الشعبي “اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا” أريد الإشارة إلى أننا نتداوله بشكل خاطئ، فهو في الأساس “اسأل مجربا ولا تنسى الطبيب”، أي أن سؤال شخص جرب مرضا أو ألما يشبه ألمك لا يغنيك عن زيارة الطبيب.
هذا المثل يقال إنه في الأصل للفقيه بهاء الدين الأبشيهي (1388 – 1448) من كتابه “المستطرف من كل فن مستظرف”، وهو كتاب يشتمل على كل فن ظريف وفيه استدلال بآيات من القرآن وحكايات حسنة عن الأخيار ونقل فيه الكاتب لطائف عديدة من منتخبات الكتب المفيدة وأودع فيه مجموعة من الأمثال والنوادر الهزلية والغرائب والعجائب.
وسواء أكان المثل يحضّنا على سؤال المجرب فقط أم يذكرنا -مع ذلك- بوجوب عدم نسيان الطبيب، يبدو أن التونسيين مقبلون على أيام لن يسألوا فيها الطبيب وسيتناسونه عمدا وسيعودون إلى الطب التقليدي، وسيرفعون شعار “النفس نفسك وأنت طبيبها”.