الكاتبة رزان نعيم المغربي: الأدب لا يصفي الحسابات ولا يحمل رسالة تغيير

تكتب الروائية رزان نعيم المغربي بأسلوب مختلف كاختلاف نظرتها للمشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي في وطنها ليبيا، وهي تخوض تحديا كبيرا لإبراز جمالية الأمكنة في نصوصها. وفي حوار جمعها بـ”العرب” توضح الكاتبة الليبية آراءها في الأدب والتصنيفات الأدبية مبينة نشأتها وموضوع روايتها الأخيرة “الرسام الإنكليزي”.
يؤدي تنقل المرء في الصغر بين مدن عدة إلى الشعور أحيانا بفقدان المنطقة الآمنة، لكن ذلك يغدو في المستقبل سببا لتعدد روافد بناء الشخصية، وغزارة الحكايات والتجارب الحية، وهذا ما حدث في حياة الكاتبة والأديبة الليبية رزان نعيم المغربي، التي بدأت نشر إنتاجها الأدبي في الصحف منذ حوالي ثلاثين عاما، وتعددت دروب إبداعها على مدى الرحلة، متنقلة بين القصة القصيرة والرواية والشعر.
وأصدرت رزان المغربي مؤخرا أحدث أعمالها الأدبية، وهي رواية “الرسام الإنكليزي”، وفيها تتناول حكاية جدارية “البراديا” في ليبيا ومدى ما تمثله من تشابه مع الواقع الليبي، الذي يعاني كثيرًا جراء ما عرف بـ“الربيع العربي”.
قالت رزان نعيم المغربي في حوارها مع “العرب” إن عام 2011 “جاء بمنزلة انعطافة حادة في تاريخنا، يشبه زلزالا مازالت تردداته ماثلة حتى اليوم. ولا يمكن اختصار ما حدث في نظرة أحادية، وتصعب محاكمة عقود مضت من خلال نص روائي.”
"الرسام الإنكليزي" رواية تتناول حكاية جدارية "البراديا" في ليبيا وما تمثله من تشابه مع الواقع الليبي
وترفض الأديبة الليبية تصفية الحسابات عبر الفن، قائلة “إن هذا ليس دوره. صحيح أن رواية ‘الرسام الإنكليزي’ تبدأ مع لحظة سكوت مدافع الحرب العالمية الثانية وتنتهي بلحظة سقوط نظام العقيد معمر القذافي. وبين هاتين اللحظتين، تحركت شخصيات العمل الروائي عبر أجيال، بديناميكية تتواءم مع انعطافات تاريخية وُظفت لخدمة فكرة العمل.”
كشفت المغربي أن جدارية “البراديا” التي تتناولها الرواية ورسمها الرسام الإنكليزي جون فريدريك لا يعلم بعض الليبيين بوجودها منذ الحرب العالمية الثانية ومدى أهميتها، وفيها قصد الفنان أن يقسمها إلى نصفين، يشير أحدهما إلى الحرب والعنف، بينما يعبر الآخر عن الفن والسلام.
وأكدت الكاتبة الليبية لـ“العرب” أن “ليبيا تبدو للمراقب البعيد وكأنها واقع متشظٍ ومنقسم، خاصة مع صورة صراع السياسيين على السلطة، وتلك الحروب التي تشتعل بين حين وآخر بهدف الاستحواذ على الثروة. لكن الحقيقة مختلفة. فالمواطن الليبي يعيش صراعًا آخر وهو: كيف ينجو من شظايا تلك الحروب ويدبر شؤون حياته اليومية.”
ولا تزال رزان ترى أن نسيج المجتمع الليبي متماسك ومتآزر، تجمعه روابط قوية، كصلة القربى والمصير المشترك، وهي أواصر تُبقي المجتمع متينا رغم الصراعات.
وتنتمي الأديبة رزان نعيم المغربي إلى أسرة ليبية، فوالدها ليبي الجنسية وأمها لبنانية، وكان جدها من المهاجرين إلى سوريا، حيث كانت نشأتها هناك في الطفولة، إذ درست جميع المراحل الدراسية حتى حصلت على بكالوريوس التجارة والمحاسبة من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق.
تعود الكاتبة الليبية في حوارها لـ“العرب” إلى سنوات الطفولة، معتبرة أن التنقل بين المدن المتعددة بسبب طبيعة عمل والدها كان سببًا في فقدانها ما يُعرف بالمنطقة الآمنة، لكنها مع مرور الوقت أدركت أن لهذا الوضع ميزة أخرى؛ فالتنقل وتعدد البيوت والانتماء إلى أكثر من مكان كان مصدر إلهام وتجربة غنية، فكل مكان ترك لها حكاية، وكل تجربة كانت فرصة للحكي لديها.
وأضافت “هذا التكوين الأول منحني رصيدًا إنسانيًا وثقافيًا متنوعًا انعكس بوضوح على كتاباتي، وجعلني أمتلك مخزونًا من الحكايات التي تترجم ما اختبرته عبر الأماكن.”
وسألت “العرب” الكاتبة الليبية التي تقيم في هولندا منذ عشر سنوات عما إذا كان الابتعاد ضرورة كي يقول الكاتب ما يريد بحرية، وعن استفادتها الفكرية بشكل عام من الإقامة في أوروبا. فأجابت “عندما وصلت إلى هولندا، وجدت نفسي أمام مستوى جديد من اختبار الابتعاد عن كل ما نشأت عليه: اللغة، الثقافة، العادات، والأفكار. هذه النقلة، مهما كان دافعها، جعلتني أعيد تأمل ذاتي بعمق وأختبر قدرتي على التكيف والاندماج مع مجتمع مختلف.”
كانت الحرية من الأسباب الرئيسية التي دفعت الكاتبة إلى الابتعاد وأخذ هذه المسافة. لكنها اكتشفت، كما تقول، أنها طالما تكتب باللغة العربية فإن هامش الحرية يظل مقيدًا لكن بطريقة مريحة. مقيد لأنها تتوجه إلى قارئ وناشر عربيين، ومعارض كتب تسوق أعمالها في العالم العربي. ومريح لأنها أصبحت تملك وقتًا كافيًا لتتعلم لغة جديدة وتكوين صداقات مع أشخاص لا تضطر إلى مجاملتهم.
ولا ترى رزان نعيم المغربي، التي كان لها منذ أيام حوار مع الإعلامية اللبنانية نجوى بركات في برنامج “مطالعات” على قناة “العربي 2”، أن الحل المنتظر لأوضاعنا في المنطقة العربية يحتاج إلى استلهام النموذج الغربي، فقد تعلمت أن علينا الاستفادة من تجارب الغرب التي أوصلتهم إلى التقدم، لكن لا يمكننا تطبيق النموذج الغربي حرفيًا على واقعنا؛ فالأهم هو امتلاك المهارات التي تساعدنا على تحقيق تطور يخدم مجتمعاتنا.
نشرت الكاتبة والأديبة الليبية عددا كبيرا من الأعمال، يشمل مجموعات قصصية، منها “في عراء المنفى” و“الجياد تلتهم البحر” و“نصوص ضائعة التوقيع” و“رجل بين بين”، وديوان شعر “إشارات حمراء”، وروايتا “الهجرة على مدار الحمل” و“نساء الريح” التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2011، وحصلت على جائزة مجلة “دبي الثقافية” عام 2007، وجائزة “أوكسفام نوفيب” لحرية التعبير في هولندا عام 2015.
وتنظر المغربي إلى الأدب باعتباره أحد أشكال الفنون، ودور الفن في رأيها هو التأثير في الروح والعقل، ومنح المتلقي مساحة ليكتشف إنسانيته وقدرته على الابتكار. لذلك لا ترى أن الأدب حامل لرسالة تغيير الواقع؛ فهذا دور يختص به علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد، كما تقول.
وتعتبر أن الحياة تقوم على التعددية والتنوع، وليس الثنائيات المتضادة بحدة، لذلك تعتقد أن جميع أشكال الكتابة مقبولة، من الواقعية إلى المدارس الحداثية. وتبقى حرية الاختيار للكاتب وموضوعه. والمهم أن يقول الكاتب ما يريده دون أن يفقد النص قيمه الجمالية وقوته التعبيرية.
الفكرة هي المحرك الأول الذي يدفع رزان نعيم المغربي إلى الكتابة في القصة أو الرواية. وهي ترى أن مقولة “الرواية ليست مجرد حكاية” صحيحة. وتصف الرواية بأنها فضاء مفتوح للتجريب الإبداعي سواء على مستوى البنية السردية أو المضمون. واليوم، بعد ثورة المعلومات، أصبح استلهام أفكار جديدة أمرا ممكنا كما فعلت الواقعية السحرية، التي مثلت قفزة في التجديد الروائي، على حد وصفها.
تدور أحداث رواية “نساء الريح” حول الحيوات السرية للنساء، إذ تروي حكاية خادمة مغربية تطلب مساعدة نساء في حياتها لجمع ما يكفي من المال كي تهرب على متن سفينة في البحر. وخلال ذلك تكشف الرواية قصص من ساعدنها، من المرأة العراقية التي تؤدي دور الوسيط بينها وبين المهربين في البحر، إلى الكاتبة والفتاة الصغيرة التي تخلت عنها والدتها.
تعتبر رزان نعيم المغربي أن التقسيمات الأدبية التي تقوم على جنس الكاتب، والتوصيفات التي تتحدث عما يعرف بـ“الأدب النسوي”، غير واقعية، وتراها نتاج عقلية قاصرة عن تلقي الفن كقيمة إنسانية بعيدًا عن الجندر، بل إن هذه المصطلحات في رأيها ظهرت سابقًا لتهميش كتابات المرأة، لكن القارئ اليوم أصبح أكثر وعيًا بهذه التصنيفات ولم يعد يلتفت إليها.
وتقول بحسم في ختام حوارها لـ“العرب” إن الأدب الجيد لا يُصنف بجنس كاتبه، بل بمدى عمقه الإنساني وقدرته على التعبير عن قضايا الإنسان.